على هامش الندوة الوطنية التي نظمتها التنسيقية المغربية للأطباء من أجل فلسطين و تنسيقية المحامين لدعم فلسطين والجبهة المغربية لدعم فلسطين بمراكش مساء يوم السبت12 أكتوبر 2024 حول "القضية الفلسطينية والقضاء الدولي"، والتي عرفت حضورا كبيرا من المحامين والنقباء السابقين لهيئة مراكش والأطباء والطلبة الباحثين من كلية الحقوق بمراكش وعموم الجمهور، أجرت " أنفاس بريس" حوارا مع العميد يوسف البحيري الفقيه القانوني وأستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول موقف القضاء الجنائي الدولي من الأعمال العدوانية الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
ماهي قراءتكم القانونية للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول الاحتلال الاسرائيلي لقطاع غزة؟
أصدرت محكمة العدل الدولية الرأي الاستشاري بتاريخ 19يوليوز 2024، بعد الدعوى التي رفعتها جنوب افريقيا وانضمت إليها كولومبيا والمكسيك واسبانيا وأخيرا بوليفيا حول عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والذي يشكل إدانة للاستعمار الإسرائيلي وذلك بناء على الاحالة التي تقدمت بها الجمعية العامة للأمم المتحدة، بواسطة السؤال المتعلق بالآثار القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 . وتجب الإشارة أنه بتاريخ في 26 يناير 2024، سبق لمحكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري أن طالبت اسرائيل بوقف أعمال الإبادة الجماعية ضد المدنيين في قطاع غزة ، بعد الاحالة التي تقدمت بها جنوب أفريقيا بشأن الانتهاكات الاسرائيلية لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.
وإذا عدنا للرأي الاستشاري 19يوليوز 2024، فإدانة محكمة العدل الدولية للاحتلال الاسرائيلي تتجلى في اعتبار سياسة الاستيطان التي تمارسها اسرائيل تتنافى مع مقتضيات القانون الدولي، و تؤدي إلى الترحيل الجماعي للشعب الفلسطيني ومصادرة الأراضي ونقل المستوطنين الإسرائيليين إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو ما يشكل انتهاكا جسيما للقانون الدولي الانساني وخصوصا اتفاقية جنيف الرابعة 1949 التي تحرم النزوح القسري للسكان المحميين زمن الحرب، كما تدعو محكمة العدل الدولية إسرائيل بهدم جدار الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وخلصت محكمة العدل الدولية إلى أن سياسات وممارسات إسرائيل تتعارض مع المادة 3 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وتتوفر فيها اركان جرائم الفصل العنصري والأبارتايد.
وفي الختام، أكدت محكمة العدل الدولية على عدم شرعية الاستعمار الإسرائيلي واستمرار إجهاض حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وهو ما يجعل من الوجود الإسرائيلي في الأراضي المحتلة منذ عام 1967غير قانوني. وإن إسرائيل ملزمة بإنهائه في أسرع وقت ممكن. كما طالبت المحكمة من الجمعية العامة ومجلس الأمن الى وضع حد للوجود غير القانوني لدولة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
ماهي تداعيات تحريك اليات المتابعة الجنائية في حق المسؤولين الإسرائيليين من طرف المحكمة الجنائية الدولية؟
وفق مقتضيات المادة 13 من النظام الأساسي لروما المتعلق بطرق الاحالة يمكن للمحكمة الجنائية الدولية تحريك اليات المتابعة الجنائية من طرف الدول الاطراف)المادة (14، أعلن المدعي العام للمحكمة كريم خان تلقي مكتبه إحالة الدول الاطراف جنوب أفريقيا وبنغلاديش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي، وبعدها الشيلي والمكسيك الرامية الى فتح تحقيق بشأن الجرائم الاسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة، و بتاريخ 17 نوفمبر 2023 وبناءا على هذه الاحالات من طرف الدول الاطراف، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية،على أوامر الاعتقال في حق خمسة اشخاص من الجانبين الاسرائيلي وحماس.
فبالنسبة الاتهامات التي وجهها المدعي العام لقادة حماس يحيى السنوار ومحمد دياب المصري واسماعيل هنية قبل مقتله، هي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية اثناء هجوم حماس في 7 أكتوبر2023 ، والتي تمثلت في القتل وأخذ الرهائن والاغتصاب وغيرها من أعمال العنف الجنسي والتعذيب والمعاملة القاسية والاعتداء على الكرامة في سياق الأسر.
