السبت 23 نوفمبر 2024
في الصميم

من الرابح من المؤامرة التي تستهدف كليات الطب بالمغرب؟

من الرابح من المؤامرة التي تستهدف كليات الطب بالمغرب؟ عبد الرحيم أريري
حين اندلعت الثورة الشيوعية بكوبا عام 1959، تعرضت كوبا لأكبر مؤامرة من طرف واشنطن لوأد الثورة، عبر تبني مخطط جهنمي يروم تفريغ كوبا من 6000 طبيب وأغرتهم أمريكا بالامتيازات والمال، وهجرتهم نحو الولايات المتحدة، حيث استقر معظمهم بسواحل مدن فلوريدا. ومع ذلك لم تفلح لا أمريكا ولا عملاء أمريكا في حرمان شعب كوبا من الحق في الصحة، بل العكس حول الزعيم فيديل كاسترو، أزمة تهجير 6000 طبيب، إلى فرصة لتحقيق مناعة جماعية بكوبا عبر الاستثمار في التعليم والصحة، لدرجة أن كوبا تتوفر اليوم على 34 كلية للطب. 
 
وهاهي كوبا تجني اليوم ثمار سياستها وعزيمتها. فهناك اليوم 50 ألف طبيب ينحدرون من كوبا يعملون في 62 دولة، ويضخون للخزينة الكوبية كل سنة حوالي 10 ملايير دولار، بشكل جعل الذراع الطبي يحتل المرتبة الأولى في جلب العملة الصعبة بكوبا بعد السياحة وتجارة السيكَار الفاخر.
 
في المغرب، وبعد نزيف الأطباء الذين اختاروا الهجرة نحو الخارج لغياب تحفيزات مادية ولتردي ظروف العمل بالمستشفيات وبسبب اندحار وضعهم الاعتباري في المجتمع، تبنت الدولة- في شخص الحكومة-  عام 2007 برنامجا يروم تكوين 3300 طبيب كل سنة، أملا في تكوين 23 ألف طبيب بحلول سنة 2020.
 
للأسف، لما حلت سنة 2020، وبدل أن يبتهج المغرب بربح الرهان، استفاق على وقع صدمة هجرة 7000 طبيب نحو اوربا وكندا، مما عمق من أزمة القطاع الصحي ببلادنا. علما أن المغرب لم يفلح في تكوين سوى 1500 طبيب كل عام بدل 3300 طبيب، رغم بناء 6 كليات جديدة للطب وإنفاق أزيد من 6 ملايير درهم على مراكز استشفائية جامعية جديدة، وبالتالي تبخر حلم تكوين 23.000 طبيب وتبخرت الملايير من الدراهم التي صرفت على بناء كليات الطب والمستشفيات الجامعية الجديدة.

كوبا لم تفلح في ربح رهان بناء 34 كلية طب فقط (للإشارة سكان الجزيرة لا يتعدى 11 مليون نسمة، أي ثلث سكان المغرب!)، بل تستقبل 13 ألف طالب من 124 بلدا في العالم للتكوين في كلياتها. وبدل أن تكون كوبا بلدا يخترع الأسلحة والفيروسات المدمرة لحياة البشر (مثل أمريكا)، أضحت دولة تكون الأطباء الذين يرفعون الألم عن البشرية في جميع بقاع العالم عبر تصدير الأطباء إلى كل القارات.
 
اليوم تجني كوبا ثمار سياستها، بحيث تشكل عائدات تصدير الأطباء الكوبيين إلى دول العالم، أزيد من 10 ملايير دولار، أي ما يمثل 7,2% من مجموع تحويلات مغاربة العالم للخزينة العامة كل عام. بمعنى أن كوبا التي استثمرت في التعليم والطب، أصبح كل طبيب يحول ما مجموعه 160.000 دولار كل سنة لبلده، في حين أن المغرب الذي أهمل قطاعي التعليم والصحة ودفع أبنائه إلى التهجير القسري بحثا عن مستقبل أفضل بالخارج، لا يحول له سوى 2000 دولار كل عام للخزينة العامة بالمغرب. أي أن كل طبيب كوبي مهاجر يساوي 80 مغربيا مهاجرا.
أبعد كل هذا، يحق لي ولأي مغربي، أن يثق في جدية خطاب حكومة أخنوش بخصوص أزمة إضرابات كليات الطب بالمغرب؟
 
أبعد كل هذا، يحق لي ولأي مغربي، أن يعطي مصداقية لتصريحات وزير الصحة ووزير التعليم العالي حول ادعائهما أنهما منشغلان بمستقبل التكوين الطبي وبجودة التعليم بكليات الطب والصيدلة!
أبعد كل هذا، يحق لي ولأي مغربي، أن يطمئن لإرسال ابنه أو ابنته، إلى كليات الطب بالمغرب للتكوين؟
بل، هل يحق لي ولأي مغربي، أن يكون مقتنعا بجودة الخدمة الطبية في مستشفيات المغرب، ونحن نعاين هذا الإصرار على احتقار الطب والأطباء وإذلال التمريض والممرضين؟