السبت 18 مايو 2024
ضيف

عبد الرحيم الهندوف: لماذا هذا التمييز بين النظام العسكري والنظام المدني في التقاعد؟

 
 
عبد الرحيم الهندوف: لماذا هذا التمييز بين النظام العسكري والنظام المدني في التقاعد؟

يكشف عبد الرحيم الهندوف، الكاتب العام  الوطني للاتحاد النقابي للموظفين والموظفات (إ. م. ش)، في هذا الحوار مع موقع "أنفاس بريس"، الأسباب الرئيسية للإضراب الوطني المرتقب يوم 29 أكتوبر الجاري، والتي مثلها في: "الاقتطاع من أجور المضربين في القطاع العام، وقمع الحريات العامة خاصة حق التظاهر...." مشيرا إلى أنه إذا أردنا حل مشكل التقاعد، فينبغي "دعوة الدولة إلى احترام الثلثين من المساهمات كما هو جاري به العمل في النظام العسكري وفي الصندوق المغربي للتقاعد وفي النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وهذا الأمر جاري به العمل في جميع الصناديق في العالم". مؤكدا أنه لا خوف من إضراب 29 أكتوبر، "لأن المغرب حاليا مختلف عن الظروف التي عرفها في عام 1990 وفي عام 1981"، مضيفا "لا أعتقد أنه ستحدث انفلاتات أو أحداث شغب، كما يحاول البعض تهويل وتخويف الناس". وتمنى الهندوف "أن يكون هذا الإضراب درسا للحكومة، وللدولة كي لا تتم الاستهانة بالطبقة العاملة وبالشعب والنقابات".

- ما هي الأسباب التي دعتكم داخل الاتحاد المغربي للشغل إلى اتخاذ قرار خوض الإضراب الوطني يوم 29 أكتوبر؟

+ بصراحة هناك أسباب كثيرة دفعتنا لاتخاذ قرار خوض الإضراب الوطني يوم 29 أكتوبر.. فالمتتبع للأوضاع في المغرب سيلاحظ أن الحكومة الحالية شنت هجمة شرسة ضد مصالح الموظفين والأجراء، كان أولها الاقتطاع من أجور المضربين في القطاع العام، قمع الحريات العامة وعلى رأسها الحق في التظاهر. فالعديد من الوقفات الاحتجاجية تعرضت للمنع وتم اعتقال بعض المحتجين. وعلى سبيل المثال تم اعتقال الأساتذة المجازين أثناء معركتهم، كما تم اعتقال المعطلين وناشطين من حركة 20 فبراير. كذلك مع حلول هذه الحكومة تم الهجوم على القدرة الشرائية، مما أدى إلى غلاء المعيشة، والتي كان آخرها الزيادة في أسعار الماء والكهرباء، كما تراجعت الحكومة الحالية عن مكتسبات اتفاق 26 أبريل 2011 رغم أن بعض بنود الاتفاق لا علاقة له بالأزمة ولا يكلف الدولة سنتيما واحدا. وسأعطيك مثالا واحدا وهو، توحيد الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي والصناعي.. كما تراجعت الحكومة عن الاتفاق المبرم مع المعطلين والقاضي بتوظفيهم في أسلاك الوظيفة العمومية. والنقطة التي أفاضت الكأس هي الهجوم على مكتسبات التقاعد.. فالدولة، ودون أي استشارة، أصدرت قانونا خارج الدورة البرلمانية طبقا للفصل 81 من الدستور، لحرمانهم من التقاعد إلا بعد بلوغ 60 أو 65 عاما. وفوق كل هذا وذاك أعدت مشروع "الإصلاح المقياسي لنظام المعاشات المدنية المدبر من طرف الصندوق المغربي للتقاعد. وهنا أود أن أوضح أن هذا الإصلاح الذي جاءت به الحكومة لا يحل الأزمة، بل فقط يؤجلها إلى عام 2022. فماذا عسانا نفعل مع حلول عام 2022؟ هل نحدد سن التقاعد في 65 أو 70 عاما ونزيد حجم الاقتطاعات من 14 في المائة الى 20 في المائة ؟

- كيف تفسرون  الصمت الحكومي إزاء نظام المعاشات العسكرية؟

+ نظام المعاشات العسكرية هو أيضا في وضع مقلق، حيث سيبلغ العجز هذا العام مليار و300 مليون، وطبعا ستغطيه الدولة علما أن 2013 سجلت هي الأخرى عجزا لنظام المعاشات العسكرية بلغ 500 مليون، وفي 2012 بلغ العجز 150 مليون وقد قامت بتغطيته الدولة، والدولة لن تقبل تقاعد الجندي في 65 عاما.. إذن ما هو الحل بالنسبة للمعاشات العسكرية ؟ الحل الوحيد بالنسبة للقطاع العسكري هو تكفل الدولة بتغطية المعاشات كما كان الأمر سابقا بالنسبة للموظفين.

