فرق غنائية بأهازيج شعبية وايقاعات مختلفة ومتداخلة حدّ النّشاز من صوت الطبول التي تخترف بشكل عشوائي هذه اللوحات الإستعراضية التي اخترقت شارع غشت 20 مساء البارحة الأربعاء 3 يوليوز تحت عنوان كرنفال بوجلود الدولي في دورته الثانية التي دأبت جماعة أكادير تنظيمه كجزء من أجندتها الثقافية والفنية خلال هذه الولائية الحضرية..
والحقيقة أن كل شيء كان حاضراً في هذه الدورة إلا الكرنفال كمفهوم متعارف عليه عالميا وكموقف وتعبير فرجوي ساخر لا يخلو من رسائل سياسية وتربوية أخلاقية..
هذه التيمة المركزية هي الغائبة البارحة فيما تمّ تقديمه في هذه الدورة الثانية والأقرب إلى استعراض على شكل ما يقدّم عادة على هامش افتتاح تظاهرة ما..
وقد يكون الأمر مقبولا إذا صنّفنا ما قدّمه المجلس الجماعي لأكادير بمعية شركائه لوحة افتتاحية تقديمية لمهرجان تيميتار.. مثيل مقابلات كرة القدم التي تلعب قبل رفع السّتار..
غير ذلك فهو تعسّف كبير على هذا الموروث الثقافي بوجلود - بيلماون وعلى التيمة المركزية المؤسسة للكرنفال باعتباره موقف من العالم والسخرية منه..عبر الإبداع في لوحات كاريكاتورية ساخرة من ظواهر اجتماعية وسياسية ثقافية.. وعبر ابتكار أقنعة تنكرية من صلب الواقع والبيئة والمجتمع المحلي وصولا إلى ما هو دولي ومشترك أممي..
كل شيء كان حاضرا إلا الكرنفال بهذا المفهوم والخلفية..ولا يشفع للمنظمين استعراض بعض المجمسات بجلد الماعز أو الخروف أو وجوه بهذه الزينة الانثوية..
فمجسّم كأس العالم سرق الاضواء عن باقي المعروضات الأخرى.. ليبقى المرء حائراً باحثا عن الهوية الفنية لهذا الاستعراض.. وعن التيمة المركزية الموحدة لكل ماقدّم مساء الأمس..
وقد يكون هذا التيه في الفكرة والإخراج طبيعيّاً إذا استحضرنا هذا التهجير التعسّفي لكرنفال بوجلود من بيئته الأصلية كمهرجان القرية ومحيطها الحضري كانزكان والدشيرة، وأصداء احتفالات السنة الماضية ما زالت مترددة لحد الآن دون أن ننسى درجة الإبداع والرقي في كرنفال 2016 وبتلك المجمسات المعبرة عن تكريم رجالات النظافة أو التعبير عن الإقصاء من خدمات السكة الحديدية عبر مجسم القطار حتى وصفت المنطقة بساكنة ما بعد القطار.. أو مجسم كبير لعلبة ماسح الأحذية بيد طفل صغير.. كان ذلك 2016 وبشارع مشترك بين مدينتي انزكان والدشيرة..
كان كرنفال حقيقيا منسجما مع عمقه وبيئه.. وكان بوجلود متفاعل مع جمهوره وليس متفرجا كبجلود جماعة أكادير.. وبالمناسبة ما الذي يمنع أن نشاهد مجسما لخروف كبير واكبر على جيوب المغاربة قبل أسابيع لحظة العيد.. أو محطة وقود..وتعبيرات أخرى عن غلاء الأسعار.. فلوحة الكرنفال التنكرية حرية إبداع وتعبير وليس وصلة إشهارية، وهذا ما يحدّ من أفق بوجلود جماعة أكادير ودوام استمراريته كموعد فنّي ثقافي بالمدينة إسوة بباقي المواعيد المميزة للمدن المغربية كفاس الصويرة الرباط خريبگة أصيلا طنجة مراكش طان طان تزنيت وووو..
والحقيقة أن هناك فرصة لمدينة أكادير كي تكون في قلب الحدث الدبلوماسي الكبير الذي يقوده جلالة الملك عبر المبادرة الأطلسية بتشبيك بين الدول المطلة على المحيط الأطلسي ودول الساحل سيجعل من أكادير ووسط المملكة بوابة إفريقية بامتياز عبر اقتراح مهرجان للفنون الشعبية الكرنفالية الأطلسية خاصة وأن للمدينة تراكم لا بأس به في هذا الجانب آواخر سبعينيات القرن الماضي.. ولعل تجاوب وتفاعل جمهور البارحة مع تلك الإيقاعات الإفريقية وتميزها مؤشر إيجابي ومشجع على بدء التفكير في خلق هذا الموعد الثقافي الفني بعمقه الإفريقي الأطلسي خدمة لأجندتنا الوطنية الاستراتيجية من جهة وخلق تميز وفرادة للمدينة والجهة وتشجيع للسياحة الإفريقية كافق مستقبلي وغيرها كثير..
هو أفق للتفكير للمدينة والجهة والوطن عموما بعيداً عن حسابات أنانية ضيّقة وقرارات تدبيرية بمنطق من معي أو ضدّي..
المدينة أكبر من رجل عابر فوق كرسي غير دائم أو شارع مزدحم بأصوات نافرة ..
المدينة أفق للتفكير الجماعي وليست وعاءاً عقاريّا بين علامة قف هنا.. لا تقف هناك
المدينة أكبر من رجل عابر فوق كرسي غير دائم أو شارع مزدحم بأصوات نافرة ..
المدينة أفق للتفكير الجماعي وليست وعاءاً عقاريّا بين علامة قف هنا.. لا تقف هناك
يوسف غريب/ كاتب وصحافيّ