الأحد 24 نوفمبر 2024
اقتصاد

الخبير محمد بازة:  إنهاء أزمة الماء بالمغرب تبدأ من مراقبة الاستغلال المفرط للمياه الجوفية

الخبير محمد بازة:  إنهاء أزمة الماء بالمغرب تبدأ من مراقبة الاستغلال المفرط للمياه الجوفية الخبير الدولي في الموارد المائية، محمد بازة
يؤكد الخبير الدولي في الموارد المائية، محمد بازة، أن المدخل الأساس والآني والاستعجالي لوضع استراتيجية وطنية جديدة للماء، يتمثل في أن نركز على الأزمة بتقييم الظروف التي تؤثر عليها، وعلى تدبيرها من سياسات وممارسات.
جاء ذلك إثر الحوار الذي أجرته معه "أنفاس بريس"، بعد إطلاق الحكومة لدراسة دولية تتعلق بطلب عروض دولي لتحديث الاستراتيجية الوطنية للماء، وذلك في ظل الخصاص الكبير في الماء الشروب ومياه السقي وكيفية تدبيرهما أمام هذا الوضع الاستثنائي.
 
أطلقت وزارة التجهيز والماء طلب عروض دولي لتحديث الاستراتيجية الوطنية للماء حتى أفق عام 2050، هل نحن بحاجة إلىى استراتيجية وطنية، أم إلى تحسين الظروف لتدبير أزمة الماء الآنية؟

يقول المثل: "يتم إعداد استراتيجية الحرب في زمن السلم"؛ والعكس غير صحيح، أي لا ينبغي إعداد استراتيجية الظروف العادية في وقت الأزمة. إن تحيين الاستراتيجية الوطنية للماء مفيد بالفعل، لكن المغرب يعيش أزمة مائية، وكل من يعنيهم الأمر منهمكون فيها، والأولوية القصوى في الوقت الراهن تكمن في تحسين تدبيرها بهدف الخروج من الأزمة أولا.
 
المطلوب أولا، وبصفة استعجالية، أن نركز على الأزمة بتقييم الظروف التي تؤثر عليها، وعلى تدبيرها من سياسات وممارسات، وما إلى ذلك، من أجل رفع كفاءة ونجاعة ذلك التدبير. كما يجب التوصل إلى حلول آنية، ووقف زحف ما قد يساهم في تفاقم الأزمة أو يؤثّر عليها سلبا، لذلك يجب أن نتحكّم في هذا الزحف من أجل أن نعمل على تقليص تلك الآثار.
يعيش المغرب أزمة مائية مند أزيد من ثلاثة سنوات، ولا زالت سارية المفعول، بل  تتفاقم مع الزمن، بالرغم من المجهودات الهائلة من أجل التحكم في مجرياتها وضمان تزويد كافة المواطنين بالماء الصالح للشرب على الأقل. 

 
وبالنظر إلى الوضعية المائية الحالية، فإن البلد في حاجة ملحة لدراسة الإطار الذي يتم فيه تدبير الأزمة من أجل التحكم فيها، والخروج منها، أو على الأقل تقليصها.
 
فإلى جانب ندرة المياه التي يعرفها المغرب منذ حوالي عقدين، دخل حسب تقديرنا، حوالي 2018، في مستوى الندرة الهيكلية  القصوى أو المطلقة (pénurie absolue)، ما يعني أن نصيب الفرد من الواردات المائية أصبح أقل من 500 متر مكعب في السنة. وبعد حوالي ثلاثة سنوات، دخل في أزمة مائية، وهو ما يعني وصول عدة مناطق من البلاد إلى نقص حاد في الموارد المائية يجعلها مهدّدة بعدم الاستجابة لتغطية متطلباتها، ليس فقط في الفلاحة والزراعة والبيئة وما إلى ذلك، بل حتى على مستوى مياه الشرب والمتطلبات المنزلية. وبينما يعود السبب الاساسي لندرة المياه الى تاثيرات التغير المناخي وسوء تدبير الموارد المائية، فإن الازمة المائية تعود بالاساس الى هذا الأخير، اذ انه من الممكن التعايش مع ندرة المياه القصوى وأسوأ دون الوقوع في ازمة مائية، مثلما هو الحال في عدد من البلدان التي يصل فيها نصيب الفرد من الواردات المائية الى مائتي أو مائة متر مكعب في السنة، بل و حتى أقل.
 ويمكن تقسيم تلك المناطق على نموذجين اثنين: مناطق كبيرة وعلى رأسها حوض "أم الربيع" الذي صارت كل مخزوناته من السدود تصل إلى حدود أربعة بالمائة من طاقتها التخزينية، وبكمية إجمالية تكفي بالكاد لتغطية متطلبات سنة واحدة من مياه الشرب فقط لساكنة الحوض، مع العلم أن هذا الحوض كان يزود بمياه الشرب عددا كبيرا من المناطق منها الدار البيضاء وآسفي ومراكش وسطات وبرشيد وغير ذلك. وهو ما يعني أن وضعية "أم الربيع" أصبحت مهدّدة، ولذلك تطرق صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش إلى الموضوع وأعطى تعليماته السامية بتحويل مياه وادي لاو ووادي اللّوكوس إلى هذا الحوض.
 