إذن نحن نقول لماذا هذا التمييز بين النظام العسكري والنظام المدني؟ وشيء آخر، وهو حتى ولو قامت الدولة بما شاءت من إصلاحات، وحتى ولو قامت برفع سن التقاعد الى 80 عاما وزادت في الاقتطاعات، فإنها لن تتمكن من حل هذه الأزمة لماذا. لسبب بسيط هو أن عدد الموظفين لا يتعدى 9 في المائة من الساكنة النشيطة، عدد الموظفين مقارنة مع عدد المتقاعدين قليلة، ثلاث موظفين نشيطين مقابل متقاعد واحد بعد أن كانت النسبة 12 موظفا مقابل متقاعد واحد، وبالتالي ليس هناك أي حل آخر سوى زيادة عدد الموظفين، والدولة ترفض هذا الحل.

وللإشارة، فإن الدولة في المغرب لا تشغل إلا 9 في المائة من الساكنة النشيطة، بينما الدولة في الجزائر تشغل 40 في المائة من الساكنة النشيطة، وفرنسا تشغل 20 في المائة من الساكنة النشيطة، وتونس تشغل 18 في المائة من الساكنة النشيطة.. وهذا هو السبب الحقيقي لأزمة التقاعد.

- وما هي الحلول التي تقترحون لحل مشكل التقاعد؟

+ أولا، ندعو الدولة إلى احترام الثلثين من المساهمات كما هو جاري به العمل في النظام العسكري وفي الصندوق المغربي للتقاعد وفي النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وهذا الأمر جاري به العمل في جميع الصناديق في العالم، حينها سنتمكن من تأجيل الأزمة الى غاية 2025، دون أن نكون مضطرين لرفع سن التقاعد أو الزيادة في الاقتطاعات، لأنه لا يعقل أن يؤدي الموظف 10 في المائة والدولة 10 في المائة، بل يجب على الدولة أداء 20 في المائة تماما مثل النظام العسكري، وحينها سنتمكن خلال عشر سنوات من إنجاز الإصلاح الشامل. ثانيا، نقترح مضاعفة عدد الموظفين وهذا الأمر تصرح الدولة بأن لا قدرة لديها على تنفيذه. والحل الثالث هو أداء الدولة للمعاشات والأجور كما كان الأمر قبل 1996، لأنه قبل هذا العام لم يكن هناك صندوق للتقاعد بل كانت وزارة المالية تضطلع بأداء الأجور والمعاشات، ونفس الحالة ما زالت تطبق بفرنسا إلى يومنا هذا، وفي الجزائر مثلا جميع الشغيلين منخرطين في صندوق للتقاعد، بينما يقتصر الحق في التقاعد في المغرب على الأجراء في القطاع العام والقطاع الخاص. وإذا كان الأجراء في القطاع العام يستفيدون من التقاعد، فإن فئة مهمة من الأجراء في القطاع الخاص لا تستفيد من حق التقاعد لأنه لا يتم التصريح بكافة الأجراء بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.

إذن لو جمعنا مليون أجير في القطاع العام ومليون أجير آخر في القطاع الخاص، سنجد 2 مليون من أصل 11.5 مليون من المغاربة النشيطين هم الذين يملكون الحق في التقاعد، ولا يمكن حل مشكل التقاعد دون توسيع قاعدة المستفيدين في صندوق التقاعد.

- هل سترفعون مطالب أخرى خلال إضراب 29 أكتوبر؟ وما هي الأشكال الاحتجاجية التي يرتقب خوضها خلال هذا اليوم؟

+ هناك مذكرة أعدتها النقابات الثلاث: الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الإتحاد المغربي للشغل، الفيديرالية الديمقراطية للشغل، وجهتها للحكومة معبرة من خلالها عن رفض النقابات الثلاث عن حل أزمة الصندوق المغربي للتقاعد على حساب الموظفين.. فعلى الدولة تحمل مسؤوليتها.. كذلك هنالك مطالب أخرى، ومن ضمنها تطبيق اتفاق 26 أبريل، احترام الحق النقابي.. ففي العديد من مؤسسات القطاع الخاص، بمجرد تشكيل المكتب النقابي، يتعرض العمال للطرد. أكثر من هذا، فالعديد من السلطات، وعلى رأسها ولاية الرباط، ترفض تمكين النقابات من مجرد وصل إيداع تأسيس النقابات، كذلك موجة الغلاء في المعيشة التي لا يتم استحضار انعكاساتها على القدرة الشرائية للمواطن، وغياب الحوار الاجتماعي... فالحكومة أضحت تفعل ما تشاء، وهو الأمر الذي اعترف به رئيس الحكومة في وقت سابق حيث صرح بأنه رفع الأسعار واقتطع من أجور المضربين وقمع التظاهرات، ولكن لا أحد نزل للشارع وقال "لا".. الآن هناك إضراب عام وتاريخي لم يسبق للمغرب أن عرفه من منذ 1952.