ومن جانب ثان، فالمدعي العام يصدر لأول مرة في تاريخ القضاء الدولي أوامر الاعتقال والمتابعة الجنائية في حق الوزير الاول الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع يوهاف كالان، وذلك بارتكاب الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب ضد السكان المدنيين في قطاع غزة و هذه الجرائم
, le recours à la famine des civils comme arme de guerre, priver la population civile des moyens essentiels à la survie, l’extermination, le meurtre
( الترجمة الى اللغة العربية) استعمال تجويع المدنيين كسلاح حرب، حرمان المدنيين من الوسائل الضرورية للحياة ، والابادة، والقتل العمد.
ماهي الآثار القانونية لقرار المدعي العام المتعلقة بأوامر الاعتقال والمتابعة الجنائية في حق الوزير الأول الاسرائيلي بنيامين نتانياهو؟
يمكن تقديم مجموعة من الملاحظات الأساسية حول قرار المدعي العام بالمتابعة الجنائية في حق الوزير الأول الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع يوهاف كالان.
الملاحظة الاولى :
ضرورة التأكيد على شجاعة المدعي العام باتهام القادة الاسرائيليين كمجرمي حرب بارتكاب الجرائم الدولية، والتي لا تسقط بالتقادم وتستدعي وفق المبادئ الاساسية للمحكمة بضرورة المتابعة الجنائية، ومطالبة الدول بالتعاون القضائي الدولي وتسليمهم للمحكمة، حيث تفاعلت النرويج مع إصدار المحكمة الجنائية الدولية لمذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والتزمت بإلقاء القبض عليه وتقديمه للمحكمة. فالباب التاسع من النظام الأساسي في المادة 93 تلزم جميع الدول الأطراف في النظام الأساسي والدول غير الأطراف بالتعاون القضائي الدولي مع المحكمة الجنائية الدولية المتمثل في تنفيذ أوامر القبض و التسليم لمرتكبي الجرائم الدولية قصد المحاكمة.
الملاحظة الثانية :
تتعلق بالجرائم التي يتهم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية المسؤولين الإسرائيليين بارتكابها، استعمال تجويع المدنيين كسلاح حرب، حرمان المدنيين من الوسائل الضرورية للحياة ، والابادة ، والقتل العمد، فهي تندرج في نطاق المادة السادسة من اختصاص المحكمة المتعلقة بجريمة الابادة الجماعية أخطر الجرائم الدولية على الاطلاق، والتي تعرفها المادة السادسة "التدمير الكلي والجزئي لجماعة انسانية بسبب الانتماء الاثني او العرقي او اللغوي او الديني أو غيرها" اضافة الى الجريمة ضد الانسانية وجريمة الحرب.
ومن هذا المنطلق، يطرح التساؤل عن عدم اتهام المدعي العام للمحكمة الجنائية القادة الإسرائيليين بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، بالرغم باتهامهم في سياق ارتكاب الجريمة ضد الإنسانية "بالإبادة والقتل العمد. وعلى هذا الأساس، لا يوجد تفسير واضح لعدم لجوء المدعي العام إلى اتهام إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، والاكتفاء بالمتابعة الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب. في هذا السياق، يمكن الاستئناس بالتعليق الصادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر على المادة 54 من البروتوكول الأول لاتفاقية جنيف التي تحظر استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، والذي يعتبر أن سياسية التجويع ضد المدنيين في زمن الحرب هو بمثابة سلاح لإبادة السكان.
الملاحظة الثالثة:
تتعلق بتفنيد المدعى العام كريم خان للأطروحة الاسرائيلية للدفاع الشرعي، حيث اعتبر أن اسرائيل لا يمكنها الادعاء بارتكاب الجرائم الدولية في إطار ممارسة حق الدفاع الشرعي، وأشار المدعي العام للمحكمة إلى أن "لإسرائيل الحق في اتخاذ إجراءات للدفاع عن سكانها" وليس القيام بحرب الإبادة والتجويع والقتل العمد في حق الشعب الفلسطيني. والمادة 51 من الميثاق المتعلقة بالدفاع الشرعي تعطي الحق المؤقت للدول في حق درء الخطر الخارجي الى حين تدخل مجلس الأمن مع مراعاة التناسب ودون أن يتحول الى الأعمال الانتقامية المخالفة للقانون الدولي.