أي تأثيرات للحرب والصراع في الشرق الأوسط على أسواق النفط والتجارة الدولية؟ أمام تحدي روسيا والصين، للهيمنة الأميركية الراهنة والنظام الدولي أحادي القطب، هل سيشهد العالم خلال السنوات المقبلة بروز نظام اقتصادي عالمي جديد وعملة قوية تنافس الدولار الأمريكي؟
أسئلة وأخرى طرحتها "أنفاس بريس" على عبد الرزاق الهيري، أستاذ الاقتصاد بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس، وجاءت أجوبته كالتالي:
أسئلة وأخرى طرحتها "أنفاس بريس" على عبد الرزاق الهيري، أستاذ الاقتصاد بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس، وجاءت أجوبته كالتالي:
مامدى تأثيرات الحرب والصراع في الشرق الأوسط على أسواق النفط والتجارة الدولية؟
يبدو أن الحرب والنزاع في الشرق الأوسط لم يؤثروا بشكل كبير على ارتفاع سعر برميل النفط، خصوصا أن ثمن برميل النفط يعتبر مرجعا أساسيا لتطور أسعار النفط على الصعيد العالمي، وهذا التطور جاء خلافا للتوقعات والتخوفات من أن يحصل ارتفاع كبير لسعر برميل النفط، لما لذلك من آثار سلبية على تطور الاقتصاد العالمي، وكذلك تطور الاقتصادات الوطنية، حيث لاحظنا تقريبا على مدى سنة انخفاض ثمن سعر البرميل الذي كان في حدود 90 دولار للبرميل منذ أكتوبر 2023. أما الآن فيسجل مستويات تبلغ 73، 74 دولار، وعلى أقصى تقدير 75 دولار يوم 2 أكتوبر 2024. بطبيعة الحال هذا الانخفاض كان كذلك قد سجل نهاية سنة 2023 قبل أن يعود إلى الارتفاع في أبريل 2024، ليصل إلى حدود 90 دولار للبرميل. إذن، يبدو أن هذا النزاع لم يؤثر بشكل كبير على هذه الأسعار ، نظرا لكون البلدان المعنية بهذا النزاع لا تعتبر فضاء لإنتاج هذه المادة الحيوية، ولكن كذلك لا تعتبر مجال لإنتاج مواد إستراتيجية بالنسبة للإقتصاد العالمي، وكذلك اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط. بخلاف تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية.
حسب الأرقام التي أتوفر عليها، وكذلك التحاليل التي قام بها صندوق النقد الدولي خصوصا فيما يخص آفاق الاقتصاد العالمي سنتي 2024 و 2025، يتبين أن التجارة الدولية ستعرف ارتفاعا ب2.6% سنة 2024 مقارنة بسنة 2023، وكذلك سيعرف الناتج الداخلي الخام العالمي ارتفاعا ب2.6 في المائة سنة 2024. بالنسبة لسنة 2025: توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى نمو التجارة الدولية ب3.3 في المائة في حين سيرتفع الناتج الداخلي الخام ب2.7 في المائة.
وبالتالي هذا الصراع لم يؤثر بشكل كبير على أسعار البترول وتطور التجارة الدولية، لأن التجارة الدولية تتطور حسب عدة محددات منها: صدمات فيما يتعلق بالعرض، وكذلك صدمات فيما يتعلق بالطلب، وكذلك الاختلالات والاضطرابات التي تعرفها سلاسل التزويد، وكذلك اللايقين فيما يتعلق بالسياسات التجارية.
