السبت 23 نوفمبر 2024
مجتمع

المغرب يفقد أحد كبار حكماء الطب بالمغرب.. الأستاذ العلمي حميدان الطايع

المغرب يفقد أحد كبار حكماء الطب بالمغرب.. الأستاذ العلمي حميدان الطايع الراحل البروفسور حميدان الطايع العلمي
غادرنا اليوم أحد أعلام الطب المغربي، الأستاذ الجليل حميدان الطايع العلمي، عن عمر ناهز التسعين عاماً، بعد مسيرة طويلة وحافلة في التعليم وتكوين الأطباء في جراحة الأطفال وعلم التشريح.
 
" الحديث عن أستاذي الكبير، البروفسور حميدان الطايع العلمي، أمر في غاية الصعوبة بالنسبة لي، خاصة في هذه اللحظات الحزينة والمؤلمة. 
لقد هزني خبر وفاته بشدة، وجعل الكلمات تتعثر في حلقي، والخنقة تغلب عليّ.
 
تعرفت على هذا الأستاذ الاستثنائي عام 1975. كنت حينها طالباً في السنة التمهيدية لدراسة الطب. كان يدرس لنا مادة جديدة عليّ تماماً آنذاك، وهي علم التشريح.
 
كنا، نحن طلاب الطب، مفتونين بهذا المحاضر البليغ الذي كان يتحكم بلغة موليير بمهارة وفصاحة، تغمر المدرج بالصمت المهيب، على عكس الضجيج الذي كان يعمّ أثناء محاضرات أساتذة آخرين مثل البروفيسور بيرجان.
كان الأستاذ العلمي يفرض الصمت بهيبته وفنه في التدريس. 

وعندما كان أحد المشاغبين في نهاية المدرج يجرؤ على التفاهة، كان أستاذنا يرمي الطبشور الذي كان يرسم به قطاعات التشريح الشهيرة، ويترك القاعة غاضباً قائلاً بصوت ممتعض: "اعتبروا الدرس قد انتهى."
 
كان الطلاب يشعرون بالحسرة والغضب من المشاغبين، ومع مرور الوقت عادت الأمور إلى نصابها، وامتنع المشاغبون عن مضايقته، مفضلين أن يحتفظوا بتصرفاتهم لأساتذة آخرين.
 
في قسم جراحة الأطفال، كانت سمعة البروفيسور العلمي أسطورية. كان قلة من المساعدين والمتدربين قادرين على مواكبة وتيرته العالية. العمليات الجراحية، الاجتماعات الطبية، الزيارات والإشراف على الطلاب كانت تتم بوتيرة شديدة لا يستطيع الكثير من الأطباء تحملها، مما أدى ببعضهم إلى الانسحاب والانتقال إلى أقسام أخرى أكثر هدوءاً.
 
تحدث الطلاب عنه كثيراً، حتى أصبح أسطورة في المستشفى الجامعي بالرباط. 

وكانوا يروون حكايات، مثل تلك التي تحدثت عن مطاردته لأحد الأطباء الشبان في الممر وهو يحمل مشرطاً بعدما ارتكب خطأً جراحياً فادحاً.
 
كان الناس أيضاً يقولون إنه قبل أن يصبح طبيباً، كان مدرساً، وأن ابنه كان مريضاً، وعندما احتجّ على الطبيب المعالج، تعرض للإهانة، مما دفعه إلى دراسة الطب والتخصص في جراحة الأطفال.
 
شخصياً، كنت أصادف البروفيسور العلمي أحياناً في ساعات متأخرة من الليل أثناء نوبات الحراسة، حيث كان يأتي لإجراء زيارات مفاجئة للتأكد من أن كل شيء على ما يرام. 

كان الآباء يكنّون له حباً كبيراً، لأنه كان طبيباً شديد الحرص والاهتمام، ويأخذ وقته في شرح البروتوكولات العلاجية لهم بهدوء.
 
لم يكن البروفيسور العلمي يكتفي بتكوين الأطباء في جراحة الأطفال فحسب، بل كان يغرس فيهم القيم التي جعلته الطبيب الذي نعرفه، طبيباً مخلصاً ومتفانياً في عمله. هذا ما كان واضحاً في طلابه، مثل الراحلين البروفيسور برحو وبنحمو، والأستاذ العزيز أوتارحوت الذي أتمنى له طول العمر.
 
كان الطلاب يحبونه كثيراً، لأنه كان سخياً في تصحيح أوراق الامتحانات، حتى أنه كان يشرح للطلاب الذين أخطأوا، ثم يقول لهم: "اذهبوا"، ويمنحهم درجة النجاح.
 
البروفيسور العلمي كان يتمتع بعلاقات طيبة مع زملائه، وكان يشارك بحماس في كل الجهود المبذولة من قبل إدارة الكلية لتحسين التعليم الطبي في المغرب، وضمان تكوين أطباء ذوي كفاءة عالية وقيم إنسانية ومهنية.
 
بقلم الدكتور فؤاد بوشارب والدكتور أنور الشرقاوي