دأب المغرب في السنوات القليلة الأخيرة على بعث المئات من الأئمة والمرشدين الدينيين إلى دول أوروبا، من أجل إمامة وتأطير المهاجرين المغاربة هناك، في خطوة يقرأها الكثيرون على أنها تقطع الطريق على التيارات المتطرفة وتعزز الأمن الروحي للمغاربة.
ويستعد الأئمة المغاربة للتوجه إلى عدد من بلدان القارة الأوروبية وكندا خلال شهر رمضان، لإمامة المصلين، وإلقاء المحاضرات الدينية في المساجد ودور العبادة تلبية للطلب الكبير عليها، ما يعزز قيم التسامح والاعتدال التي يحظى به النموذج الديني المغربي.
ومنذ عام 1992، تقدم مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج (رسمية) مواكبة دينية للمغتربين المغاربة طوال شهر رمضان.
وبمناسبة رمضان الحالي، قالت المؤسسة في بيان “على غرار السنوات الماضية، أوفدت المؤسسة بعثة مكونة من 274 جامعيا وواعظا ومقرئا من أجل إلقاء المحاضرات وممارسة الأنشطة الدينية طيلة شهر رمضان”.
وجرى إرسال هؤلاء المبعوثين إلى فرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وكندا والولايات المتحدة والسويد والدنمارك وبريطانيا والمجر والنرويج وأيسلندا، بحسب البيان.
ومنذ تأسيسها عام 1990، تشرف المؤسسة على تسيير عدد من المواضيع المرتبطة بالمغتربين المغاربة في الخارج في المجالات الدينية والثقافية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية.
وتهدف هذه البعثة إلى التأطير الديني بشكل خاص، والمعرفي بشكل عام، إذ يحقق التأطير الديني يحقق من خلال التجربة والاحتكاك، والوقوف على احتياجات الجالية المغربية بالخارج والجالية المسلمة بشكل عام في وقت يحتاج فيه المغتربون إلى مهارات تواصلية وفقه الحياة بشكل عام.
ويحرص المغرب أيضا على تقوية روابطه الدينية مع بقية الدول الإفريقية، من خلال احتضانه مؤسسة العلماء الأفارقة، وهي تضم 32 دولة، كما يقيم “الدروس الحسنية” الرمضانية التي يترأسها ويحضرها العاهل المغربي الملك محمد السادس، وتستضيف علماء ومشايخ ودعاة وقراء من دول مختلفة.
ولن يكون إلقاء المحاضرات الدينية في المساجد ودور العبادة، في دول كفرنسا وإسبانيا وهولندا والسويد والدنمارك وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا، هو الهدف الوحيد بل يتعداه إلى تقوية الأواصر لدى المهاجرين المغاربة مع نمط التدين المغربي المعتدل وذلك في إطار الجهود التي تبذلها المملكة لتعزيز المنهج الديني الوسطي والمعتدل.
ومع تنامي الإسلاموفوبيا يقدم الأئمة المغاربة صورة الوسطية والاعتدال ويساهمون في صون المغاربة المغتربين من أي خطاب منحرف، وربطهم بأصولهم المغربية وعقيدتهم الأشعرية ومذهبهم المالكي، وكجواب عن الأسئلة المطروحة على الدين الإسلامي بشكل عام في الغرب والإشكالات الدينية التي تعترض أفراد الجالية المغربية وغيرها، حيث ينتشر 5 ملايين مغربي في 50 دولة.
وأكد عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، في تصريح لـ”العرب”، أن “إرسال الأئمة إلى أوروبا يعزز صورة نموذج التديّن المغربي الذي يقطع الطريق على تجّار الدين، ويقف بصلابة في وجه التطرف والكراهية والإرهاب، وكذلك حماية لمغاربة العالم، ولهذا أنشأ المغرب معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات والذي يدخل في إطار الدبلوماسية الدينية التي أطلقها العاهل المغربي، لدعم نموذج الرباط المتسم بالوسطية والاعتدال وتصحيح صورة الدين عند الآخر، إلى جانب تأسيس مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة الموجودة في أكثر من ثلاثين دولة، وكذلك المجلس العلمي الأعلى والمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة”.