الشرق الأوسط على مر التاريخ كان دائما محطة للصراعات على عكس الأحواض الجغرافية في العالم، لكن ذلك لم يؤثر على نمو التجارة الدولية، لماذا؟
الشرق الأوسط كان على مر التاريخ محطة للصراعات على عكس أحواض جغرافية في العالم، ولكن رغم هذه الصراعات فهذا لم يؤثر بشكل كبير على نمو التجارة الدولية، وهذا ما وضحناه بالأرقام التي صدرت عن صندوق النقد الدولي. ضعف تأثير الصراع في الشرق الأوسط على نمو التجارة الدولية مرده على الأقل الى عاملين إثنين:
الأول، أن الدول المعنية بهذا النزاع في الشرق الأوسط لا تمثل وزنا كبيرا في التجارة الدولية، مقارنة مع الدول التي لها حضور قوي في المبادلات التجارية على الصعيد العالمي كالصين، وكذلك الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها ألمانيا، كذلك بلدان أمريكا الشمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى اليابان في أقصى الشرق، وهذه البلدان تمثل ما لايقل عن 80 في المائة من حجم المبادلات التجارية على الاقل فيما بحص السلع.
الأول، أن الدول المعنية بهذا النزاع في الشرق الأوسط لا تمثل وزنا كبيرا في التجارة الدولية، مقارنة مع الدول التي لها حضور قوي في المبادلات التجارية على الصعيد العالمي كالصين، وكذلك الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها ألمانيا، كذلك بلدان أمريكا الشمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى اليابان في أقصى الشرق، وهذه البلدان تمثل ما لايقل عن 80 في المائة من حجم المبادلات التجارية على الاقل فيما بحص السلع.
العامل الثاني، وهو عامل مهم، هو التنسيق ما بين هذه الدول التي لها حضور قوي على الصعيد الدولي، فيما يتعلق بالتجارة الدولية، يهم التنسيق تأمين المسارات والطرق التجارية، إلى جانب الطرق البحرية التي تسلكها السفن التجارية والتي لها دور كبير في تطوير المبادلات التجارية ما بين مختلف بقاع العالم.
أمام تحدي روسيا والصين، للهيمنة الأميركية الراهنة ونظامها أحادي القطب، هل سنشهد خلال السنوات المقبلة بروز نظام اقتصادي عالمي جديد؟
للإجابة على هذا السؤال، يجب أن لا ننسى أن العملة التي تتوفر عليها الولايات المتحدة الأمريكية هي عملة قوية، الدولار يقوم بوظائف العملة الدولية فهو يمثل ثلثي الاحتياطات العالمية. فالولايات المتحدة البلد الوحيد في العالم الذي يفوتر تجارته بالدولار ، وله ارتباط تقريبا مع 72 عملة، كما يمثل تقريبا 40 في المائة من الدين العالمي وما يناهز 90 في المائة من العمليات في سوق الصرف العالمي، وهذا يعطينيا فكرة عن تبعية الاقتصاد العالمي للدولار.
لوحظ في السنوات الأخيرة، انخفاض في حصة الدولار من احتياطيات العملة الصعبة على الصعيد العالمي، أمام ارتفاع عملات أخرى كاليوان الصيني، ولكن لا زال يمثل نسبة ضعيفة في الاحتياطيات العالمية التي تتوفر عليها الدول، أي ما يمثل نسبة 3 في المائة.
لهذا أعتقد أن بزوغ نظام مالي عالمي جديد، سيتطلب مزيدا من الوقت نظرا للارتباط الوثيق والقوي للاقتصاد الدولي مع الدولار، ولهذا فهناك محاولات خصوصا من طرف مجموعة البريكس، من أجل فرض عملة جديدة لتحل محل الدولار. وعلى الأقل، على المدى القصير والمتوسط. أعتقد أنه صعب جدا نظرا للمميزات التاريخية، خاصة حين إنشاء أو إطلاق النظام النقدي العالمي آنذاك سنة 1944، فهو مرتبط بمؤسستين دوليتين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذان لهما دور كبير في النظام النقدي العالمي. بروز نظام اقتصادي عالمي جديد يمكن أن نشاهده على المدى الطويل ويتطلب اقتصاد قوي بعملة قوية، يمكنها أن تنافس الدولار . الكل يتوقع الدور الكبير للصين في الاقتصاد العالمي الجديد، لكن ذلك يتطلب مجموعة من الشروط من بينها وضع الثقة في قيادة النظام العالمي الجديد والثقة في عملة التي بواسطتها يمكن أن نثق في نظام اقتصادي عالمي جديد، وهذا لن يتأتى لا على المدى القصير ولا على المدى المتوسط.