الأربعاء 1 مايو 2024
مجتمع

يزيد بركة: نقاش هادئ مع غلاة الإرث المزيف

يزيد بركة: نقاش هادئ مع غلاة الإرث المزيف يزيد البركة
العنوان العريض، نختصره في أن الآية المتعلقة بالإرث قطعية، ولكن بالمعنى المضاد.. كيف ذلك؟
التصور العام للميراث في الإسلام ليس من العبادات، بل من القضايا الاجتماعية، أي من المعاملات. وإذا انتقلنا من التصور العام إلى الفرائض فقد انتقلنا إلى توزيع التركة أي تفاصيل التوزيع، والذي يأخذ أشكالا كثيرة حسب العديد من الشروط والمواقف التي تجسد تغير الحالات. وكل دارس لنظام الإرث كما جاء في القرآن، وليس كما تم تقديمه في الفقه، مثل تفسير "للذكر مثل حظ الأنثيين"، على أنها تعني توزيع التركة ككل على الذكور والإناث لا فرق بين الصغار والكبار على أساس: للذكر مثل حظ الأنثيين، وذلك مثل ما ذكر الطبري، سيجده ضد التمييز  على أساس الجنس، أي على أساس ما تم فرضه من تفسير بناء على جزء من الآية، والدليل حسب الآية إذا قُرِأت كلها من البداية إلى النهاية مع باقي الآيات أن الأنثى في حالات تأخذ أكثر من الذكر وفي حالات تأخذ مثله. وحتى يُفهم قصدي على أن الآية كلها وليس جزءا منها ضد تفضيل الذكر على الأنثى، أضع  الآية هنا، وليتمعن فيها القارئ جيدا وبتأن ودون تسرع:
"يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ". 
ففي الحالة الأولى عندما نتجاوز ولدا واحدا وبنتا واحدة، نجد أن فوق اثنتين لم يتركا للولد إلا ثلثا واحدا، وفي الحالة الثانية إذا كانت واحدة لا يحصل أبو الميت إلا على السدس، باختصار التوزيع لا يتم على أساس معادلة للذكر مثل حظ الانثيين التي يريد البعض أن يجعلها أصل التوزيع ويقول عنها أنها قطعية. وفي هذه النقطة دعونا نعود إلى بعض الحقائق لنفهم هذه الحالة الواحدة التي يحصل فيها الذكر على ضعف ما تحصل عليه الأنثى، وكذلك انطلاقا من ذلك يمكن أن نجد أنفسنا أمام نتيجة هامة في التفسير الحقيقي للقطعية الذي شم الفقهاء معناه من التشديد اللغوي والبلاغي في الٱية مثل: للذكر استعمل اللام وكلمة حظ . وليس  ضعف، وغير ذلك، النتيجة هي أنها قطعية عكسية لما يريد أن يصل إليه الفقهاء النصيون. 
نظام الإرث لم يتم دفعة واحدة، بل كان فيه تدرج، وكانت المرأة والبنت والزوجة قبل الإسلام لا يرثن، وكن يورثن وكان الذكر هو الوارث حتى من خارج الأسرة والعائلة، بل حتى من خارج القبيلة إذا كان هناك حلف وثيق ينص على التوارث، ويحصل هذا في حالات الحروب لتمتين التحالف. وليس من السهل الخروج عن هذا التقليد المبني على أسس الحرب والدفاع وحسبان المنفعة على أساس ما يقدم كل فرد من خدمات في الحرب، والدليل على ذلك أن الابن الأصغر إن كان شجاعا وحاميا للقبيلة والعشيرة يحصل على الميراث كاملا بدل أخيه الأكبر أو حتى إخوانه كلهم الذين يفوقونه سنا. وقد ظهرت أيام الرسول حالات تفضل التوزيع القديم، ولهذا كانت هناك شكايات من النساء إليه، وهذا يحيلنا على السنة، وخاصة الحث على الوصية والنحلة، وظهر أنه هو نفسه أعطى واحة فدك نحلة لفاطمة، وكانت من حصته بناء على توزيع الغنائم والأنفال. الخلاصة أن للذكر مثل حظ الأنثيين لم يكن مقدسا بل ترك الإسلام لصاحب التركة قبل مماته عدة مخارج ليعدل بين أبنائه وبناته، بدون تفضيل ابن على آخر، أو بنت على أخرى، أو ابن على بنت، بل عليه إن أحس بحيف سيحصل بعد مماته أن يحول دون الحيف،  مثلا رجل له ابن وبنت، البنت تشتغل وتساعد أباها في كل الأعمال، ونمت ثروة الأسرة في حين أن الابن لا يفعل شيئا بل هو عالة عليها، أليس من العدل أن يلجأ الأب إلى الوصية والنحلة؟ إن الآباء يعرفون أن هناك الوصية والنحلة لكن لا يجرؤون على اللجوء إليها ويحسون بالحرج، لأن الفقهاء سدوا بابهما بعدة أقفال. منها قطعية النص كما هو حرفيا، والبعض منهم يقول نعم للوصية، لكن بموافقة الورثة، والبعض الآخر يقول ألا تتجاوز الثلث، وغير ذلك مما ليس له سند صحيح في الأحاديث، أو حديث أحادي أو ضعيف، ولا تجد له سندا في القرآن. 
الآية قطعية إذن، لكن بمعنى لايمكن أن تتركوا الأنثى بدون إرث أو أن تقللوا منه، هي موجهة للذين يستولون على حقها والذين يبحثون عن مخارج لأكل حق المرأة، وليست قطعية في من يريد أن يعدل، والأمر نفسه فيما يتعلق بالتعدد، لا يمكن أن نعد الآية قطعية وهي منتهية ب: "ولن تعدلوا ولو حرصتم"، وعجبي أن البعض يتصف بالغطرسة في التعصب لتفسيره للدين، إلى درجة أن يلبس من يخالفه لباس التكفير، ويرمي حتى إلى أن يوحي للناس على أنه هو الفقيه المسلم الذي فهم الإسلام الفهم الصحيح، حتى على من سبقه من الفقهاء، وكان مع منع التعدد مثل علال الفاسي. وهذا لعمري مثال يبين بوضوح الضلالة والصلافة.