- هل تمت التعبئة الكافية لهذا الإضراب؟ ثم ماذا عن التخوفات التي يعبر عنها البعض من تكرار سيناريو إضراب 1990؟

+ ظروف المغرب حاليا ليست هي الظروف التي عرفها المغرب في عام 1990 وفي عام 1981. أولا، إذا لم يكن هناك ما نسميه la provoquation من طرف من لهم المصلحة في فشل الإضراب، فإن الإضراب سيمر في ظروف جيدة، وثانيا هذا إضراب عام دعت إليه جميع المركزيات النقابية في المغرب باستثناء نقابة الاتحاد الوطني للشغل التابعة لحزب العدالة والتنمية. إذن جميع المركزيات النقابية توحدت، وهذه الوحدة في حد ذاتها هي مكسب مهم وتاريخي للطبقة العاملة وللمغرب ككل.. ولا أعتقد أنه ستحدث انفلاتات أو أحداث شغب، كما يحاول البعض تهويل وتخويف الناس. الإضراب سيكون ناجحا، وأنا متيقن من ذلك، لأن هناك احتقان اجتماعي وهناك هجوم على المكتسبات بشكل خطير من طرف الحكومة. وأنا أتمنى أن يكون هذا الإضراب درسا للحكومة، وللدولة كي لا تتم الاستهانة بالطبقة العاملة وبالشعب والنقابات.

- لكن ألا ترى معي أن عدم الالتفات لبعض الفئات من العمل التي تشتغل في القطاع غير المهيكل والتي تعاني من غياب التاطير النقابي، ومن عدم احترام أبسط بنود لمدونة الشغل، لا يخدم أيضا مصالح الطبقة العاملة، كما يضعف الإمكانيات المتاحة من أجل تعبئة ناجحة للإضراب؟

+ صحيح.. هناك تعبئة واسعة وسط جميع العمال سواء في القطاع المهيكل أو غير المهيكل، وكما أشرتم فهناك عدد كبير من العمال يشتغلون في القطاع غير المهيكل يعانون من عدم التصريح بهم في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، ويعانون من الطرد التعسفي، بل إن هناك ما هو أخطر.. ففي المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لعام 2012 والذي ترأسه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وكنا كممثلين للاتحاد المغربي للشغل آنذاك طرحنا قضية عدم التصريح بالعمال لدى الصندوق الوطني للمضان الإجتماعي، وطلبنا منه فرض احترام القانون. أتدري ماذا كان جواب رئيس الحكومة؟ فعوض أن يعلن تأييده لتطبيق القانون ويصرح بعزم الحكومة اتخاذ جميع الإجراءات لحماية العمال، قال لنا: "خاصنا نرخفو على الشركات بالقطاع الخاص لأنه إلى زيرنا عليها بالتصريح ربما غادي يثقل الكاهل ديالها وربما تكون هناك تسريحات وبطالة..". وتصور معي رئيس الحكومة يبحث عن المبرر لانتهاك القانون من طرف شركات القطاع الخاص، في الوقت الذي كان من المفروض فيه كرئيس حكومة أن يفرض عليهم احترام القانون عبر التصريح بالعمال، علما أن هناك إجراءات لتحفيز الشركات، ولكن ليس على حساب العمال، مثل التخفيض من الضرائب، تقديم الدعم، إصلاح القضاء.. وهذا أكبر دليل على الوضع المتأزم الذي نعيشه في المغرب، فغالبية الساكنة النشيطة تفتقد للتغطية الاجتماعية والتغطية الصحية، وتعاني من الهشاشة والتي سببها سياسات الحكومات المتعاقبة التي لم تكن تلتفت لهذه الفئات. ولكن آن الأوان لإعادة الاعتبار لهذه الفئات وتمكينها من التأطير والتنظيم النقابي، مع الإشارة إلى أن أحد المعيقات التي تجعل الناس ينفرون من النقابات هو وجود البيروقراطية وبعض المفسدين -وأنا لا أعمم- داخل النقابات، ولكن هناك نضال داخل هذه النقابات من اجل الديمقراطية ومن أجل محاربة الفساد حتى تتمكن النقابات من اكتساب ثقة الشعب المغربي والطبقة العاملة واستقطاب أوسع الفئات من العمال.