الأحد 23 يونيو 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: إقليم قلعة السراغنة ضحية التضاريس السياسية والثقافية..

صافي الدين البدالي: إقليم قلعة السراغنة ضحية التضاريس السياسية والثقافية.. صافي الدين البدالي
يعتبر إقليم قلعة السراغنة من الأقاليم التي تم إحداثها في  13 غشت  1973 وذلك في إطار تقريب الإدارة من المواطنين.  وينتمي إلى جهة مراكش آسفي. وتم تقسيمه إلى إقليمين، إقليم قلعة السراغنة وإقليم الرحامنة في  بداية سنة 2009. يتكون من عدة قبائل مصنفة حسب مناطق جغرافية وتاريخية جعلتها تنفرد بأساليب فلاحتها وتجارتها واقتصادها وعلاقاتها الإجتماعية والثقافية، كما تنفرد  بامتداداتها نحو القبائل بالأقاليم المجاورة، وتنفرد بموروثها الثقافي والعمراني.
 
هذه القبائل حسب الوثائق التاريخية والإدارية وحسب الخرائط التي خلفها الإستعمار  تنقسم  إلى عدة قبائل منها، قبائل زمران و قبائل صنهاجة و قبائل أهل الغابة و قبائل بني عامر واولاد يعكوب .مما جعل إقليم قلعة السراغنة يعرف تضاريس ثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية. وكانت تستفيد من مياه الأنهار التي تخترق أغلب هذه  القبائل من خلال مجموعة من السواقي الرئيسية، منها ساقية الغابية وساقية العكوبية والونسدية، بالإضافة إلى العيون التي جفت بعد بناء سد مولاي يوسف ( أيت عادل) وسد سيدي ادريس، وهي سواقي ومنابع مياه وعيون جارية جعلت من الإقليم إقليميا  فلاحيا بامتياز .
 
إلا أنه بعد تعرضه إلى الجفاف الذي أصابه منذ عقدين  من الزمان، والجفاف الممنهج من لدن السلطات الحكومية  بتحويل مياهه إلى وجهات أخرى خارج الإقليم دون اعتبار الإنعكاسات السلبية التي سيخلفها هذا الإجراء و بالرغم من شبكة السقي التي استفادت منها بعض المناطق، فان الجفاف كان متسرعا فأصاب  جل المناطق والقبائل. إن الحكومة المغربية ظلت تعمل على تهميش هذا الإقليم من حيث الإستثمارات الفلاحية وحماية الفرشة المائية والغطاء النباتي الذي كانت تزخر بها أرض الإقليم ،مما جعله إقليما منكوبا بكل المقاييس بالرغم من المساحيق التي تضعها الحكومة على أرضه التي تكذب الدعايات الحكومية والمسؤولين الجهويين والمحليين والإقليميين  من منتخبين وسلطات محلية وإقليمية وجهوية ببرمجة مشاريع ذات أهداف اقتصادية واستراتيجية، وهي مشاريع أصبحت كالمعلقات السبع، كلما حان موعد سوق الإنتخابات أو المواسم الوطنية إلا  وتتم تلاوتها. 
 
إنها المشاريع التي سوف لن ترى النور ما لم تتحمل الحكومة مسؤوليتها في الأمر.أو لن تراه ابدا، لأن اقتراح هذه المشاريع إنما تم في إطار المزايدات الإنتخابوية و السياسوية ليس إلا، و قتراحها جاء  بشكل اعتباطي ، لم يأت بناءا على دراسات علمية تنطلق من واقع الحال و من حاجيات الإقليم و عاصمته مدينة قلعة السراغنة ، وليس من واقع الإحتمال، فمنذ زمن بعيد والناس ينتظرون الجامعة وسوق الجملة الجديد  للخضر والفواكه والسوق الأسبوعي البديل والطريق السريع بين مراكش و قلعة السراغنة ومعالجة المياه العادمة من أجل  سقي مغروسات  وأشجار المدينة و تنظيف الشوارع وتأهيل شارع الجيش الملكي..   
 
إنه بفعل السياسة الحكومية  المتبعة بالنسبة لهذا الإقليم وضعف أداء المؤسسات المنتخبة والسلطات الإقليمية والجهوية وبفعل الفساد وتنامي مظاهره ونهب وتبديد المال العام ومظاهر الريع واستنزاف الفرشة المائية من طرف أرباب المقالع الرملية المترامية على وادي تساوت والواد الأخضر وجفاف السواقي والآبار، أصبح يعيش هذا الإقليم  واقعا بئيسا بكل المقاييس وأصبحت تنشط فيه عصابات التهريب وعصابات الهجرة السرية  التي تسببت في غرق مئات الشباب في عرض البحار وعصابات  ترويج عقد للشغل بإسبانيا أو بإيطاليا، وهي عصابات تقوم بالنصب على الشباب وعلى أسرهم لسرقة أموالهم في غياب أية ضمانة تذكر. وعصابات البناء العشوائي الذي أصبح ظاهرة مسكوتا عنها .
 
إن المسؤولين الإقليميين الذين يتم تعيينهم لتدبيرالمرحلة وتنمية الإقليم  في إطار السياسة العامة للبلاد لا يبالون بالمخاطر التي تتربص بالإقليم و بساكنته، لأنهم لا يقومون بدراسة ما وراء تضاريسه الثقافية والإجتماعية والإقتصادية، فلا يقومون بدراسة ميدانية/ تشاركية، مع المجتمع، عبر مؤسساته المدنية والسياسية من أجل الأوراش ذات الأولوية و من أجل  مكافحة مظاهر الفساد و الريع ، والتصدي لسلب أراضي ذوي الحقوق و أراضي الدولة واحتلال الملك العمومي في البوادي وفي القرى والمراكز الحضرية وفي عاصمة الإقليم والحد من مظاهر الفوضى العارمة التي يعرفها النقل العمومي في غياب أي  نقل حضاري وفي غياب مراقبة مسؤولة .إنه لولا  تماسك هذا الإقليم وتماسك قبائله الدائم والمستمر منذ فجر التاريخ و صبر فلاحيه الصغار و المتوسطين لرحل منه الجميع بحثا عن إقليم له حظ حكومي في التنمية. فعلى أي مسؤول تم تعيينه على رأس هذا الإقليم أن يتحلى بالجرأة الكافية و الشجاعة اللازمة من أجل ممارسة الحق ودحض الباطل الذي أصبح السائد في  الحياة السياسية العامة ومن اجل  محاسبة الجماعات الترابية والتدقيق في ميزانيتها التي تكتفي باعتمادات التنقل واقتناء السيارات الفارهة وميزانية المحروقات وتضارب المصالح ، وذلك من أجل تنمية هذا الإقليم الضحية، ضحية السياسات الحكومية المتعاقبة على هذه البلاد..