الأحد 24 نوفمبر 2024
فن وثقافة

مبدعون في ضيافة عبد الوهاب الدكالي.. زيارة بطعم قراءة في التاريخ والهوية من خلال الفن

مبدعون في ضيافة عبد الوهاب الدكالي.. زيارة بطعم قراءة في التاريخ والهوية من خلال الفن صور من زيارة المتحف
حين اقترحت الأخت بشرى البكاري رئيسة فرع بنمسيك لشبكة القراءة بالمغرب، تنظيم زيارة لمتحف الفنان الموسيقار عبد الوهاب الدكالي، ساندت مقترحها وشجعتها عليه، لتعريف جيل قرائنا على نماذج الفن الموسيقي والغنائي الرفيع الذي تلتهمه الرداءة والتفاهة وهي تطغى على الساحة الفنية في زمننا هذا.
 
وكنت بدوري مهتما بشكل كبير وخاص، بمتحف هذا الفنان الكبير، لأني أنتمي للجيل الذي واكب ابداعاته منذ ستينات القرن الماضي، وحفظ أغانيه ورددها، لا سيما وهو المبدع الذي جمع التلحين والغناء وبناء الكلمات، ومارس التجديد في الأغنية المغربية، وأصل مقاماتها وأبدع في ألحانها. ووظف جميع إيقاعاتها من ثلاثي ومرساوي وحصباوي وكناوي وسوسي وطقطوقة جبلية، بل وجدد بشكل كبير في مضامينها، من حيث التطرق الى مواضيع هاربة من الأغنية المغربية، وغنى لقضايا إنسانية، كسوق البشرية، وكان يا ما كان ومونبارناس...
 
وكان الأكثر تحفيزا على هذه الزيارة، هو علمي بأن الأستاذ عبد الوهاب الدكالي يمارس الفن التشكيلي، وهو أمر منعدم لدى غيره من الموسيقيين، حسب حدود علمي. وكنت راغبا في الأطلاع على أعماله عن قرب بحكم طبيعة العلاقة التي تجمعني بالصباغة والألوان.
 
وجاء يوم الزيارة، حيث حضر شباب الشبكة من بعض الأندية القرائية، وهم أول المستهدفين بهذه الزيارة، إلى جانب بعض أصدقاء الشبكة من الكتاب والأدباء والإعلاميين، يتقدمهم عزيز كوكاس، وسعيد منتسب، وأنيس الرافعي، ومنية المنصور،  والطيب العدلوني، وحفيظة الفارسي، وتوفيقي بلعيد، ومحمد شرادو، وأحمد الهواري وعائشة العيدوني...
 
وتعرف الزوار بإعجاب واندهاش، طيلة أزيد من ساعة ونصف، على محتويات المتحف النفيسة التي تؤرخ لأزيد من 70 سنة من العطاء. وكانت مديرة المتحف السيدة غادة ترافقنا بشروح ضافية حول هذه المقتنيات وهي تجول بنا غرفه الذي كان سكنا للأستاذ عبد الوهاب الدكالي لمدة 26 سنة قبل زواجه. حيث تعرفنا على غرفة نومه ببساطتها وما تزخر به من معروضات، وصالونه الذي يضم الآلات الموسيقية التي أهداها له كبار الموسيقيين العرب أمثال محمد عبد الوهاب والقصبجي، والعديد من الأسطوانات الذهبية والفضية التي نالها في مهرجانات عالمية، وعشرات الشواهد التقديرية والرسائل التنويهية التي وصلته من كبار الشخصيات، إضافة إلى الهدايا التي حصل عليها من كبريات المدن المغربية والعالمية، والعديد من ذكرياته الخاصة كساعة الجيب التي كان يملكها والده رحمه الله، وشواهده المدرسية، وجوازات سفره.

وتلبية لاهتماماتي الخاصة، تسمرت على وجه الخصوص، أمام شيئين اثنين:
- الأول هو المكتبة التي تتوسط الصالون، وركزت على العناوين التي تحتويها، لأكتشف قيمة الرجل من خلال مقروءاته المتنوعة في الشعر والرواية والفكر، ولم أعرف لحد الآن فنانا موسيقيا مغربيا مطربا يهتم بالكتاب والقراءة ويتوفر على خزانة أومكتبة في بيته ، عدا الفنان الألمعي نعمان لحلو. ولمست من خلال معاينتي لمقروءات الرجل أن الفن الرفيع لا يأتي من الفراغ المعرفي الذي يسببه انعدام القراءة، وهذا أحد أسباب التدني والتردي الذي تعرفه الأغنية المغربية حاليا.
 
- أما الثاني، وهو شغفي بالألوان والفن التشكيلي، فقد جعلني أتسمر أمام لوحات الأستاذ الدكالي بإعجاب واندهاش، والتي يغلب عليها فن البورتريه بمختلف أشكاله، من الأبيض والأسود إلى التلوين الواقعي إلى الواقعي القريب من التجريد. وازداد إعجابي حين تعرفت على الوجوه التي رسمها الأستاذ عبد الوهاب الدكالي، والتي تعكس عمق خلفيته الثقافية والفنية والفكرية، فتطالعني بورتريهات للفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي، والكاتبة الراحلة فاطمة المرنيسي، والفرنكفوني الطاهر بنجلون، وغاندي، وإينشتاين، ودويستوفسكي، وتشيكوفسكي، وبيتهوفن، وفن غوخ، وباخ، وموزارت....وغيرهم ممن يصعب حصرهم وتعدادهم.
 
لكن ما سيجعل هذه الزيارة راسخة في العقل والوجدان هو المفاجأة الكبرى التي رصعتها. فمن المعتاد أن تتكفل غادة مديرة المتحف بمرافقة الزوار وإعطائهم التوضيحات الكافية في غياب الفنان عبد الوهاب الدكالي، لكننا ونحن في غمرة الزيارة والاكتشاف، فوجئنا بحضور الأستاذ الدكالي شخصيا لما علم ان جمعية تهتم بالقراءة تقوم بزيارة لمتحفه، فأبى إلا أن يحضر بشخصه للترحيب بنا ومعانقتنا والتنويه بهذه المبادرة. وهنا، وأنا الذي يتأفف من سلوك النجوم ونرجيستهم وتعاليهم، سأكتشف في الكبير عبد الوهاب الدكالي الإنسان الخلوق، المتواضع، العفوي، والبسيط، الذي يعطي للأشياء قيمتها، ويضع الزيارة في عمق ما نرجوه منها. وأكتشف نبل الفنان وكرمه وهو يتقبل من الشبكة باقة ورد وشهادة تقديرية ويثني على مجهوداتها بعد ان تعرف على أهدافها وبرامجها، ويعلن عن استعداده لزيارة أنديتها القرائية والاتصال بقرائها وقارئاتها كانت الزيارة حدثا حقيقيا يكتب بمداد الفخر في أدبيات شبكة القراءة. ويدعو كل المثقفين والمهتمين بالثقافة المغربية والفن المغربي عموما إلى زيارة هذه المعلمة التي تجسد هويتنا وأصالتنا وانفتاحنا وعمقنا الأنساني.