السبت 23 نوفمبر 2024
في الصميم

الوكالات الحضرية بالمغرب.. مضخة المال لأثرياء الريع أو آلية لأنسنة المدن؟!

الوكالات الحضرية بالمغرب.. مضخة المال لأثرياء الريع أو آلية لأنسنة المدن؟! عبد الرحيم أريري
الآن مرت 40 سنة على خلق أول وكالة حضرية بالمغرب. ونقصد بها الوكالة الحضرية للبيضاء التي ولدت عام 1984بعد الانتفاضة الحضرية خلال يونيو 1981، ثم قامت الدولة من بعد بتعميم الوكالات الحضرية بباقي المدن المغربية، إلى أن تقدمت وزيرة التعمير الحالية ( فاطمة الزهراء المنصوري) بمشروع تجميع الوكالات الحضرية ليتناسب عددها مع عدد جهات المغرب( 12 وكالة حضرية جهوية).
 
حين أرادت الدولة خلق الوكالات الحضرية، ادعت أن الغرض هو تجويد مسلسل التعمير بالمغرب وخلق أحياء وفضاءات حضرية للعيش الكريم وفق ما هو متعارف عليه في أدبيات التخطيط الحضري في الدول التي تحترم تعهداتها وتحترم مواطنيها، أي بالتحكم في التعمير وإنجاز مخططات وتصاميم تساهم في تجويد العيش الحضري وتخلق رفاهية un confort urbain بكل حي وبكل قطب فتح في وجه التعمير.
 
للاسف، كانت الحصيلة أفلس و"أكفس" مما خلق أجدادنا في المدن العتيقة التي كانت تخضع في تخطيطها لمنطق عقلاني في العهود التي بنيت فيه تلك المدن( فاس، مكناس، وزان، الصويرة، مراكش، تطوان، الرباط، أسفي، وجدة، ازمور، إلخ...)، فكل الأحياء والأقطاب الحضرية والمدن الجديدة التي ولدت من رحم الوكالات الحضرية خلال 40 سنة، كانت مشوهة وخالية للبصمة الجمالية وشروط رغد العيش.
 
الرابط الوحيد الذي تحكم في علاقة هذه الوكالات الحضرية بتصاميم الأحياء والأقطاب الحضرية والمدن الجديدة هو تكديس المواطنين بأكبر عدد ممكن في مساحة عقارية جد ضيقة بما يخدم مافيا العقار ويدر عليهم الملايير من الدراهم بدون مرافق ولا فضاءات ولا رصيف ولا ساحات ولا أشجار ولا حدائق ولا باركينات للمتاجر والإدارات والمحلات التجارية بالأحياء( على الأقل ضمان Le Recul بما يسمح للمتبضعين بالتوقف دون عرقلة السير)!
 
بعد 40 سنة من الممارسة، يحق لنا أن نسائل المشرع والسلطات الحكومية والبرلمانية والترابية والمنتخبة، عن الحصيلة: ماهي القيمة المضافة التي قدمتها الوكالات الحضرية للمشهد الحضري بالمدن المغربية؟ هل ساهمت في تحسين جودة عيش السكان أم كانت نذير شؤم؟ هل كانت الوكالات الحضرية فعلا هيأة استشارية تقنية مسؤولة ومواطنة موضوعة رهن إشارة المتدخلين العموميين في مجال التخطيط الحضري؟ أم كانت مجرد «بورصة عقارية» تضع « بيض العقار»في سلة واحدة لخدمة لوبيات ومافيا العقار على حساب المصلحة العامة؟
 
هل كان عمال ومدراء ومهندسو الوكالات الحضرية وتقنيوها ومكاتب دراساتها في خدمة رؤية تعميرية تروم توزيعا عقلانيا للأنشطة ولوظائف كل شارع وكل حي وعلاقة بعضها ببعض، أم كانوا في خدمة خطة تقود المدينة المغربية إلى الكانيباليزم والفوضى والاختلال؟
 
لماذا نجد في مدن أوربا، أحياء وشوارع وساحات تخضع لتنطيق عقلاني وتوظيف جمالي للأرض وللرصيف وللسكن، لدرجة أن المواطن المغربي يشتهي السكن في الإقامات الاقتصادية بأوربا الموجودة بالضواحي الشعبية، على أن يسكن في الأحياء الراقية بمدن المغرب، بفضل جمالية التخطيط واحترام الارتفاقات وكيفية تخصيص المرافق الضرورية لكل حي هناك ( خطوط النقل المريح، ساحات عمومية، حدائق، متاجر، مقاهي محلات، مطاعم، إلخ...) مع احترام Le recul في الترخيص للمحلات التجارية بأوربا دون عرقلة السير أو خلق متاعب لمستعملي الطريق أو للمتبضعين.
 
المغرب أمامه خياران: إما إلغاء هذه الوكالات الحضرية التي تخدم اللوبيات والمافيات العقارية على الأقل لاقتصاد الملايير المرصودة لتدبيرها وتسييرها، أو المناداة على "فقهاء التخطيط الحضري" من أوربا للإشراف على الوكالات الحضرية بالمغرب لتدبير تعمير مدننا وعمران وسطنا الحضري !!