هل يمكن القول انه حين عنون كلود بلازولي مقالته المنشورة بحوليات شمال إفريقيا ب " الموت البطيء للحركة الوطنية "، كان يتنبأ فعلا بموتها؟. في اعتقادنا كان هذا الباحث ينطلق من وقع الحال المتميز بالصراع حول الحكم و أن القصر لجأ لشتى الوسائل لكي يستبدل معادلة الصراع على الحكم بالصراع حول الحكومة، و نجح في تدجين المعارضة الشرسة التي قادتها أحزاب المعارضة سواء من خلال تشجيع التعددية الحزبية كبديل عن التعددية السياسية او الاشتغال بمنطق " فرق تسد"، فالعديد من الانشقاقات الحزبية كان للقصر اليد الطولى فيها بل لجأ بعض الأحيان إلى ما يسميه الاستاذ عبد اللطيف اكنوش ب" نظام المكافآت في إشارة واضحة إلى مجموع الامتيازات الممنوحة للعناصر " المشاغبة" لكي تستمر في ممارسة السلطة في دائرة مرسومة بخطوط حمراء يمنع على أحزاب الحركة الوطنية اقتحامها، و يرمز نظام المكافآت إلى الامتيازات المادية من قبيل رخص الصيد في أعالي البحار و مقالع الرمال و المأدونيات و الأراضي لضمان أولا صمت العناصر التي ترغب في اقتسام السلطة مع المؤسسة الملكية، و ثانيا الامتيازات المعنوية من قبيل التعيين في المناصب العليا.
توقف بريق الأحزاب السياسية الشرسة و انتهى معه زمن الانشقاقات، بل ولى زمن التحالفات المبنية على وحدة الأهداف و تقارب الاديولوجيات من قبيل " الكتلة الوطنية" و " الكتلة الديمقراطية " و انتهت معهما فكرة " الزعامة" و القيادة القائمة على المشروعية الكاريزمية و باتت الأحزاب السياسية على استعداد تام للارتماء في أحضان السلطة في رغبة شاملة لكي تحظى برضى السلطة لتسبغ عليها من عطاياها و بدا مفهوم جديد للتوريث السياسي يتجاوز الاستخلاف في القيادة الحزبية إلى الاستخلاف في الاستوزار و حجز المقاعد البرلمانية.
تحدث العديد من الباحثين عن أدوار الأحزاب السياسية في التأطير و التنظيم و ممارسة السلطة، و بخس البعض من ادوارها على شاكلة جور لافو الذي تحدث عن الوظيفة المنبرية، في إشارة منه إلى وظيفة الخطابة.
الا يحق لنا الآن الحديث عن وظيفة للاحزاب السياسية تتمثل في تأثيث الفضاء السياسي؟ او وظيفة تشكيل اغلبيات رقمية بغض النظر عن البرامج و الاديولوجيات؟ الا يشكل هذا الواقع الذي ساهم فيه بجزء كبير القصر في أن ينقلب السحر عل الساحر في إشارة إلى غياب وسيط قد يحتوي كل انفلات نابع من احتجاج او مظاهرة؟ لماذا هذا الصمت الرهيب داخل الأحزاب السياسية التي تفضل السكوت و السكون و التأسيس لتقليد شعاره " قيادات مدى الحياة" عبر تعديل القوانين الأساسية؟
عبد اللطيف مستكفي/ أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق الدارالبيضاء