الثلاثاء 2 يوليو 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي: بعد الجزائر.. تونس تفتح أبوابها لإيران

كريم مولاي: بعد الجزائر.. تونس تفتح أبوابها لإيران كريم مولاي
لم يمر عيد الأضحى المبارك هذا العام كسابقه من الأعياد، فدماء الفلسطينيين النازفة لم تتوقف بعد، وجرائم الاحتلال في استهداف المدنيين العزل من الفلسطينيين لم تتوقف على الرغم من قرارات محكمتي العدل الدولية ولا الجنائية الدولية، ولا حتى قرار مجلس الأمن بالوقف الفوري لإطلاق النار.. كما أن حالة التمزق العربي والإسلامي ليس فقط إزاء هذه الحرب فقط، وإنما في علاقاتها البينية تعمقت بما يزيد من معاناة شعوب المنطقة وإنهاكها.. 
 
لم نتفاجأ بقرار الخارجية التونسية بفتح أبواب تونس أمام الزوار الإيرانيين والعراقيين وإلغاء تأشيرة الدخول، فالتقارب التونسي ـ الإيراني كان واضحا منذ انقلاب قيس سعيّد في 25 تموز من العام 2021، ليس فقط في التعاطي الإعلامي الإيراني مع الانقلاب ولكن أيضا في الحركية غير المعتادة للملحقية الثقافية الإيرانية في تونس وللعلاقات التي تربط عددا من رجالات العهد التونسي الجديد بالمؤسسات الرسمية في طهران..
 
حتى لما جاءت حادثة الطائرة الرئاسية الإيرانية التي أودت بحياة الرئيس الإيراني الأسبق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير عبد اللهيان وعدد من المرافقين، على نحو لم تقدم له السلطات الرسمية في إيران من تفسير غير تقادم الطائرة والأحوال الجوية السيئة التي اختارت طائرة الرئيس من دون قافلة تضم ثلاث طائرات من ذات النوع..  
 
في هذه الحادثة تعامل الإعلام التونسي بل والرئاسة مع الحادثة كما لو أنها عزاء داخلي، وشارك الرئيس قيس سعيّد في العزاء والجنازة، لا بل والتقى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي.. 
 
والحقيقة أن هذه الخطوات التونسية سبقتها الجزائر التي فتحت أبوابها لعلاقات وثيقة ليس مع طهران فحسب وإنما أيضا مع وكيلها في الشرق الأوسط بشار الأسد، حتى أن هذا التقارب حال دون استقبال حالات إنسانية سورية فرت من جحيم الحرب التي تشنها قوات الأسد مدعومة من روسيا وإيران ضد الشعب السوري.. 
 
 شخصيا لم أستغرب الخطوة التونسية، والتي أعتبرها جزءا من الوظيفة التي اختار حكام الجزائر وتونس القيام بها لصالح تفتيت المنطقة ومنع تفعيل مؤسسات اتحاد المغرب الكبير، خدمة لأجندات لا أقول غربية فحسب، بل الآن تحويل منطقتنا إلى ساحة لتصفية الخلافات الدولية، وخوض حروب بالنيابة عن قوى الاستعمار القديم منها والحديث.. 
 
لكنني أجد نفسي عاجزا فعلا عن فهم سر الصمت الشعبي في الجزائر وتونس عن هذا المسار الخطير الذي تنزلق إليه الدولتان وهم يرفعون شعار مقاومة الاحتلال والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، ولم نر منهم غير الشعارات التي لم تتم ترجمتها إلى واقع ملموس يحقن الدماء ويداوي الجراح ويطعم الجياع.. 
 
وأزداد حيرة عندما أستحضر الأمن الديني للمنطقة، فمنطقتنا المغاربية سنية في غالبيتها ومالكية  المذهب والعقيدة الأشعرية، فما الذي يعنيه فتح المجال للحسينيات والتمدد الشيعي في المنطقة غير تفخيخ المشهد الديني وزرع ألغام الصراع الطائفي الذي أحرق العراق واليمن وسوريا ولبنان قبلنا.
 
ربما يجد قادة الجزائر وتونس في اللجوء إلى إيران أداة لتهديد المغرب، التي صدمت الجميع بنهضتها الاقتصادية وبنيتها التحتية المتطورة، لكنهم يتجاهلون أنهم يضربون أمنهم أولا ويضرون بشعوبهم وبدينهم وبأمتهم قبل ذلك..
 
لا ضير في أن تتعامل الدول مع بعضها البعض وفق أجنداتها الخاصة ومصالحها، لكن أن تراعي ليس فقط شروط الحفاظ على أمنها واستقرارها أولا، ولا أظن أن هناك ما هو أخطر من تفتيت الوحدة الدينية للمجتمعات..
 
كنت أعتقد أن الأعياد الدينية عادة ما تكون مناسبة للتجاوز ونسيان الخلافات وإعلاء قيم التسامح ومصالح الشعوب عن الخلافات الزائلة، إلا أن الواقع كما يبدو كذب ذلك، فقد اختار قادة تونس أعياد عيد الإضحى لدق إسفين جديد ليس في وحدة الدول المغاربية وإنما قبل ذلك في ضرب الوحدة الدينية للتونسيين أولا.. والهدف هو المغرب التي استفاقت مبكرا لخطورة الدور الإيراني في المنطقة..