الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: سي محمد الخصاصي.. الفخر المستمر

عبد الرفيع حمضي: سي محمد الخصاصي.. الفخر المستمر عبد الرفيع حمضي

رحم الله السفير سيدي محمد الخصاصي، فعندما كنا نتابع اللقاءات التكوينية ونحن تلاميذ بالشبيبة الإتحادية بوزان في أواخر السبعينات كان اسم محمد الخصاصي المنفي آنذاك مألوفا عندنا، من كثرة ما رواه لنا الرواد من حكايات ومواقف سياسية بطولية للرجل حيث كان ثمنها غاليا في ذلك الوقت قبل أن يحل زمن(الريباخا soldeفي العمل السياسي) وكنا نفخر ونحن نعيد رواية ما سمعناه على التلاميذ في القسم مع زيادة من عندنا طبعا.

 

وفي الثمانينات بجامعة سيدي محمد بن عبد الله وهي في عز مناعتها وصلابتها وبساحة ظهر المهراز، حيث حلقات النقاش لا تتوقف ليل نهار وهي تناقش وضعية وأزمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بعد فشل المؤتمر السابع عشر مسترشدين بالتاريخ.

 

وكلما عاد المتدخلون من كل الفصائل -اليسارية طبعا -إلى التاريخ وبالضبط إلى المؤتمر الثالث عشر لسنة 1970، حيث قاد سي محمد الخصاصي هذه المنظمة الطلابية العتيدة في عز الصراع السياسي ببلادنا -حيث كان الهالك إدريس البصري، نفسه لازال يتتلمذ على يد أفقير والدليمي -فكان كلما نطق اسم سي محمد الخصاصي، بحلقات النقاش إلا ونشعر نحن الطلبة الاتحاديين بالفخر.

 

وبعد ذلك بسنوات عديدة شاءت الظروف ان ألتقي مع سي محمد عدة مرات. انتقيت لكم ثلاث حكايات، ليست بالضرورة هي الأهم لكنها بالتأكيد هي الدالة.

 

الأولى: انعقد المؤتمر التاسع للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 2012 في جو من النقاش إن لم أقل من الصراع الداخلي الحاد حيث أطراف الصراع أصبحت بارزة مع تغير في الأهداف والخلفيات. وبينهما عدد كبير من الاتحاديين يقرؤون اللطيف وصوت حالهم يقول (الله يخرج الأمور على خير)، وكان سي محمد الخصاصي، لسوء حظه وحسن حظ الحزب، رئيسا للجزء الأول لهذا المؤتمر، ولكم أن تتخيلوا حجم الديبلوماسية المطلوبة من ليونة حينا وحزم حينا آخر. مع الإشارة أن الاتحاديين ليسوا رحماء على بعضهم لحظة الصراع.

 

وخلال أيام هذه المحطة التنظيمية، كم من مرة اختنق المؤتمر في عنق الزجاجة ولم يخرج منها إلا بحنكة وخبرة سي محمد وتقدير الجميع له .

 

وفي واحدة منها كانت القاعة الكبرى تغلي وعدد من المؤتمرين يتدخلون بدون إذن الرئيس ومعهم شباب يرددون بعض الشعارات مستعملين مكبر الصوت micro baladeur وسادت الفوضى، وسي محمد يطلب منهم الانضباط والهدوء واحترام الرئاسة وهو يعلم جيدا خلفية هذا الضجيج وهذه الحكاية الممتدة خيوطها لخارج قاعة المؤتمر.

 

وكنت لحظتها واقفا أمام المنصة فقلت له: الأخ الرئيس اضغط على الزر لإيقاف مكبر الصوت لتهدئة الوضع، وأعدتها ثلاث مرات. حينها نظر إلي وقال لي (واش الأخ حمضي هذا النوع من الصراع الحزبي غادي يهدئ بالضغط على الزر؟) صمت برهة وعدت إلى مكاني وأنا أقول هدي قراية كبيرة .

 

الثانية: عندما أمر الملك محمد السادس بسحب السفير المغربي بدمشق بعد اعتداء موالين للنظام على مقر السفارة المغربية، وإهانة العلم الوطني، وعاد محمد الخصاصي، إلى الرباط يوم 18 نونبر 2011 في حين غادر نبيه إسماعيل السفير السوري الرباط. التقيت السفير في بيت صديق مشترك مع عدد من الضيوف في نفس أسبوع عودته. وحين كنا نستمتع (باتاي وكعب غزال والهبيلة) شرع سي محمد يتحدث عن بداية الأزمة السورية وكان الجميع يتابع باهتمام حيث قال ما مفاده، أن نقطة التحول فيما يقع بسوريا في تقديره هو ما حدث في محافظة درعا بالجنوب على الحدود السورية الأردنية عندما اعتقلت الشرطة في فبراير 2011 مجموعة من التلاميذ كتبوا على سور مدرستهم ما كتبوا. فخرج الأهالي يتظاهرون ويطلبون إطلاق سراح أطفالهم. فذهب عند محافظ درعا، أعيان ووجهاء المحافظة فاستقبلهم.

 

وبعد ترحاب وضعوا فوق مكتبه غطاء رأسهم المتكون من طاقية قطنية بيضاء اللون وفوقها الشماغ والعقال (ها العار بالمغربية) راجين منه إطلاق سراح أطفالهم وهو تقليد ذو أهمية قصوى لا يرد فيه طلب عند أهل درعا.

 

لكن المحافظ رفض بدون تأدب. وبعد ذلك قال رئيس أمن درعا للأهالي: عليكم إنجاب أطفال آخرين، فقامت القيامة وفتحت باب جهنم)ورغم أن العالم كله كان ينتظر سقوط النظام السوري في أية لحظة خاصة أن بنعلي كان قد رحل والقذافي قتل لكن سي محمد الخصاصي، كان له رأي آخر وقال حينها في 2011 :"بشار لن يسقط ". وهذا ما حصل ..

 

الثالثة: في فبراير 2020 كانت والدتي رحمها الله نزيلة بإحدى المصحات الخاصة بالرباط وكانت وضعيتها قلقة وفي نفس يوم دخولها نقل سي محمد رحمه الله إلى نفس المصحة بالغرفة المقابلة لغرفة والدتي ولمدة عشرة أيام وأنا وإخوتي نتناوب على غرفته لمساعدته ولكن أساسا لتكسير صمت المصحة وألم المرض.

 

ورغم أن وضعيته كانت صعبة على مستوى استعمال أطرافه إلا انه كان مبتسما ودودا وذاكرته يقظة نحكي شذرات عن مراكش وسوريا والمقام بالعراق والاتحاد الاشتراكي. وكان يسأل عن وضعية أمي في كل لحظة حتى أنه قال لي مرة أريد ان أرى هذه الأم التي أنجبتكم. لكن لا وضعه سمح ولا عجزها يَسَّر. رحمهما الله وإنا لله وإنا اليه راجعون.