ولفت بوصوف إلى أن “المغرب مقبل على بلورة نموذج التديّن المغربي إلى نموذج تديّن يمكن تطبيقه خارجيا، بحيث يكون متناسبا في القرن الـ21، مع حقوق الإنسان، والمساواة بين الرجل والمرأة، والحريات بصفة عامة، والتعددية، والتنوع، وما إرسال المرشدين الدينين المغاربة إلى الديار الأوروبية إلا ثقة في نموذج التديّن المغربي الذي بات الآن قابلًا لأن يطبق في أماكن أخرى، ليس بتفاصيله الفقهية، وإنما برُوحه، في ظل إمارة المؤمنين كقطب أساسي في الدبلوماسية الدينية والإشعاع الثقافي خارج الحدود الوطنية كمرجعية دينية روحية وليس كسلطة سياسية تتدخل في شؤون باقي الدول”.
وتتميز العقيدة الأشعريّة بعدم التكفير والعقلانية، وهي العناصر التي يعتقد بوصوف، أنها “مطلوبة اليوم، عالميا، وأوروبيا خاصة، في حين يتميز المذهب المالكيّ بالمرونة، ويأخذ بعين الاعتبار الآخر ولا يُقصيه، بل يستوعبه، كأن نتحدث عن شرع من قبلنا، وعن العرف، أما التصوّف، فيهذّب السلوك، ودائما ما أُعرّفه بأنه منطقة واصلة وفاصلة بمعنى أنه منطقة يمكن أن نلتقي فيها، تماما كالمناطق المنزوعة السّلاح”.
وأكد المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، إن تجاوب المغاربة في الدول الأوروبية مع هذا الجهد التأطيري يتجلى من خلال الإقبال الكبير على الدروس والمواعظ والخطب والندوات والمحاضرات ومختلف الأنشطة التي تنظم في المساجد والمؤسسات الدينية، فضلا عن الأسئلة التي تهم جوانب كبيرة من حياة مغاربة أوروبا، لما لها من دور كبير في مد جسور التواصل المستمر مع معهم، باعتبار الإمام ذي التكوين الديني المغربي فاعلا أساسيا في الحفاظ على الأمن الروحي لمغاربة أوروبا.
ويتم اختيار أغلبية الأئمة من حفظة القرآن الكريم وآخرين واعظين دينيين لهم من المؤهلات والكفاءة ما يخول لهم ممارسة عملهم على أحسن وجه فيما يتعلق بالإجابة على التساؤلات والقضايا التي تشغل باب الجالية المغربية بالخارج.
وأكد الحسين آيت علا رئيس الفدرالية الإسلامية لجهة فينيتو إيطاليا، أن “المغاربة المقيمين بإيطاليا متشبثون بالهوية المغربية والثوابت الدينية، وننتظر هذه البعثات لدورها الكبير في توطيد علاقة الجالية المغربية بدينها ووطنها والمحافظة على الثوابت الأصلية التي تميز التدين المغربي المعتدل”.
ومن جانبه، شدد بوصوف على ضرورة تزويد الأئمة بالأدوات الثقافية واللغوية من أجل القيام بمهامهم على أحسن وجه، خاصة تأطير الشباب على الإسلام الوسطي المعتدل وفق النموذج المغربي، كما يعطيهم مهارات الاشتغال مع المجتمع والتواصل مع الأديان بناءً لجسور الثقة ومدا للحوار المثمر، ومرافقة تجعل هؤلاء الأئمة يحققون استيعاب مواد معرفية حول نموذج التدين المغربي، المبني على العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني، حتى يتحولوا إلى وعاظ، ليس فقط للمغاربة والمسلمين، بل لكل من يبحث عن ردود تهم تساؤلات العصر”.