يعد الصراع في الشرق الأوسط من أكثر النزاعات تعقيدًا في العالم، ويعود استمراره إلى مجموعة من الأسباب المتداخلة على مدار العقود الماضية. ورغم محاولات السلام المتعددة، لا يزال هذا الصراع قائمًا ويشكل تحديًا كبيرًا للمنطقة والعالم. وللوقوف على أهم العوامل التي تُبقي هذا الصراع مشتعلاً والآفاق الممكنة لحلّه، يستعرض د. يوسف سعيد البردويل، المحلل السياسي الفلسطيني المقيم بالمغرب، في تحليله جملة من الأسباب والحلول التي قد تسهم في إدارة الصراع بفاعلية أكبر.
ويرى محاورنا أن من بين أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار الصراع هو الدعم المستمر الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، وهو دعم يتأثر بشكل كبير بنفوذ اللوبي الصهيوني. هذا التأثير يضمن بقاء السياسات الأمريكية منحازة لصالح إسرائيل، ما يضعف إمكانية الوصول إلى حل عادل للصراع.
من العوامل الأخرى التي تعمق الأزمة هو غياب وحدة الصف العربي، إذ يرى البردويل أن المواقف العربية المتفرقة وغير الموحدة تسهم في إضعاف الجهود الرامية لحل الصراع. فكلما زاد التشتت بين الدول العربية، أصبحت الأطراف الأخرى أكثر قوة وتأثيرًا.
ويؤكد يوسف البردويل، في تصريح ل" أنفاس بريس" أن الاعتداءات الإسرائيلية وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم، حيث يتعرض الفلسطينيون لحرمان مستمر من حقوقهم الأساسية، بما في ذلك حق تقرير المصير وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. بالإضافة إلى ذلك، تستمر إسرائيل في ممارساتها بحق المقدسات الدينية، وخاصة المسجد الأقصى، وتفرض حصارًا خانقًا على غزة، ما يزيد من تعقيد الأزمة ويؤجج المشاعر.
ويرى البردويل أن التفسير الديني والعقائدي للصراع، سواء من الجانب الإسرائيلي أو العربي والإسلامي، يجعل من حله أمرًا شبه مستحيل. فالأطراف المتنازعة تنظر إلى القضية من منظور ديني، مما يزيد من تعقيد الأمور ويجعل التوصل إلى حل وسط أمرًا بعيد المنال.
ورغم صعوبة الوصول إلى حل نهائي، يطرح البردويل رؤية لإدارة الصراع بطريقة قد تكون أكثر واقعية وتخدم المصالح العربية. هذه الرؤية ترتكز على عدة نقاط أهمها :
1. توحيد الموقف العربي: يؤكد البردويل أن على الأنظمة العربية إدراك أن تشتت برامجها ورؤاها حول الصراع لا يخدم القضية الفلسطينية ولا المصالح العربية بشكل عام. من الضروري تبني موقف موحد، سواء من خلال السلام المبني على قوة سياسية واضحة، أو من خلال خيار آخر كالقوة العسكرية، وإن كان ذلك الخيار الأخير.
2. فرض وحدة الصف الفلسطيني: يطالب البردويل الدول العربية بوقف دعم أطراف فلسطينية متنازعة على حساب أخرى. يجب أن يكون هناك موقف واضح بفرض وحدة الصف بين الفلسطينيين أنفسهم، إذ أن الانقسام الفلسطيني يضعف القدرة على مواجهة الاحتلال وتحقيق الأهداف الوطنية.
3. تعزيز الموقف العربي في المنظمات الدولية: يوصي البردويل باتخاذ موقف عربي موحد وقوي داخل الهيئات والمنظمات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. هذه المؤسسات يمكن أن تكون ساحة للضغط على إسرائيل من أجل الالتزام بالقانون الدولي وتنفيذ القرارات المتعلقة بحل الصراع.
4. إعادة النظر في الدعم الأمريكي لإسرائيل: يرى البردويل أن الولايات المتحدة بحاجة إلى مراجعة موقفها الداعم لإسرائيل، خاصةً في ظل تجاوز هذا الدعم حدود احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان. يتطلب ذلك موقفًا دوليًا حازمًا للضغط على واشنطن لتغيير سياساتها.
5. استغلال التطبيع العربي مع إسرائيل: في سياق التطبيع المتزايد بين بعض الدول العربية وإسرائيل، يطرح البردويل فكرة استغلال هذا التطبيع في خدمة القضية الفلسطينية، بدلًا من جعله وسيلة لتهميشها. يمكن أن يكون التطبيع أداة للضغط على إسرائيل لحل الصراع بطريقة عادلة.
ويختم يوسف البردويل تصريحه بالتأكيد على أن أن الصراع في الشرق الأوسط يتسم بتعقيدات تاريخية ودينية وسياسية تجعل من حله أمرًا صعبًا. ومع ذلك، يمكن إدارة الصراع بفاعلية أكبر إذا ما تم تبني رؤية عربية موحدة واستغلال أدوات الضغط الدولي بشكل أكثر كفاءة. يتطلب الأمر جهدًا دبلوماسيًا وسياسيًا كبيرًا، لكنه قد يكون السبيل الأمثل لتحقيق بعض التقدم في هذه القضية المعقدة.