من ضمن الالتزامات العشر الواردة في التصريح الحكومي ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وفق القانون التنظيمي الصادر سنة 2019 الذي يحدد مراحل التفعيل وآلياته.
فما الذي تحقق من هذا الالتزام بعد نصف الولاية؟ وهل وتيرة التفعيل تنم عن امكانية تنفيذ التزامات الحكومة، وبالخصوص التعميم الذي حدد له شتنبر 2024؟
يهمنا هنا إيراد المستجدات وليس ما كان معمول به أو تنفيذ قوانين جارية.
فما هي هذه المستجدات؟
هناك بالفعل إنجازات تحققت لا يمكن نكرانها، ولعل أهمها مستجد إنشاء صندوق بمبلغ إجمالي يصل إلى مليار سنتيم موزعة على السنوات المالية لولاية هذه الحكومة.
الملاحظات الأساسية على مجمل ما قامت به الحكومة يمكن إجمالها كالتالي:
1. التزمت الحكومة بتشكيل لجنة مركزية ولجان جهوية لتدبير ميزانية الصندوق الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بشفافية وتشارك، غير أن الحكومة أخلت بهذا الالتزام ولم تشكل لا لجنة مركزية ولا لجان جهوية، واختارت عوض ذلك تكليف وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة بتدبير ميزانية الصندوق.
إسناد تدبير ميزانية الصندوق لهذه الوزارة جعل من الصعب معرفة المبالغ المصروفة فعليا لصالح تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، نظرا لتداخل المصاريف التدبيرية للوزارة مع المصاريف المتعلقة بالتفعيل.
ومن ملاحظاتنا أيضا أن النسبة التي تم صرفها فعليا من هذا الصندوق لا تتجاوز 3 في المائة، مما يعبر عن التباطؤ الكبير في عملية التفعيل.
إننا اذ نسجل أهمية بل وضرورة تخصيص غلاف مالي لتنفيذ التفعيل، فإننا في نفس الوقت نتساءل عن الأثر الفعلي لهذه المخصصات في الحياة العامة، والحال أننا لا نلمس تحولا ملفتا وواضحا لهذه المخصصات، ولا تأثيرا واضحا في الحياة العامة.
2. ملاحظتنا الثانية تتعلق بتعميم الأمازيغية في التعليم تنفيذا للقانون التنظيمي بهذا الخصوص.
نسجل أنه تم الرفع من عدد مدرسي الأمازيغية من 400 إلى 600 مدرس ومدرسة في السنة، وبلوغ نسبة التغطية إلى %31. هذا تطور لا يسعنا إلا الترحيب به. لكن الأرقام المطلقة والإيجابية لا تعبر دائما عن الحقيقة، فهناك أعداد من المدرسين غادروا إلى التقاعد، وأعداد أخرى أسندت إليهم مهام تدريس مواد أخرى ولم يعودوا يدرسون الأمازيغية، أما نسبة %31 المعلنة هي نسبة المدارس وليس نسبة التلاميذ، ونصف المدارس التي تم فيها إدراج الأمازيغية الكثير منها غير مُعَمم فيها تدريس الأمازيغية حتى السنة السادسة إعدادي، وبعضها لا يوجد بها سوى قسم واحد، وهذا كله يعبر أن %31 كرقم معلن لا يعبر على أن التعميم وصل إلى هذه النسبة.
ومن ملاحظاتنا بهذا الخصوص:
-القانون التنظيمي يحدد شتنبر 2024 لتعميم تدريس الأمازيغية، وواضح أنه لا يمكن بلوغ ذلك بالوتيرة الحالية لتدريس الأمازيغيةـ بل وحتى في أفق سنة 2030 الذي حددته الوزارة المعنية، وذلك نظرا للأسباب التالية:
- غياب مخطط واضح وبجدولة زمنية.
- نقص كبير في الموارد البشرية نظراً لضعف عدد المكونين وقلة المراكز الجهوية لمهنيي التربية والتكوين.
- عزوف الطلبة عن التسجيل في شعب الأمازيغية بالكليات لغياب أي تحفيز لذلك، ولأن وزارة التربية الوطنية لا تعطي الأولوية في مباراة الدخول لمراكز التكوين لحاملي الإجازة في الأمازيغية، بل فتحت المجال لكل المجازين، مما يجعل نسبة المتخصصين في الأمازيغية ضئيلة، وهذا ينتج عنه إشكال آخر هو ضعف تكوين الأساتذة.
