الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

الطيب دكار: الانحراف العقلي والسريري للقادة الجزائريين

الطيب دكار: الانحراف العقلي والسريري للقادة الجزائريين الطيب دكار
تمنحنا الجزائر كل يوم دليلا على كراهيتها العميقة للمغرب ،المتجذرة في الذاكرة الجماعية منذ الاستقلال في عام 1962، وذلك بسبب حملة دعائية متواصلة مناهضة للمغرب، والتي تتجاهل قواعد حسن الجوار واللياقة.
 
لكننا لم نعتقد أبدا أن الجزائر ستحظر أي إشارة إلى المغرب في وسائل الإعلام السمعية والبصرية، أو حتى تفرض تعتيما تاما على مشاركة رياضيين مغاربة، بما في ذلك فرق كرة القدم، في مسابقات اقليمية ودولية، على الأراضي الجزائرية. من كان يصدق أن الجزائر ستعلن، خلال مونديال قطر، هزيمة أسبانيا، دون ذكر خصم هذا البلد الإيبيري الذي لم يكن سوى المغرب. والأخطر من ذلك هو أن خانة المغرب في برنامج الرسومات الحاسوبية للمسابقات العالمية ظلت  فارغة. أعتقد أن أطباء نفسيين وحدهم هم من يستطيعون أن يشرحوا لنا الانحراف العقلي والسريري لقادة هذا البلد المجاور جغرافيا، والذي يفصلنا عنه خلاء ثقافي وحضاري مهول.
 
بعد انهيار جدار برلين عام 1989 وقبله بقليل ، أدارت كل دول الكتلة الشرقية تقريباً، حلفاء الاتحاد السوفييتي السابق ونظام الحزب الواحد، أدارت وجهها نحو العالم الغربي الحر. وكان لدول أوروبا الشرقية تقدم واضح على الجزائر من حيث الصناعة والبنية التحتية. غير أن الجزائر استمرت في الإدعاء بانتمائها ، بالإضافة إلى الاشتراكية الطبقية على النمط الجزائري، بولائها للاتحاد السوفييتي ومن ثم لروسيا فيما بعد ، إلى غاية اندلاع أعمال الشغب الدموية في أكتوبر 1988، والتي فرضت تغييراً في واجهة النظام.
 
هناك اختلاف أساسي آخر مع الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي سابقًا: لقد اختارت هذه الدول الديمقراطية والتعددية الحزبية وحرية التعبير وحقوق الإنسان. كان التغيير جذرياً، بينما في الجزائر، أجرى النظام، تحت ضغط شعبي، تعديلات طفيفة لإدامة النظام واستمرار تحكم الجيش في السلطة. وعلى الرغم من الثورات الشعبية المتتالية، لا يزال الجيش يسيطر على السلطة حيث  لم يتمم أي رئيس جزائري منذ الاستقلال ولايته. فبعضهم تم اغتيالهم (بومدين، بوضياف)، والآخرون تمت إقالتهم وعزلهم من قبل الجيش (بن بلا، بوتفليقة، الشاذلي بن جديد، زروال). عند الاستقلال، استولى بومدين وآخرون على السلطة بالقوة، ودخلوا الجزائر العاصمة على متن دبابات، ليحلوا محل الحكومة المؤقتة وتحييدها (GPRA).
 
 إن تاريخ الجزائر، التي رضخت تحت نير الاستعمار لما يقرب من خمسة قرون، وسبقه وضع  أرض خلاء لعدة قرون أخرى,  يفسر إلى حد كبير هذا الاتجاه نحو المركزية وإسناد أمور البلاد للجيش. الجزائر، التي لا تزال تخشى الغزو الأجنبي، تعزز ترسانتها العسكرية وتحمل الجيش الدفاع عن البلاد. وهذا هو السبب أيضا الذي دفع الجزائر إلى المبالغة في تمجيد المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي (1954-1962) بل وتخصيص قناة تلفزيونية لهذا الغرض. إن الاستعمار الطويل للجزائر، والذي أدى إلى مسخ و محو ثقافة المجتمع (اللغة، الملابس، فنون الطهي، الهندسة المعمارية، إلخ) الشيء الذي يؤرق المواطنين، يؤجج روح القومية بصفة مفرطة. بومدين وآخرون، الذين عاشوا في مدينة بركان بين المغاربة والذي لم يطلق رصاصة واحدة ضد السلطات الاستعمارية،عوضوا السلطات الاستعمارية الفرنسية في تنفيذ الاستراتيجيات الهادفة لإضعاف المملكة المغربية , عبر حرب الرمال لتوسيع الرقعة الترابية, ثم بإثارة  قضية الصحراء، لتطويق المغرب وخنقه من كل جانب.
 
