الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

الشفاج: المعلم ليس إلها والكوميديا لا يجب أن تتعفن

الشفاج: المعلم ليس إلها والكوميديا لا يجب أن تتعفن سعيد الشفاج
أثار "سيتكوم" رمضاني تعرضه القناة الأولى مشكلة قديمة/ حديثة في نفس الوقت، وهو توظيف شخصية معلم في كبسولة كوميدية، وقد استهجن رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الأسلوب الذي تم تناول هاته الشخصية، التي تعتبر ذات قيمة وحمولة فكرية وثقافية وتربوية.
والمعلم لا شك في أنه يحتل رمزيا قيمة اجتماعية عند كل الشعوب وليس في المغرب فقط. للإشارة، الكوميديا أو الملهاة هي فن قديم قدم البشر، قعد له اليونانيون مع ارستوفانيس، وكان الهدف منه الترفيه وإحداث الشعور بالسعادة والارتياح النفسي، وتمرير رسائل مضمرة، أو واضحة للمشاهد. وقد انبنت فنيا على ذكر مساوئ المجتمع من أجل إصلاحها أو الإشارة إليها. وهي تقدم شكلا كاريكاتيريا عن الشخصيات. والمعروف تاريخيا أن الكوميديا لم يسلم منها حتى مشاهير السياسة والفكر والثقافة والرموز العالمية سواء على شكل مسرحيات أو عروض تلفزية أو عروض فردية .ومازلنا نتذكر النكت التي كانت منتشرة كمغاربة وكنا نتداولها في جلساتنا خلسة وبصوت خفيض، مخافة السلطة التي كانت تترصد المعارضين حتى في الأوساط الاجتماعية الشعبية. 
فيما يخص السيتكوم الرمضاني الأخير والذي يجسد شخصية معلم في وسط قروي يعيش مع أمه فإن الوصف الدقيق للشخصية، كان باهتا حيث من السهل تغيير شخصية معلم إلى شخصية أخرى.
إن الكوميديا تنتقد الشخصية كيفما كان وضعها الاجتماعي لكن يجب أن تلتزم بوضع تلك الشخصية في إطارها الوظيفي. حيث ظهر الممثل وكأنه بعيد كلية عن شخصية المعلم. فلو أن الكتابة الفنية التزمت بالنقد البناء للشخصية في واقعها ومنحتها الدور الوظيفي داخل النص الكوميدي لما أثارت إشكالية ما. نحن كمشاهدين لسنا ضد التناول الساخر لشخصية المعلم أو الوزير او اي كان، لكن الخطاب الفني بدأ ضعيفا وركيكا. واكتشفنا كمشاهدين الهوة بين المعلم في الواقع والمعلم في السلسلة. 
إن ما يميز بعض الكبسولات الساخرة هو التسرع في الكتابة الكوميدية وعدم ضبط الملامح الخاصة بالشخصية، مما يجعل المشاهد يحكم عليها أخلاقيا وهو على صواب لأنها فنيا ضعيفة. 
السخرية هي فن يتضمن رسالة ما وليست وسيلة ترفيه وإضحاك فقط. لذا ليس المعلم بعيدا عن النقد، لكنه لا يجب أن نجعله مادة للسخرية بل على الكبسولة أن تتضمن بعدا قيميا.
إن الضربات التي تعرض لها المعلم في السنوات الأخيرة، تثير أكثر من سؤال، فهل المسألة تعود إلى التفكك الرمزي لهاته الوظيفة؟ أم أن هذا المعلم تخلى عن دوره التربوي كما كان من قبل وأصبح موظفا ينتظر الراتب كل شهر ويخرج لأي سبب في احتجاجات و يبحث بشغف عن الساعات الإضافية في المؤسسات الخصوصية أو في مراكز الدعم؟ أم أن هناك جهات تعمل على إفراغ محتوى المعلم من المضمون الحقيقي للتنمية والتطور؟ هاته الإشكالات لا تناقش بتاتا في السيتكومات بنقد بناء ولو عن طريق الملهاة. في مصر مثلا تم تشخيص عشرات المهن بسخرية وكنا كمتفرجين نضحك ولكن تبقى المكانة الاجتماعية فوق كل اعتبار، فلا سخرية عادل إمام من المحامي في الافوكاتو هدمت قيمة المحاماة، وهو الذي شخص عشرات المهن في أفلامه ومسرحياته، بل وصل الأمر أن شخص دور الرئيس في مسرحية الزعيم. لكن ما الذي جعل عادل إمام ممثلا ناجحا كسر كل الأرقام؟ السبب هو التناول الفني والرسالة المضمنة في أعماله. الفنان الكبير محمد صبحي شخص أدوارا وأصحاب مهن ولم تنزل عليه سياط المشاهدين كي تجلده، والسبب الأداء المبهر لهذا الفنان.
بالمغرب لدينا أمثلة عديدة كمصطفى الدسوكين ومحمد الجم وبسطاوي رحمه الله و نور الدين بكر، وقبلهم جيل الرواد ونجوم مسرح الحي في شرح ملح والعقل والسبورة وحسي مسي 
خلاصة القول عندما نرسم الشخصية الكوميدية بحرفية ونضعها في سياقها العام ويأتي دور الفنان في التقمص الجيد هاته الشخصية، و نضمن رسالة وقيمة داخل النص، حينها ستصبح الملهاة فنا ناضجا وليست تهريجا.
 
ملاحظة:(هذا المقال ليس دفاعا عن جهة ما، بل وجهة نظر لا غير تحتمل الخطأ أو الصواب)