ولابد أن نشير هنا الى أن الوزارة الوصية عن التعليم شكلت لجنة دائمه لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج، ولا تتضمن هذه اللجنة أي فاعل في مجال الأمازيغية، بل وحتى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تم إقصاؤه منها رغم دوره الأساس في مجال تدريس الامازيغية، وهذا إقصاء غير مفهوم، وندعو وزارة التربية الوطنية إلى تدارك الأمر في أقرب الآجال.
3. إضافة إلى هذه الملاحظات الأساسية، نسجل أن القانون التنظيمي في مادته 34 نص على تشكيل لجنة لمتابعة وتقييم عملية تنزيل هذا القانون التنظيمي، هذه اللجنة لم تجتمع سوى مرة واحدة في عهد الحكومة السابقة، وهذه الحكومة جمدتها رغم أهميتها البالغة وضرورة اجتماعاتها الدورية، علما أن اللجنة في اجتماعها الأول بلورت مخططا للتنفيذ على مستوى كل القطاعات الوزارية المعنية. ونتساءل عن دواعي هذا التجميد وندعو إلى إحياء هذه اللجنة في أقرب الآجال.
ومن ضمن التزامات الحكومة في التصريح الحكومي الاهتمام بالتراث اللامادي، والاهتمام بالثقافة "من أجل إزهار الهوية التعددية للمغرب" كما جاء في تصريحها.
ولم نسجل، مع الأسف، أي مبادرة واضحة ومؤثرة بهذا الخصوص. كما لم نرى أي مبادرة لجمع وتوثيق التراث الشفوي، خاصة في المناطق التي يطغى بها النطق بالأمازيغية وتتوفر على تراث غني ومتعدد، معرض للضياع، وقد جاء في التصريح الحكومي أن من بين الالتزامات في الجانب الثقافي الاهتمام بالتراث الشفوي.
كما لم نلمس أي مبادرة لتصحيح أسماء المواقع والأماكن التاريخية، بل أن بعض ضباط الحالة المدنية يرفضون تسجيل الاسماء الأمازيغية.
ونتيجة لكل ما سبق فإن التزام الحكومة ب "الاهتمام بالثقافة من أجل ازدهار الهوية التعددية للمغرب" لم يتحقق لحد الآن، وأن الحياة العامة لا تشير إلى تحول واضح في اتجاه ازهار الهوية التعددية للمغرب ومن ثمة الأمازيغية في كل مجالات الحياة العامة.
يتبين أن التزام الحكومة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لم يتحقق إلا بشكل ضئيل، وأن البطء الذي يتم به هذا التفعيل لن يمكنها من الوفاء بهذا الالتزام مع نهاية ولايتها.
ومن المفروض والحالة هذه:
- مراجعة طريقة تدبير الصندوق الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
- مراجعة شاملة لطريقة تدبير ملف تدريس الأمازيغية.
- تسريع وتيرة التفعيل عموديا وأفقيا ومراجعه آليات هذا التفعيل.
- تنقيح النصوص القانونية المخالفة للقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ومنها قانون المغربة والتوحيد في مجال التعليم الصادر سنة 1965 ومازال ساري المفعول، وقانون وكالة المغرب العربي للأنباء الذي لا يخالف فقط القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، بل حتى الدستور الذي لم يعد يستعمل عبارة المغرب العربي.
- أخذ القانون التنظيمي بعين الاعتبار عند بلورة قوانين جديدة مثل قانون المسطرة المدنية وباقي المشاريع المقبلة ذات الصلة بالطابع الرسمي للأمازيغية، خاصة أن المادة 30 من القانون التنظيمي تتضمن مقتضيات بهذا الخصوص، ولم نلمس أي مستجد بهذا الخصوص.
تبقى الإشارة في الأخير إلى ضرورة إخراج المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية إلى حيز الوجود والذي صدر قانون بشأنه سنه 2020 ولا نلمس أي إشارة لتطبيق هذا القانون رغم اهمية هذا المجلس في رسم السياسة اللغوية بالمغرب.
بومدين عبد الصادقي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية