الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

طارق جداد: على الحكومة الإعتراف بفشلها في إقناع طلبة الطب بالعودة إلى فصول الدراسة 

طارق جداد: على الحكومة الإعتراف بفشلها في إقناع طلبة الطب بالعودة إلى فصول الدراسة  طارق جداد
عاش طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الإنسان بالمغرب على شبح سنة بيضاء تقتطع من أعمارهم، مع ما يترتب عنها من آثار نفسية وغيرها عليهم أولا، ثم اسرهم  ثانيا،ومن كان من بنات وأبناء هذا الوطن يحلمون بان يتحملوا شرف الدفاع عن سيادة وأمن الوطن الصحية. بالمقابل حكومة "الكفاءات" عوض تحمل المسؤولية وفتح النقاش الجاد والحامل لآفاق الحلول، جنحت إلى مكان المفاوض السلطوي المتشبث بموقفه مهما كلف الثمن، والذي لن يؤديه أي مسؤول في الحكومة طالما لم نربط المسؤولية بالمحاسبة، فالزج بجيل من خيرة أبناء الوطن في المجهول أكبر وقعا من اختلاس ملايير الدراهم..
 
 فالحكومة بإصرار غريب ينكره كل العارفين بالحقل الصحي وطنيا ودوليا، تختبئ وراء كون القرار سيادي؟ 
في البداية علينا أن نعرف من هي الفئة المتضررة من هذا الملف،إنهم أطباء الغد، طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، وهم تلاميذنا المتفوقين في البكالوريا بميزة، ثم المعتكفين للتحضير لمباراة تزج بهم في كلية تضم أطول مشوار دراسي على الإطلاق. فطبيب عام يستوجب 7 سنوات من الدراسة والسهر والتعب والتطبيقات والحراسة ليلا بمستعجلات المستشفيات، ثم للتخصص يجب التحضير لمباراة تؤهل الفائزين فيها لاستكمال الدراسة لأربع سنوات إضافية، وللحصول على اعلى المراتب في التحصيل الطبي فإن المشوار الدراسي يصل إلى 20 سنة بعد البكالوريا. نعم فمن متفوق جدا في 17 سنة يستمر في الكد بالتحصيل والعمل لمدة 20 سنة ليصبح أستاذا في الطب، أي في  عمر 37 سنة، يكون قد قضى زهرة عمره في التحصيل والعمل الطبي مضحيا بمجموعة من الأمور الحياتية الهامة، لا لشيء سوى لخدمة المفروض فيها النبل والرسالة الإنسانية الحقة. بالمقابل فتكوين مهندس دولة في ارقى المؤسسات الوطنية والدولية لا يتعدى 7 سنوات، ليصبح الطالب عن سن 24 سنة مؤهلا للعمل ومقتحما سوق الشغل من أوسع الأبواب..
 
 لكن شتان بين المهمتين والرسالتين. فلا ضير اننا علمنا عن عمق أهمية الأطباء وكل العاملين بالصحة في ازمة كورونا التي أظهرت لنا بجلاء القطاعات التي فعلا ينبني عليهاالوطن واقتصاده والتي بتاهيلها والإعتناء بها نحقق جزء محوري من سيادة الدولة لمواجهة تحديات المستقبل. فدول "صغيرة وفقيرة" مثل كوبا، أظهرت قوتها وتمكنها في مجال التطبيب، بل دعمت بسيادتها الصحية سيادة دول عظمى وقوية كإيطاليا ! 
 
