في رحاب بلاطو مسرح الحياة السياسية والاجتماعية تنسدل ستائر عالم متميز من حيث تشابكه و تعقيده ...لوحة معقدة من العلاقات والمصالح.... يختلط فيه ومن خلاله الحقيقي بالوهمي، والظاهر بالباطن. كأننا في حظرة عرض مسرحي مستمر وحتمي، تُوزع فيه الأدوار بعناية ودقة، وكل فاعل يتقمص دوره وفقًا لنص مكتوب بعناية فائقة، لكنه نص لا يقرأه إلا القليلون.... الا من أصابتهم لعنة الدعاء والفطنة....
في هذا السياق الخرافي بزيه الواقعي، تصبح السياسة أشبه بمجاز دائم متكرر ...تحسم ، تقيم الأدوار فتُدار الأمور تحت ستار من الرمزية، والتكتيكات الخفية. الكلمات ليست مجرد كلمات.....والوعود ليست سوى عتبات لبناء أهرام من الطموحات التي لا تنكشف إلا بعد اكتمال البناء.... الهيكل الموعود!..
لكن هل كل بناء موجه لخدمة الإنسان ام أن بعض الأبنية السياسية والاجتماعية ما هي إلا هياكل فارغة، ومفرغة ... تعج اسقفتها بموجات صدى الوعود الكاذبة...تذكرت فجأة حصان طروادة و الذي قيل انه يخفي في أحشائه ما لا يتوقعه أحد؟
لكن هل كل بناء موجه لخدمة الإنسان ام أن بعض الأبنية السياسية والاجتماعية ما هي إلا هياكل فارغة، ومفرغة ... تعج اسقفتها بموجات صدى الوعود الكاذبة...تذكرت فجأة حصان طروادة و الذي قيل انه يخفي في أحشائه ما لا يتوقعه أحد؟
المجاز الطروادي يعيدني واياكم إلى فكرة أن المجتمعات نفسها قد تستخدم كنمادج وآليات لاجل انجاح لعبة التحكم فيها قلة من القادة، فيما يغرق الباقون وكثير منهم نخبة في قعر بحر من الخطابات الرنانة والتوقعات المتضاربة... لم يعد بشيء غريب خصوصا بعد تولي التفاهة عرش الامور...
أصبحت البقية من النخبة والشباب وغيرهم من المضطهدين كجزء من ديكور مسرحية أكبر، يسيرون على خشبتها لكنهم لا يستطيع أن يرون خلف كواليسها.
ما نراه من صدى الاحداث و ردود الافعال خصوصا في صفوف الشباب ما هو سوى رد فعل منطقي لما يشعر به من تأثيرات غير مرئية تتحكم في مصيره، تُوجه أفعاله وتحد من خياراته، دون أن يدرك حقيقة هذا التحكم أو أسبابه.
دائما من خلال هذا التعقيد، توقفنا الفلسفة متسائلة عن ماهية الحقيقة... أهي ما نراه أمامنا من قوانين وسياسات؟ أم أنها تكمن في ما يخفيه أصحاب السلطة خلف ستار من الأهداف المعلنة؟ وهل يمكن للفرد، في هذا العصر المليء بالأقنعة، أن يميز بين ما هو حقيقي وما هو مجازي؟ بين ما هو في مصلحته وما يُستخدم لخدمة مصالح الآخرين؟
قد يكون الجواب في قوة الوعي...هذا الأخير الذي يتجاوز ما هو ظاهر ليغوص في أعماق المعاني. هو المنطق والعقل الذي يرفض أن يكون مجرد متفرج على هذه المسرحية، ويصر على فهم أدوار جميع الفاعلين فيها، مهما بدت تلك الأدوار ثانوية أو خفية. .. قد يراه هؤلاء تمردا وعصيانا لكنه بكل بساطة الوعي بالاشياء والتياؤل عن ماهيتها لا يمكننا ان نوقفها عند حدود الكلمات والخطابات، بل تدفع ما للبحث عن الأفعال والنتائج والمنجزات التي تخدم الصالح العام ...ويسمح انا بكل عناية ومنطق ان نتفحص كل ما يقدم لهدنا على أنه حقيقة أو حل نهائي.
تظل الحياة السياسية والاجتماعية معركة بين الوضوح والغموض، بين الخداع والحقيقة. إنها معركة لا تُحسم إلا في عقول الناس، عندما يتعلمون كيف يقرأون بين السطور، ويُدركون أن وراء كل واجهة براقة، قد يكون هناك "حصان طروادة" جديد، ينتظر اللحظة المناسبة ليكشف عن وجهه الحقيقي.