الأحد 24 نوفمبر 2024
فن وثقافة

من أعلام الفكر الإصلاحي بالمغرب: محمد ابن الموقت.. الصوفي المؤرخ والفقيه المصلح  (2) 

من أعلام الفكر الإصلاحي بالمغرب: محمد ابن الموقت.. الصوفي المؤرخ والفقيه المصلح  (2)  الدكتور عبد العزيز أبايا وأطروحته الجامعية حول الفكر الإصلاحي لابن المؤقت المراكشي
قدمت جريدة" أنفاس بريس" ، الجزء الأول من الجلسة الإذاعية التي استضاف الزميل الأستاذ عبدالإله التهاني خلالها، الباحث المغربي الدكتور عبد العزيز أبايا، والتي تركزت حول بوادر وإرهاصات الفكر الإصلاحي بالمغرب.
ونعود لتقديم الحزء الثاني من الجلسة الإذاعية المذكورة، وفيها إضاءات حول شخصية محمد ابن الموقت، الذي يعد  من أعلام الفكر الإصلاحي والصوفي المغربي، في النصف الأول من القرن العشرين .
 
 الكتابات الإصلاحية للمؤرخ والعالم محمد إبن الموقت المراكشي : 
وعن أطروحته الجامعية التي أعدها حول الفكر الإصلاحي للمؤرخ والفقيه ابن المؤقت المراكشي، والتي صدرت مؤخرا تحت عنوان "ابن المؤقت المراكشي وكتاباته الإصلاحية السياق والمضامين والخصائص الفنية"، قال الدكتور عبدالعزيز أبايا، بأن اختياره لهذا الموضوع ، جاء نابعا عن مطلب موضوعي ومطلب ذاتي.
 
فبالنسبة للمطلب الموضوعي أوضح ضيف برنامج "مدارات"، بأن هناك تظافر عدة أسباب وراء هذا الإختيار، فابن المؤقت بنظره يعتبر شخصية بارزة ، وموضوعا مهما للدراسة، فضلا عن ميله هو كباحث لدراسة النصوص النثرية، ذات الطبيعة الإصلاحية ، ومحاولة استخراج مكنوناتها الجمالية، سواء ما كان بوعي من كتابها،  أو كان بدون وعي منهم.
 
وأشار إلى أن الدراسات السابقة، كانت تهتم أكثر بالمتن الشعري والاعتناء به، من خلال تطبيق المناهج الحديثة وبعض تقنيات الشروح القديمة، لاستجلاء مقوماته الفنية، مقابل إهمال التراث النثري والاستنكاف عن دراسته ، لكونه بنظرهم جنسا إبداعيا، لا يرقى إلى الشعر في وظيفته الفنية.
 
 ويرى الدكتور أبايا أن هذا الإهمال لم يكن معضلة مغربية بالأساس، وإنما هو إشكال عام ، لاحظه عدد من الباحثين في النقد العربي، وكان من أوائلهم الدكتور زكي مبارك، الذي ذهب إلى أنه ليس في اللغة العربية، كتاب منثور اشتغل به النقاد غير القرآن، وذلك لإظهار إعجازه وفصاحته اللامتناهية، أما غيره من غرر النثر ومن من البدائع النثرية ، فإنه قليل الحظ من عناية النقاد. 
 
وفي سياق متصل ، تطرق ضيف البرنامج إلى نشأة النثر في الأدب المغربي، والذي يعبر عن إيديولوجيا واضحة ، تمثلت أساسا في النزعات العقدية والإصلاحية للكاتب خاصة، أو للدولة بصفة عامة.
 
أما بالنسبة للدافع الذاتي،  الكامن وراء اختياره دراسة فكر ابن المو قت المراكشي، فيشير  الدكتور عبد العزيز أبايا، أنه نشأ وكبر في حضن والده المرحوم الأستاذ إدريس أبايا، الذي كان يحرص على أن يقتني ، كل ما وصلت إليه يداه من كتابات ابن المؤقت المراكشي، مستحضرا الصدى الواسع لهذه الشخصية ، باعتباره من أكبر متصوفي وإصلاحيي عصره، والانتشار الواسع لبعض مؤلفاته في هذا المجال، وعلى رأسها كتاب "السعادة الأبدية"،  وكتاب  "الرحلة المراكشية" .
 
