الجمعة 27 سبتمبر 2024
مجتمع

فتاة في 28 سنة من عمرها  تحت العلاج بالدياليز بسبب السكري

فتاة في 28 سنة من عمرها  تحت العلاج بالدياليز بسبب السكري الدكتور أنور شرقاوي (يمينا) والبروفيسور إدريس القباج
قصة مستوحاة من واقع حقيقي
 
في عمر 28 عامًا، كانت ليلى تحمل على عاتقها عبء مرض رافقها منذ ولادتها: السكري.
 
شُخصت ليلى منذ طفولتها بمرض السكري من النوع الأول، والذي تطلب منها أن تعيش بين حقن الأنسولين والمواعيد الطبية المتكررة.
 
ورغم التحذيرات المستمرة من أطبائها، إلا أن علاقتها بمرضها كانت معقدة، مليئة بالإنكار والتمرد والإحباط.
 
ظاهريًا، كانت ليلى تعيش حياة طبيعية. كانت شابة جميلة مفعمة بالحيوية، محاطة بالأصدقاء الذين غالبًا ما كانوا يجهلون حجم معاناتها. 
كانت تحب الخروج والاستمتاع بأبسط متع الحياة، كتناول الحلويات رغم علمها بأنها ممنوعة.
 
كانت فكرة الالتزام بنظام غذائي صارم ومراقبة كل سعرة حرارية، وممارسة النشاط البدني بانتظام، تثير لديها الإحباط. 
كانت تردد دائمًا: "أنا شابة، أريد أن أعيش" كلما تخلفت عن جرعة الأنسولين أو تناولت شيئًا غير مناسب.
 
ولكن بينما كانت ليلى تغض الطرف عن مرضها، كان جسدها يتعب بصمت.
 كانت قدماها تبدآن في التنميل بشكل متزايد، وكانت رؤيتها تصبح أكثر ضبابية، وأعضاؤها، وخاصة كليتاها، تبدأ في الانهيار تدريجيًا.
 
كانت ليلى تتجنب زيارات الطبيب لأن الأخبار كانت دائمًا سيئة. 
في أعماقها، كانت تخشى مواجهة الحقيقة: أن مرضها ليس مجرد إزعاج مؤقت، بل خطر حقيقي.
 
مرت السنوات، وجاءت العواقب الوخيمة لإهمالها. في سن 27، بدأت تشعر بإرهاق شديد. جسدها خانها. الشابة التي كانت تفيض بالطاقة لم تعد تستطيع صعود الدرج بسهولة، وكانت تجد صعوبة في البقاء مستيقظة لساعات دون أن تنهار من التعب. كانت قدماها تتورمان بشدة، وأصبح البول نادرًا جدًا.
 
وفي إحدى الليالي، بعد ألم حاد في أسفل الظهر وقيء لا يتوقف، تم نقلها إلى المستشفى.
وكانت النتيجة صادمة: فشل كلوي مزمن. أُبلغت ليلى بأن كليتيها تضررتا بشدة وأنها بحاجة لبدء العلاج بالدياليز فورًا.
 
كانت ليلى في حالة صدمة. 
كلمة "دياليز" كانت كالحكم بالإعدام بالنسبة لها. 
سمعت عن هذه العملية من قبل، لكنها لم تتوقع أبدًا أن تواجهها في سن مبكرة.
 لقد كانت الحقيقة قاسية: مرض السكري الذي كانت تهمله قد دمر جسدها من الداخل.
 
في الأسابيع التي تلت ذلك، بدأت تتأقلم مع الروتين الجديد المؤلم. ثلاث مرات في الأسبوع، كانت تقضي ساعات في غرفة المستشفى، موصولة بجهاز ينظف دمها بدلاً من كليتيها المعطلتين. 
الإبر، التي كانت تكرهها منذ الطفولة، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتها. كل جلسة كانت تتركها أكثر تعبًا، وأكثر مرارة.
 
بدىء الندم يتسلل إلى قلبها.
 لماذا لم تعتني بنفسها في وقت سابق؟
 لماذا اختارت الهروب من مرضها بدلاً من مواجهته؟ 
كانت تتذكر تحذيرات طبيبها، والمواعيد التي فاتتها، والحلويات التي لم تستطع مقاومتها. 
الثمن الذي تدفعه الآن كان باهظًا جدًا.
 
ومع ذلك، رغم الحزن واليأس الذي غمرها، وجدت ليلى القوة لتواجه. الدياليز لم تكن نهاية، بل بداية جديدة. أدركت أن حياتها، رغم أنها تغيرت، ما زالت تحمل معنى.
 
بدأت تلتقي بمرضى آخرين يخضعون للدياليز، تستمع إلى قصصهم، تشاركهم مخاوفها وآمالهم. في تلك الغرفة الباردة في المستشفى، وجدت مجتمعًا ساعدها على إعادة اكتشاف معنى الحياة.
 
كانت ليلى تعلم أنها لن تستعيد كليتيها، لكنها كانت تعلم أيضًا أن لديها فرصة لرعاية جسدها، لاحترام تلك الآلة الهشة التي أهملتها لسنوات طويلة. أخيرًا، قبلت مرضها، ليس كحكم بالإعدام، بل كتحد يجب مواجهته.
 
مرت الأشهر، وتعلمت ليلى التعايش مع الدياليز. أصبح نظامها الغذائي حليفًا بدلاً من عدو، وممارسة الرياضة، حتى لو كانت بسيطة، ساعدتها على استعادة بعض من قوتها.
 لم تعد تلك الفتاة الشابة المتمردة والمتهورة. أصبحت أكثر حكمة، وأكثر وعيًا بمدى هشاشة الحياة، وأكثر عزمًا على الاستمتاع بكل لحظة.
 
واصلت ليلى كفاحها، ليس من أجل الشفاء، ولكن من أجل العيش بكرامة، رغم القيود، ورغم الآلة التي أصبحت جزءًا من حياتها اليومية. لأنها في أعماقها، أدركت حقيقة أساسية: الشجاعة الحقيقية ليست في الهروب من الخوف، بل في مواجهته.
 
بقلم: الدكتور أنور الشرقاوي بالتعاون مع البروفيسور إدريس القباج، رئيس الجمعية المغربية لأمراض الكلي