حكومة عزيز أخنوش، على ما يبدو فشلت عن تدبير هذا الملف على عدة مستويات:
1-بطء في اعتماد الحوار منذ الشرارة الأولى، وهي مقاربة حكومية قديمة ترتبط بالمفاهيم القديمة للسلطة بالمغرب، والتي عمل جلالة الملك على إرساء مفهوم متجدد للسلطة يجعل من التنمية هدفا والحوار والمقاربة التشاركية منهجا للسير للأمام. فالمفهوم المتجدد للسلطة لا يعني فقط وزارة الداخلية ورجالاتها، بل كل مسؤول على تدبير السياسة العمومية ببلادنا لشمولية المفهوم وعموميته. فاحتجاج الطلبة انطلق داخل الكليات منذ بداية الموسم الجامعي، غير انه إعلاميا لم يحظ بالإهتمام الواجب لتزامنه مع احتجاج اكبر، ويتعلق الأمر بالإحتجاج غير المسبوق لهيئة التدريس. ولمسنا في هذه المرحلة استعلاء واستكبار وزيري الصحة والتعليم العالي، وغلقهما لأي باب للحوار وتشديدهم بأن القرارات لا رجعة فيها. بل كانت محاولات تعود لعقود خلت وطوى المغرب صفحتها بإرادة ملكية قوية، حيث تم فرض الأمر الواقع بإجراء امتحانات الأسدس الأول. امتحانات فشلت فيها سياسة الترهيب التي نهجها الوزراء وحكومتهم، ونجح فيها إصرار أطباء الغد واظهروا للسادة الوزراء أن النضال الحقيقي هو نضالهم،وليس ذاك الذي يحدثون به بعضهم في صالوناتهم الحزبية بالفنادق الفخمة المكيفة.
 
2-الإستباقية في حل المشكل قبل تفاقمه، ونفس السلوك كان في تدبير ملف هيئة التدريس، الذي انتهى بتسوية اكبر من المطالب الأولية مع تكبيد تلامذتنا لثلاثة اشهر دون دراسة ستظهر لنا قادم الأيام فاتورتها؟
عجز في توظيف مكانة الأساتذة الأطباء المغاربة وغيرهم من الفعاليات الصحية والمدنية والحزبية الوطنية لإرساء جسور الحوار والتواصل مع كفاءاتنا من طالبات وطلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، والركون لذرائع التسعينات والتي تنظر لإلصاق الإنتماءات المذهبية والإيديولوجية للأشخاص، عوض مناقشة واقعية ومشروعية مطالبهم؟ فكلنا مغاربة نعتز بثوابتنا ومواطنتنا، وطبيعي جدا الإختلاف في وجهات النظر، ولنا من المؤسسات ما يلزم لتطهير كل الأجواء. ففي نظري لو عملت الحكومة من خلال وزرائها المعنيين على فتح قناة للحوار المسؤول واقحام الفعاليات لتقريب وجهات النظر مع تقديم تنازلات، لكان هناك حل قبل شهور خلت. لكن وزراؤنا ربما يرون أنهم "وحدهم يضويو البلاد" لكنهم " أظلموها"

 
3-فشل في تحمل المسؤولية، فالدور الأساسي للحكومة ليس إعطاء التصاريح والتدشينات والقرارات، بل في إيجاد الحلول، باستباقية كان أحسن، التي يتم قبولها من كل الأطراف للحفاظ على الإستمرارية والعمل الطبيعي والسير العادي لكل المؤسسات. فمؤسسات كليات الطب والصيدلة وطب الاسنان ببلادنا متوقفة منذ شهور بسبب الحكومة، ووزيري الصحة والتعليم العالي. فحسب الفصل 93 من الدستور فان: "الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية في القطاع المكلف به، وفي اطار التضامن الحكومي."  هذا البرنامج الحكومي الذي لن يحيد عن مقتضيات الفصل31 من الدستور التي تنص على توفير تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة ؛ والعلاج والعناية الصحية لكافة المواطنات والمواطنين.
 
فتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية يقتضي الإعتراف بالفشل في اقناع الطالبات والطلبة، زبدة المدرسة المغربية، بالعودة لفصول الدراسة بالحوار المقنع دون الإعتماد على الترهيب والترغيب، يقتضي من وزير فيه ذرة حياء أن يقدم استقالته لانه لم يستطع، بكل الوسائل المتاحة له، ان يقوم بحل مشكل في قطاعه، أم يريد من المستقبل أن يحاكمه، لان هذه "الجريمة" لها انعكاسات خطيرة في المستقبلين القريب والمتوسط. فاقناع الأطباء المغاربة بالبقاء بوطنهم رهين بسن طرق أخرى للإقناع ولجذب كافة كفاءات وطاقات المغرب التي تغادره سنويا في مختلف التخصصات. فهذه الفئة من الناس لا تهاجر طلبا للمال، ولكن بحثا عن التقدير ومناخ العمل وسيادة جو هيبة القانون الذي يضمن لهم ولأبنائهم وذويهم كل حقوقهم.
طارق جداد فاعل مدني بسطات