وتبقى الجزائر مثالا خاصا ومميزا في العالم، لأنه لا يوجد بلد في العالم، غني بثروات جوفية هائلة، يجبر شعبه على التدافع للحصول على حصته من الحليب أو العدس. بلد غني مثل الجزائر، الذي بدأ للتو التفكير بعد 62 سنة من الاستقلال، في مشروع لإنتاج الحليب...المسحوق في الصحراء الجزائرية. لا شيء يمنع الجزائر من أن تصبح في موقع الإمارات العربية في المغرب العربي  ، والتي نزل المئات من مواطنيها إلى شواطيء البحر للفرار من هذا البلد نحو آفاق أخرى في أوروبا.
 لماذا تظل الجزائر متخلفة عن الركب بعدة عقود، وليس بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، بل لغيرها من البلدان الأقل حظا فيما يخص الموارد الطبيعية ؟
 
لأن الجزائر، التي ظلت تحت السيطرة الأجنبية لمدة 500 سنة، اعتمدت خيارات كارثية عند استقلالها. لقد عقدت العزم ليس لبناء الجزائر بل لتحرير جميع شعوب العالم والدفاع عن جميع القضايا التي بدت لها "عادلة" على اليابسة. ولذلك، فقد استثمرت معظم عائداتها من المحروقات في الدفاع عن هذه القضايا، من خلال استقبالها على أراضيها، بالإضافة إلى جبهة البوليساريو، ممثلين لكل ما يسمى بالمنظمات الإفريقية والعربية والأجنبية "التقدمية"، التي استضافتها وتكفلت بها على الوجه الكامل. وهكذا أرادت الجزائر أن تأخذ الثأر من الاستعمار الفرنسي والعثماني، على مدى خمسة قرون، بوضع كل وسائلها في خدمة القضايا "العادلة" في العالم، بل وممارسة الابتزاز، في بعض الحالات ، كما كان الأمر فيما يخص المغرب أو إسبانيا، من خلال دعم الجزائر. للبوليساريو أو، لبعض الوقت، حركة لتحرير جزر الكناري.

 
 ويعتقد الخبراء في هذا الصدد أن الجزائر أهدرت 400 مليار دولار لفائدة البوليساريو. ويستمر سوء التدبير حتى اليوم، بما في ذلك عندما كانت الجزائر تعاني من نقص داخلي في المواد الغذائية الأساسية. جبهة البوليساريو قضية شبه مقدسة. سيُقال لك: "إنها قضية مبدئية". هذه في الواقع أكذوبة كبرى. الجزائر لا تسترشد بأي مبدأ. ولننظر إلى موقفها في الأمم المتحدة من القضية الفلسطينية حيث رفضت الانضمام إلى لائحة موقعي مشروع القرار الذي قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة للجمعية العامة والخاص بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. ولم تنضم الجزائر إلى قائمة الدول الراعية للمشروع، بسبب خلافات بين البلدين ,بكل بساطة لأن المشروع قدمته الإمارات. والموقف الجزائري كان مبررا، ليس بالقضية الفلسطينية التي كانت الدافع وراء القرار، بل بخلافها الظرفي مع الإمارات.  خطأ فادح آخر في الدبلوماسية الجزائرية: القراءة الخاطئة لخطاب بيردو سانشيز أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قد أكد شخصيا أن مدريد قد انقلبت ب180 درجة بشأن قضية الصحراء المغربية. ومن هذا المنطلق أيضًا، دعت الجزائر وزير الشؤون الخارجية الإسباني لزيارة رسمية للجزائر، لبدء التطبيع، وهي الزيارة التي ألغيت بعد إعادة التأكيد، عشية  اللقاء الموعود ، على الموقف الإسباني المؤيد للمغرب بشأن هذه القضية. إن المؤاخذات الرئيسية للدبلوماسية الجزائرية تظل هي ردود الفعل المتسرعة والغاضبة، والأنانية، والبارانويا، والعناد. وفي هذا الصدد، فإن الجزائريين متشبثون بمنطقهم ، وإن كانوا يدركون فشلهم في نهاية المطاف. وهذا ما يسمونه بالنيف الجزائري ، والذي يعني أن الجزائر على حق مهما كانت الظروف.وهذا ينطبق على قضية الصحراء المغربية، حيث أن القادة الجزائريين يدركون الضرر الجسيم الذي ألحق بالمغرب - وقد أسر لنا وزراء جزائريون سابقون خلافهم مع بلادهم حول هذه القضية - إلا أنهم سيبقون أوفياء لمنطقهم التخريبي, الذي يبقى مع مرور السنين   حلما لدى الجيش. الجزائر، دون تغيير النظام القائم ودمقرطة البلاد،لن تعدل عن موقفها أمام حلفائها في أفريقيا وفي العالم، رغم أن عددهم يتقلص شيئا فشيئا، علما أنها تستثمر مليارات الدولارات وتوجه كل دبلوماسيتها نحو هذا الهدف. لكن مجهود الجزائر يبقى دون جدوى، مقارنة بالنجاح المتزايد للملف المغربي على المستوى الإفريقي والدولي. ونحن نراهن اليوم وبثقة كبيرة في إنهاء هذا الصراع لصالح بلدنا. 
الطيب دكار، صحفي وكاتب