الخميس 4 يوليو 2024
فن وثقافة

عبد العزيز أبايا: ونظرات حول إرهاصات الفكر الإصلاحي بالمغرب (1)

عبد العزيز أبايا: ونظرات حول إرهاصات الفكر الإصلاحي بالمغرب (1) الباحث المغربي الدكتور عبد العزيز ابايا
تابعت جريدة "أنفاس بريس" الجلسة الأدبية التي استضاف خلالها الكاتب الإعلامي عبد الإله التهاني،  ضمن برنامجه الإذاعي "مدارات"، الباحث المغربي الدكتور عبد العزيز ابايا، حيث وصفه بأنه  واحد من وجوه الجيل الجديد من الباحثين المغاربة الذين يشتغلون ، في مجال الدراسات الأدبية واللغوية واللسانية ، وأنه ممّن وفّقوا في الملاءمة بين أصول التراث الأدبي العربي القديم، ومناهج التحليل الجديدة في الدراسات الأدبية الحديثة، علاوة على انشغاله بالتراث الصوفي المغربي وسيّر أعلامه.
 وأشار معد ومقدم البرنامج إلى الأطروحة الجامعية التي أعدها الباحث الدكتور عبد العزيز أبايا، حول اجتهادات الفكر الإصلاحي المغربي، منذ منتصف القرن التاسع عشر، على ضوء كتابه الصادر مؤخرا  تحت عنوان : "ابن المؤقت المراكشي وكتاباته الإصلاحية: السياق والمضامين والخصائص".
 كما أشار إلى أن له كتابين آخرين بنكهة خاصة،  هما قيد الطبع،  أحدهما حول "جمالية المكان في وصف الأديب الأندلسي لسان الدين ابن الخطيب لمدينة مراكش"، بينما الكتاب الثاني يتناول "الزاوية البَنَّانِيَة بالرباط التاريخ والرجال والتربية".
 
 ■ البوادر الإصلاحية في مغرب القرن التاسع عشر:
وجوابا على سؤال يتعلق باهتمامه بالفكر الإصلاحي المغربي، ولاسيما في فترة القرن التاسع عشر، وأهم أعلامه في تلك الفترة، أوضح الدكتور الباحث عبد العزيز أبايا بأن الوضعية المتأزمة التي كان يشهدها المغرب قبل الحماية الفرنسية، كانت سببا في ظهور نوع جديد من الكتابات، التي كان همها الوحيد هو إصلاح ما عليه حال البلاد آنذاك، باعتبار  أن هذا الإصلاح شمل كل فاعلي المجتمع، وحصل إحساس بالملموس بأن هناك تغيرا في لغة الخطاب، معنى ومبنى. ولاحظ نفس الباحث أنه حدث تغير في طريقة التفكير، الذي كان مزدوجا، حيث كان ينبني في نظره ، على ثنائية الحفاظ على الأصول، والإستفادة من تطور الغرب.

وأضاف الدكتور أبايا في نفس السياق، بأنه لا يمكن الحديث بشكل حاسم، عن البدايات الأولى لظهور الكتابات الإصلاحية بالمغرب، بالنظر إلى الضياع الذي شمل عددا كبيرا من تآليف المغاربة في هذا الباب، وخاصة في مراحله الأولى، مبرزا  بأن الباحث في فترة حكم السلطان عبد الرحمن بن هشام، وابنه محمد الرابع، آثارته بعض الرحلات التي قام بها عدد من السفراء، بدافع سياسي ظاهريا، لكن كان بنية إصلاحية.

وفي هذا الصدد، أشار ضيف برنامج "مدارات " إلى عدد  من الرحلات المدونة ، ذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، رحلة محمد بن عبد الله الصفار إلى باريس سنة 1846، ورحلة أخرى للسفير بن ادريس العمراوي سنة 1860، والتي ألف فيها كتابا بعنوان "تحفة الملك العزيز في مملكة باريز"، إضافة إلى رحلة محمد الطاهر الفاسي، والتي سماها "الرحلة الإبريزية إلى الديار الإنجليزية".
 
■ النفس الاصلاحي في تدوينات  سفراء  السلاطين:  
ولاحظ الباحث عبد العزبز أبايا، بأن في هذه الرحلات، يكمن ذلك النفس الإنبهاري، الناتج عن مدى الإعجاب الذي أبداه أصحاب الرحلات، إزاء التطور الحاصل عند الأوربيين.

 واستحضر في هذا السياق، وصف القطار من طرف السفير بن ادريس العمراوي ، بكونه "بيت صغير من نحاس" محددا شكله و أبعاده.