أما النموذج الثاني، فيتمثل في أعداد كبيرة من المراكز والدواوير التي يتم تزويدها بمياه الشرب بواسطة الشاحنات الصّهريجية  (camions citernes)  أو بوسائل أخرى، مثل المحطات الصغيرة لتحلية مياه البحر. وقد سبق لوزير التجهيز والماء أن قدّم أرقاما عنها في أوائل السنة الجارية. هذه الأعداد تتزايد مع الزمن، أي أنّ الازمة تتفاقم فيها وستكبر وتزداد أكثر، كما هو حال المناطق الكبرى مثل حوض "أمّ الربيع" المهدّد أكثر، كما هو موضح أعلاه.
 
إن تفاقم الوضع هذا، يقع على الرغم من كل المجهودات المهمة التي تبذلها الجهات المعنية بتنفيذ البرنامج الاستعجالي لمياه الشرب والسقي 2020-2027، مما يدفع الى الحاجة لتشخيص أسباب هذا التفاقم.
 
هذه المعطيات تكشف أن هناك حاجة لتقييم الوضع الحالي في ظل الأزمة والندرة؟
تماما، هناك حاجة لتقييم الوضع الحالي، ووقف سياسات وممارسات ساهمت في دخول المغرب في الأزمة المائية، ومن بينها الآبار غير المرخصة وتجفيف المنابع المائية الطبيعية والاستغلال المفرط للمياه الجوفية والتوسع في الري، وغير ذلك؛ حيث أن هناك إجماعا من قبل الخبراء حول المساهمة المذكورة، ومن بين تلك السياسات والممارسات هناك من لا تزال قائمة، ويجب ضبطها، وإلا فإن تدبير الأزمة سيكون مثل معالجة مريض دون استئصال بعض أسباب المرض. 

 
لذا فإنه من الأهمية بمكان معرفة هل تم فعلا التحكم في حفر الآبار، وإلى أي مدى تم التحكم في المياه الجوفية ووقف استغلالها المفرط، وكذلك الفرشات المائية التي تم استنزافها أو تلويثها خلال السنوات الخمس الأخيرة، ممّا أدى أو قد يؤدي إلى تفاقم عدد الدواوير والجهات التي تتأثّر بها الأزمة الحالية من جهة، والهجرة الناتجة عن ذلك من جهة أخرى. كما يجب تقييم مدى تطبيق قانون المياه خلال الأزمة بصفة عامة، والقانون المتعلق بتخصيص المياه بصفة خاصة، وكذا الآثار المترتبة على ذلك على المخزون المائي وتدبير، بالإضافة الى تشخيص مدى عدم تطبيق القانون المتعلق بوقف استعمال الفرشات المائية المهددة بالاستنزاف وآثاره على تدبير الأزمة، وكذا تحديد الفرشات المائية التي تمت مواصلة الاعتماد عليها لإنتاج الخضر والفواكه الموجهة للتصدير، ومدى  تأثير ذلك عليها، حيث أن معطيات الكميات المصدرة تشكل أرقاما قياسية وبمؤشرات تفوق بكثير الأرقام العادية، كما تتناقلها وسائل الإعلام.
 
ما ينبغي فعله هو تقييم نجاعة التدابير المتعلقة بتقنين المياه خلال الأزمة بصفة عامة وشاملة لكل الاستعمالات المائية، وكذا تقييم مدى المعاملة مع المياه السطحية والمياه الجوفية بصفة مغايرة، وتحديد السبب في ذلك ومدى تأثيره على نجاعة التقنين وإدارة الأزمة، وتعديل الهفوة إن اقتضى الحال. وكمثال فيما يخص مياه الشرب، هو التوقف عن الاستعمالات الأخرى عندما لا يبقى في السد سوى مقابل سنتين من متطلبات مياه الشرب، ولا ينطبق نفس الشيء على الفرشات المائية مما يؤدي في بعض الحالات إلى التنافس بين مضخات المكتب الوطني للماء ومضخات المستثمرين في الفلاحة على آخر كميات من المياه في قعر الفرشات المائية، بينما فيما يخص مياه السقي فالمثال هو أولية الشرب، متبوعا بري الأشجار وإنتاج البذور بالنسبة لمياه السدود فقط.
 
قد يكون الدوافع لتحيين الاستراتيجية الوطنية للماء هو تحيين معطيات المياه، وفي هذه الحالة يمكن القيام بذلك في أطار تحسين ظروف إدارة الأزمة المائية أو بالتوازي  معه.