نشر الدكتور الريسوني مقالا بإحدى المواقع السلفية المتشددة (هوية بريس)، بتاريخ 31 غشت 2024، يربط فيه، بشكل متعسف، بين شقيقه سليمان الذي تمت إدانته بخمس سنوات سجنا نافذا بسبب جريمة الاغتصاب، وبين الداعية السعودي سلمان العودة الذي اعتقلته السلطات السعودية لتشدده الفكري وتطرفه العقدي. فأمرُ اعتقال العودة أو العفو عنه مسألة داخلية تهم دولة العربية السعودية ولا علاقة للمغرب بها. وكون الدكتور الريسوني يثيرها في مقاله ويركز عليها فمن باب النكاية في السلطات السعودية التي استفاد من نعمها واغتنى بريعها ثم تنكّر لها (أكل الغلة وسبّ الملة).
نكران الجميل.
إن أول ما يثير الانتباه في مقالة د. الريسوني هو تجاهله التوجه إلى الله تعالى بالحمد والشكر على استفادة شقيقه من العفو الملكي. فكيف تجاهل الفقيه القوة الإلهية التي كان يتوجه إليها بأدعيته "اليومية أو شبه اليومية خلال السنوات المنصرمة": “اللهم فرج عن أخي سُليمان من سجنه، وفرج عنه في سجنه”؟ إذ كان من المفروض في الفقيه المقاصدي أن يجهر بالشكر والحمد لله على الفرج/العفو الذي شمل شقيقه، ولا تنسيه إياه "محنة" الداعية سلمان. لقد نسي الفقيه الريسوني أن من يشكر الله على نعمة يزيده منها مصداقا لقوله تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم). كما نسي قول الرسول الكريم (ص): (لا يشكر الله من لا يشكر الناس). وهذا الذي ينطبق على الفقيه الريسوني الذي استكبر فامتنع عن توجيه عبارات الشكر لعاهل البلاد الذي شمل بعفوه سليمان الريسوني. بل نسي تضرعاته اليومية إلى الله، وما أنساه الشكر لله ولملك البلاد إلا لُؤمه ودناءته مصداقا لقول الشاعر: إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضةٌ // واللُّؤْمُ مقرونٌ بذي الإخلافِ.
تمرّد اللئيم.
لم تصدر عبارات الشكر عن الفقيه الريسوني كما لم تصدر عن شقيقه المعفى عنه. وهذه صفة من صفات اللؤماء. وليس من الأخلاق في شيء أن يقابَل العفو بالتنكر والتمرّد. فالشقيقان الريسوني يشتركان في صفة اللؤم، ويزيد عليها سليمان الريسوني صفة التمرد. وكان عليه أن يخجل من نفسه ومن محيطه الاجتماعي والمهني. فاعتقاله لم يكن ضريبة نضال ولا ثمن مواقف وآراء. بل عقاب لجريمة الاغتصاب التي أثبتها الضحية بأكثر من وسيلة. وليس أي اغتصاب. فمن حقه أن تكون له ميولات جنسية مختلفة، لكن القانون والدستور يلزم الدولة بحماية الأعراض ومعاقبة المعتدين عليها. وهذا حال الريسوني الذي لم تُسجّل له مواقف مشرفة ولم يُعرف عنه النزال السياسي من أجل الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان. فساحات النضال لم تشهد له مرورا ولا تواجدا. والاعتقاد بأن صفة "صحافي" تضمن له الحصانة وتجعله فوق القانون، أو مواطنا من الدرجة الأولى له حق استباحة أعراض غيره، هو اعتقاد سخيف وبئيس يُسقط عنه كل ما يدعيه من "نضال" من أجل دولة الحق والقانون. ذلك أن أساس الدولة الديمقراطية هو المساواة أمام القانون.
لهذا، فإن ما فاه به سليمان الريسوني لصحيفة "El Independiente"المعادية لوحدتنا الترابية وللنظام الملكي يؤكد فيه أنه شخص لئيم ولا يستحق العفو. إذ لم يُخف تطاوله على جلالة الملك وتبخيس قرار العفو الملكي عنه. فحين سأله الصحفي: "أنت الوحيد الذي لم يعبر عن امتنانه للملك محمد السادس. كيف ترد على مثل هذه المؤاخذات؟"، أجاب بكل لؤم وغرور: " تقييمي البسيط هو أن التدخل الفعلي للملك كان باستطاعته أن يكون أكثر أهمية لو حدث في بداية مذبحة حقوق الإنسان". ومعنى هذا أن قرار العفو بات دون أهمية. غرور جعله يرى نفسه "وحيد زمانه"، منه وبه تقاس أهمية الأمور والقرارات، وهو ليس إلا مغتصب المثليين. جريمة جعلت النقابة الوطنية للصحافة المغربية تتخذ موقف الحياد بين الريسوني وضحيته "آدم". وهذا ما شدد عليه السيد عبد الكبير اخشيشن في رده عن الدعوة التي وجهتها رئيسة الفدرالية الدولية للصحافيين، دومينيك برادالي، من أجل تفعيل آليات التحرك للدفع في اتجاه إطلاق سراح الصحافي سليمان الريسوني، حيث قال: “نحن مؤسسة نقابية، لا نحتاج لمن يذكرنا بالقيام بأدوارنا، لكل مقام مقال، نحن من قرر القيام بالرصد والمتابعة لمحاكمة الريسوني، ونقدم المعطيات بشفافية، ونتبنى الدفاع عن حرية التعبير، غير أن ملفات النزاعات القضائية ووجود مواطن آخر يلزمنا باحترامه".
لم يسلم من الريسوني زملاؤه في المهنة الصحافية ولا مؤسستا القضاء والأمن. بل دفع به غروره وعداؤه للمؤسسات الدستورية إلى المطالبة بإطلاق سراح المجرمين قتلة قوات الأمن والدرك والوقاية المدنية في مخيم "اكديم إزيك". وهو بهذا يصطف إلى جانب أعداء الوحدة الترابية وخونة الوطن.
في الدول الديمقراطية، حين يرتكب الصحافي جريمة جنسية، لا تخرج الأصوات منددة باعتقاله أو بمحاكمته أو مطالبة بالإفراج عنه. ولا أدل على هذا مذيع الأخبار الشهير في هيئة الإذاعة البريطانية هيو إدواردز " Huw Edwards "، الذي تم القبض عليه واتهم بحيازة ست صور من الفئة أ، وهي أخطر تصنيف للصور غير اللائقة، على هاتف. كما اتُهم بحيازة 12 صورة من الفئة ب و 19 صورة من الفئة ج، وهي التهم التي تصل عقوبتها إلى عشر سنوات سجنا. لم ينكر هذا الصحافي التهم ولم يتهم الدولة باستهدافه. بل أقر بالذنب بالتقاط صور غير لائقة للأطفال وقدم اعتذاره واسقالته من العمل.
إن الاعتراف بالفضل والمعروف صفة نبيلة وخلق عظيم حث عليه رسولنا الكريم ( من سأل بالله فأعطوه، ومن استعاذ بالله فأعيذوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه). لكن حين يكون المعروف في غير أهله يقابَل باللؤم والتمرد.
إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتَه// وإن أنت أكرمتَ اللَّئيمَ تمرَّدا.