ورغم بساطة هذا الوصف من رجل سياسي، هاجر إلى بلد أوروبي وانبهر بما رآه، أكد الدكتور عبدالعزيز أبايا بأن هذه الكتابة السفارية ، قد أفرزت ثنائية جديدة في الفكر المغربي الحديث، وهي ثنائية الأنا والآخر، وما تستلزمه هذه الثنائية من دلالة تعبيرية، ذلك أن "الأنا" لها علاقة بالضعف والارتجال وغير ذلك، فيما يمثل "الآخر" القوة المتمدنة ، المنظمة.
 
■ طموحات محمد الرابع والحسن الاول:
وأشار ذات الباحث إلى أن السفراء المغاربة وقتها، اطلعوا لأول مرة عبر هذه الرحلات ، على وجه أوروبا الثقافي، وعلى وجهها الحربي والصناعي والمعماري والإداري، مما أبهرهم في الحقيقة، حيث اتجه طموح كل من السلطان محمد الرابع والحسن الأول، إلى محاولة إسقاطها على المغرب، من خلال إرسال بعثات دراسية إلى مصر في عهد محمد الرابع، وإلى أوروبا في عهد السلطان الحسن الأول، من أجل تكوين أطر قادرة على تسيير البلاد وتطويرها ، وإخراجها من الأزمة التي تقبع فيها آنذاك ، عبر مناهج إدارية جديدة.

وأضاف ضيف البرنامج الإذاعي "مدارات " بأنه من هذا المنطلق، سيقدم كل من السلطان محمد الرابع والحسن الأول، على إصلاحات إدارية في جل الميادين، بمساعدة من تكوّنوا في تلك البعثات، وخاصة منها الإصلاحات الإدارية ،التي عملت على القضاء على عوامل الاستبداد والظلم، وسد الفراغ الذي تشكو منه البلاد في بعض الميادين.

وأشار الباحث أبايا في هذا السياق، إلى ظاهرة ارتشاء الموظفين التي كانت منتشرة في ذلك الوقت ، بشكل كبير جدا، حيث كان السلطان الحسن الأول يرى  بأن ظاهرة الرشوة ، هي من أسباب عدم فعالية الإدارة، ومن دواعي تدمر السكان.

وفي هذا السياق سيقوم هذا السلطان بإصلاحات إدارية، تتعلق بتحسين طريقة قبض المداخيل الجمركية، وردع مجموعة من الموظفين، الذين كانوا معروفين بالفساد الإداري آنذاك.
 
■ المبادىء الاصلاحية عند الكردودي والسليماني ومحمد
 بن جعفر الكتاني :
 وعن سؤال يتعلق بنشأة الفكر الإصلاحي المغربي،  وامتداده لاحقا في توجهات الحركةالوطنية مع مطلع القرن العشرين، أوضح الباحث عبد العزيز أبايا بأن الملاحظ في الكتابات الإصلاحية أنها ستسير فيما بعد ، بموازاة مع حركة مغربية، مطالبة بالإصلاحات عن طريق أقطاب الحركة الوطنية المعروفين، وستظهر مع توالي الأحداث المتسارعة ، بعد التوقيع على معاهدة الحماية.

وأشار ضيف البرنامج  الإذاعي "مدارات"، إلى أن بعض العلماء  قد حاولوا في تلك الظرفية أن يصلحوا ما أمكن، منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر،، حيث ذكّر بدور العلامة الكردودي الذي توفى سنة 1851، وكان قد ألف كتابا سماه "كشف الغمّة" ، والذي ألفه بسبب حالة الجيش المغربي المتدهورة وقتها ، والتي نتج عنها اندحاران أمام كل من فرنسا وإسبانيا ـ ويقصد معركة إيسلي ومعركة تطوان ـ مبرزا أن العلامة الكردودي قد تأثر في هذا الكتاب،؛ بتنظيم الجيش الفرنسي وطريقة حربه وقتاله الذي كان يتّبعه، شأنه في ذلك شأن الإسبان، على عكس المغاربة الذين كانوا يقاتلون بالطريقة القديمة للحروب. 

وفي هذا السياق، أفاد الباحث أبايا، بأن كتاب "كشف الغمّة" للكردودي ، تضمن طائفة لا بأس بها  من الترتيبات والأنظمة السياسية المعتمدة في أوروبا، وخاصة في تركيا، حيث سعى العلامة الكردودي، إلى لفت نظر المغاربة إليها والعمل بمقتضاها، مستندا في كتابه على مبدإ حاسم، وهو مبدأ الشورى والتنظيم الحربي،؛ وكيفية تنظيم الجيش، وغير ذلك.