وقد لاحظ الباحث أبايا ، بأن  شهرة ابن الموقت، كانت مقترنة بجهل عميق لشخصيته وتفاصيل حياته، مما شجعه هو شخصيا على الكتابة للتعريف به. ومن المسائل الذاتية وراء اختياره شخصية وفكر ابن الموقت، موضوعا لاطروحته ، أشار الباحث إلى اطلاعه على المجهود العلمي للأستاذ الدكتور حسن جلاب،  الذي كان من أوائل من انتبه إلى أهمية دراسة شخصية ابن المؤقت، وهو  الذي أشرف على الأطروحة، وكان له الفضل الكبير في إخراجها.
كما نوه أبايا بالمجهود العلمي الكبير الذي يبذله الأستاذ البحاثة أحمد متفكر، في إخراج مؤلفات ابن المؤقت و تيسيرها  للقارئ المعاصر .
 
تنوع في المعارف وغزارة في التأليف : 
و في معرض جوابه عن سؤال يتعلق بشخصية ابن المؤقت و أبعادها المتعددة ، عرف الباحث أبايا بالعلامة ابن المؤقت، اوضح بأنه ، مسفيوي الأصل( نسبة إلى منطقة مسفيوة) ، مراكشي الميلاد والنشأة والمدفن،  وأنه عُرف في الأوساط المراكشية بابن المؤقت،  وأنه عالم ميقاتي، ومُعدِّل وحيسوبي، وفقيه،  مؤرخ، ومصلح.

 
ولد عام 1894م  حسب: أدولف فور-ADOLPHE FAURE، وعام 1882 حسب حفيده الدكتور أحمد الشقيري ، وعام 1867 حسب ما أورده الأستاذ البحاثة أحمد متفكر، بينما يذكر الدكتور  حسن جلاب أن ولادته كانت عام 1880.
وأضاف الدكتور أبايا أن ابن االموقت،  نشأ في بيئة علمية بحومة زاوية " الحضر " بمراكش، في أسرة ينتسب الكثير من أفرادها  إلى التصوف، و تلقى مبادئ العلوم عن أبيه، ثم أخذ بعد ذلك عن مشايخ وعلماء الجامعة اليوسفية.

 
وسجل الباحث أبايا أن ابن المؤقت،  كان من أكثر  أهل مراكش غزارة في التأليف، وأسبقهم إلى الكتابة، حيث بلغت مؤلفاته بحسب حفيده الدكتور الشقيري ، 84 مؤلفًا، منها 41 مطبوعة، و4 مخطوطة، والباقي مفقود، بينما فاقت بحسب الأستاذ متفكر  ضِعف هذا العدد ، في حين عدّدها الدكتور حسن جلاب ب 83 مؤلفًا، منها: 41 مطبوعا ، و30 مخطوطا، والباقي نُقل عنه أو ذُكر في مصادر مختلفة.
 
واستعرض المتحدث عناوين من تلك المؤلفات، من قبيل : السعادة الأبدية في التعريف بمشاهير الحضرة المراكشية – لبانة القاري من صحيح الإمام البخاري – تنوير الأفكار في مواسم الأعمار- الرحلة المراكشية – الرحلة الأخروية – الجيوش الجرارة – الكشف والتبيان عن حال أهل الزمان – تقريب الأقصى في تلخيص الاستقصا - أصحاب السفينة – مجموعة اليواقيت العصرية، و غيرها.
 
 وأوضح ذات الباحث ، أن ابن الموقت بقي وفيا للكتابة  والتأليف في مختلف المجالات  والعلوم،  إلى أن وافته المنية في شهر  دجنبر من سنة 1949. 
 
 المراحل الثلاثة في سيرة محمد ابن الموقت :
واعتبر أن تراثه يعبر  عن حالة المغرب الاجتماعية والفكرية في عصره. كما أنه مرآة لنفسية كاتبه، حيث يتبين أن الرجل مر بثلاث مراحل في حياته : 
 - أولا : مرحلة التصوف التي تميزت باتجاهه الصوفي المحض ، متأثرا بنشأته في جو أسري مغلق ، وبخاصة والده الذي كان من كبار المتصوفة بمراكش . وقد أنتجت  هذه الفترة  مؤلفات عدة، من قبيل كتاب " السعادة الأبدية "،  و"معارج المنى والأماني، و" تعطير الأنفاس في التعريف بالشيخ أبي العباس " ، و" مجموعة الورد العام لجميع طوائف الإسلام  "، و" الرحمة العامة في مولد خير الأمة". ولاحظ الباحث أبايا أن هذه المرحلة استمرت إلى سنة 1927  ، وهو التاريخ الذي ألف فيه إبن الموقت  كتابه "الانبساط  في تلخيص الاغتباط".، والذي يضم طائفة من أخبار المتصوفة المعاصرين،  مختصرة من كتاب  " الإغتباط" لمحمد بوجندار.
 - ثانيا :  مرحلة الصحو : وقد أشار  الباحث عبدالعزيز أبايا 
أنها تبدأ مباشرة بعد انقلاب إبن الموقت على شيخه في التصوف ، وما جاء بعدها من ترقب ورصد  للظواهر الاجتماعية السلبية . 
- ثالثا : مرحلة السلفية الجديدة  وتتميز حسب ذات الباحث بتأليف إبن الموقت  كتاب  "الجيوش الجرارة " سنة 1937،حيث ذكر أن تأثره بالشيخ محمد عبده ، كان واضحا في هذا الكتاب، وأنه من هنا على الأرجح،  يبدأ تأثره بالسلفية الجديدة التي ظهرت في المشرق ، ويستمر متأثرا بها إلى سنة 1945 ، وهو التاريخ الذي ألف فيه كتابه " فتح الكبير المتعالي على قول الشيخ أبي العباس سيدي أحمد بن عبد العزيز الهلالي " ،  و" إرشاد ذوي النباهة والاعتبار ، لاستدراك ما فاتهم من الأعمال الصالحة بعد انقراض الأربعين سنة من الأعمار".
 