وأضاف نفس الباحث بأنه مع حلول القرن العشرين، ستظهر شخصية المصلح محمد بن جعفر الكتاني، كواحد ممن أخذوا على عاتقهم توعية المجتمع المغربي، باقتراح حلول نابعة من المرجعية الدينية، مستدلا بكتابه "النصيحة" ، وهو بمثابتة دراسة إسلامية تشرح أسباب وعوامل ضعف الدولة، من خلال الأوضاع التي أدت إلى احتلال المغرب، بعد 12 قرنا من السيادة المطلقة. وأفاد بأن المصلح محمد بن جعفر الكتاني،قد قسم هذا الكتاب إلى مباحث كثيرة، منها اختلاف كلمة أهل الإسلام، وترك الاستعداد إلى الحرب، وترك الجهاد و غيرها.
 
■ نصيحة محمد السليماني ورؤيته البعيدة لتجاوز العطب: 
واعتبر الدكتور عبد العزيز أبايا كتاب "النصيحة إلى الإسلام"، مقدمة متينة بنيت عليها كثير من التصورات الإصلاحية الشمولية، من بينها مثلا إصلاحات محمد السليماني، التي انبنت على مجموعة من الأفكار الإبداعية في مجال الإصلاح وقتئذ، على اعتبار أنه من الإصلاحيين الذين كانت أفكارهم مؤسسة لما بعدها، مسجلا أن السليماني ألف كتابا مهما في هذا الإطار، سماه "اللسان المعرب عن تهافت الأجنبي على المغرب"، حاول من خلاله أن يضع أصبعه على مكامن الخطأ في المجتمع المغربي، معتبرا أن الكتاب هو من المحاولات الإصلاحية الجديرة والقمينة، بأن يلتفت إليها.
 
وتحدث الدكتور أبايا عن أفكار محمد السليماني الإصلاحية، ومنها تناوله في كتابه المشار إليه لمشكلة التعليم، بنوع من الإبداع الإصلاحي، استقاه من النظام الأوروبي، حيث وضع خارطة طريق في إصلاح التعليم، مشيرا إلى أنه كان رائدا وسباقا في المطالبة وقتئذ بإجبارية التعليم، وبأن يكون عدد التلاميذ بقدر عشرين في المائة من عدد السكان، فضلا عن مطالبته أيضا بانتشار المدارس التعليمية في كل حارة أو قرية، كانتشار المساجد، بمعنى أنه كلما بني مسجد ، تقام بجانبه مدرسة، علاوة على مطالبته ببناء ثانوية بكل عمالة، وأن تكون المدارس العليا والجامعات في أمهات المدن، بالإضافة إلى أهمية أن تكون المدارس في أبهى منظر على مستوى الهندسة والمعمار. كما اشترط العالم المصلح محمد السليماني، إعطاء التعليم دينامية جديدة لتحقيق النهضة، وذلك بتطبيق عدة إجراءات،أورد الباحث أبايا منها، أن يكون هناك تنويع لمعارف الطفل، وانفتاحه على العالم الخارجي.كما اقترح أن تتغير طريقة التدريس، مع جعلها منفتحة على المناهج الجديدة الأوروبية.ووفق ما ذكره الباحث عبدالعزيز أبايا، فإن السليماني طالب بإشراك التلميذ في العملية التعليمية ، وجعله طرفا فاعلا في عملية إعداد الدرس والمناقشة. وطالب أيضا بفتح المجال للتخصص في علوم معينة ، والتعمق فيها والابتعاد عن الشمولية والسطحية. كما دعا إلى إعطاء التلميذ حرية أكثر، خلافا لما كان يقع بالتعليم العتيق .. واستطرد الدكتور أبايا قائلا  بأن شباب الحركة السلفية المتنورة المتفتحة، استفاد  من الكثير من خصائص الفكر الإصلاحي المبدع الذي نادى به بعض ممن ذكر آنفا.

واعتبر الدكتور عبد العزيز أبايا، أن العلامة محمد الحجوي قد سار في نفس سياق محمد السليماني؛ خاصة في مجال التعليم، حيث كانت رؤيته متساوقة مع ما ذهب إليه محمد السليماني ، خاصة فيما يتعلق بتعليم الفتاة، وأنه كان من الأعلام الذين دافعوا على تعليم الفتاة، وجعلها قاطرة للتنمية بالمغرب. واعتبر أبايا أن هذا الرأي ، كان جريئا في سياقه التاريخي وقتئذ.

يتبع ..