ابن الموقت والحركة الصوفية: 
و جوابا عن سؤال يتعلق بابن المؤقت و الحركة الصوفية المعاصرة له، أكد عبد العزيز ابايا أن المتمعن في كتب ابن المؤقت الإصلاحية ،  يلاحظ بأن صدى التجربة الصوفية التي قضاها الرجل مع والده،  ومع شيخه فتح الله البناني ، قد بقي  يتردد في الكتابات  الإصلاحية لهذا العالم . وخلص المتحدث إلى القول، بأنه استخلص ذلك من خلال ما يلي :
 - تركيز إبن الموقت على الجانب الأخلاقي والإيماني لأفراد مجتمعه، بحيث وجدنا تقييمه لأي ظاهرة اجتماعية أو إدارية أو ثقافية، إنما  كان يقوم وينطلق من تقييمه المستوى الأخلاقي للمسؤولين عن تلك المرافق ، وهذا ما يفسر غياب البدائل التنظيمية، خلافا لما جاء في كتابات بعض معاصريه ، مثل محمد بن الحسن الحجوي ومحمد السليماني،  وغيرهما.
 - اعتماده في بعض آرائه الإصلاحية على كتابات صوفية معروفة،  ككتاب (موزاين الرجال القاصرين) وكتاب (الطبقات) للشعراني، وكتاب(عدة المريد الصادق) للشيخ زروق، علاوة على إيراده لأقوال العديد من شيوخ التصوف ، كالحضرمي  وأبي الحسن اليوسي.
 
التأسيس لنزعة الإصلاح في الفكر الصوفي:
 وأشار الباحث أبايا خلال هذه الحلقة من برنامج "مدارات"، إلى أن ابن المؤقت عندما تناول قضية التصوف في عصره، بني آراءه على زمنين :
 - زمن ماض ذهبي، واعتبره المرجعية المثالية للتصوف.
 - زمن حاضر متردي، حيث تشوهت آراء الشيوخ القدامى الذين أسسوا لهذا العلم. وأوضح  الدكتور  أبايا أننا من هنا،  نفهم مهاجمة إبن الموقت  لكل الطرق الصوفية المعاصرة له ، وأن ذلك  يظهر ذلك من خلال المصادر التي اعتمدها ، أثناء تعليقه على مظاهر الانحراف التي مست الشعائر الدينية في الفترة التي عاش فيها ، وهي مصادر صوفية شكلت العمود الفقري للفكر الصوفي بالمغرب، كما أنها 

 
شكلت  المرجعية التي يستند إليها الطرقيون أيضا،  لتبرير ما يمارسونه من عادات ، وخلص إلى القول بأنه من  الملاحظ أن لكل من ابن المؤقت وخصومه الفكريين ،  نفس المصادر المعتمدة ، ومن هنا جاز أن ينعت المشروع الإصلاحي للرجل،  بأنه محاولة لترميم ما انهدم،  من أساسيات الفكر الصوفي، الذي تشوه بعد اتساع  الشقة عن مؤسسيه الأوائل.
 
و في الختام ، استنتج الدكتور عبدالعزيز أبايا ، أن نزعة الإصلاح في الفكر الصوفي، كانت مستمرة باستمرار ظهور الانحرافات والبدع ، داخل الطرق والزوايا الصوفية ، وأن  نقد ابن المؤقت للفكر الصوفي ، يندرج  في هذا السياق، حيث أكمل الرجل مجهودات سابقيه في الإصلاح.