لنتخيل هذا السيناريو الأكثر تشاؤما: ترى ما الذي كان سيكون عليه الوضع بالمغرب إن لم يتم بناء سد الوحدة؟
أولا: كان المغرب سيصاب بصدمة إيجاد المقابر لدفن 2.179.000 نسمة بمنطقة الغرب التي كانت مهددة دوما بالفيضان (العدد يمثل سكان أقاليم: سيدي سليمان وسيدي قاسم والقنيطرة، أي ما يعادل 6% من سكان المغرب). وبالتالي، لو لم يتم بناء سد الوحدة لتعرضت منطقة الغرب لتسونامي رهيب وأفظع من فيضانات الستينات من القرن 20، مع ما يعنيه ذلك من دمار وقتلى.
ثانيا: لو لم يكن سد الوحدة موجودا، لمات تقريبا ربع سكان المغرب عطشا، بحكم أن سد الوحدة (الثاني في إفريقيا بعد سد أسوان المصري)، تبلغ طاقته الاستيعابية 3,8 مليار متر مكعب (أي حوالي سدس الموارد المائية المعبأة بكامل سدود المملكة في سنة مطرية جيدة).
ثالثا: المغرب كان سيصاب بالجوع لعدم قدرته على توفير الأمن الغذائي بالنظر إلى أن سد الوحدة، الذي يحمي منطقة الغرب من الفيضان، جعل فلاحي الغرب يتمكنون من إنتاج 1,5 مليون طن من الخضراوات كل عام (أي ما يمثل 31% من الحجم الوطني)، هذا دون الحديث عن الحبوب والسكر والزيت والفواكه.
رابعا: كان المغرب سيحرم من 603 ألف رأس من الأبقار و2 مليون رأس من الماشية و159 ألف رأس من الماعز، وهي مجموع الحيوانات المسجلة بالغرب.
خامسا: كان المغرب سيفقد خمس ناتجه الداخلي الخام الفلاحي، على اعتبار أن منطقة الغرب تساهم لوحدها بحصة 18% في الناتج الداخلي الفلاحي للمغرب. وما كان لمنطقة الغرب أن تحتكر هذه النسبة من أصل 12 جهة بالمغرب، لو لم يكن سد الوحدة موجودا، ليس لسقي 100 ألف هكتار بالمنطقة المذكورة، بل لكونه يضمن الحماية لحوالي 942 ألف هكتار صالحة للزراعة تمتد من حوض ورغة إلى غابة المعمورة.
سادسا: كان المغرب سيواجه أفظع أزمة عطش بالرباط وسلا والدارالبيضاء والمحمدية في صيف 2023 لو لم يكن سد الوحدة موجودا. إذ بفضل المياه المجمعة بسد الوحدة تم في الصيف الماضي تحويل فائض المياه من حوض سبو إلى حوض أبي رقراق لتزويد سلا والرباط والبيضاء والمحمدية (حوالي 5 ملايين نسمة) بالماء الشروب، وبالتالي تجنب المغرب مظاهرات احتجاجية دامية.
سابعا: لو لم يكن سد الوحدة موجودا، لما دبت الصحوة في العقل العام للدولة بوجوب التعجيل بتنفيذ التزامات قانون الماء المجمدة منذ عام 1997 والخاصة بتنفيذ 13 ورش ضخم لترحيل الماء بين الأحواض (من واد لاو إلى اللوكس، ومن اللوكس إلى سبو، ومن سبو إلى أبي رقراق، ومن أبي رقراق إلى أم الربيع، ومن أم الربيع إلى تانسيفت)، لتحقيق العدالة المجالية المائية من جهة، ولمواجهة العجز المائي الخطير الذي يهدد المغرب بالسكتة القلبية من جهة ثانية (طبعا مع إنجاز محطات تحلية مياه البحر التي تعرف بدورها تأخرا كبيرا).
ثامنا: لو لم يكن سد الوحدة موجودا، لما أمكن للمغرب التوفر على إحدى أكبر البحيرات بإفريقيا، بحكم أن حقينة سد الوحدة تمتد على مساحة 12 ألف هكتار (أي ما يساوي مساحة مدينة الرباط ككل!)، بشكل حول محيط السد (التابع إداريا لإقليمي تاونات ووزان) إلى نقطة جذب سياحية فاتنة بالمغرب.
إذا كان الأمر بهذه القيمة والأهمية، أيعقل أن يتحول سكان إقليمي تاونات ووزان إلى «حطب جهنم» لينعم باقي المغاربة بخيرات بلدهم؟
كيف يعقل أن الجماعات المجاورة لسد الوحدة، التابعة ترابيا لإقليمي تاونات ووزان، التي تزود المغرب بالثروة وبالطاقة، تعيش الحرمان والخصاص والعزلة؟!
أيستساغ أن تسلب كل هذه الثروات من جوف تاونات ووزان دون أن تعمل الدولة على فك العزلة على جماعات: المجاعرة، ازغيره، تروال، سيدي بوصبر، سيدي أحمد الشريف، مولاي بوشتى، تبودة، تافرانت، الوارتزاغ وغيرها من المجالات الترابية التي لم يرتكب سكانها أي ذنب، سوى أنهم ولدوا بإقليمي تاونات ووزان؟!
أيعقل أن تتحول هذه النعمة التي تجود بها تاونات ووزان على المغرب إلى نقمة عليهما؟!
كيف يغمض جفن الحكومة والمجالس الإقليمية والجهوية والمحلية وهم يرون تاونات ووزان يمدان باقي التراب الوطني بكل مقومات الحياة والاستثمار، بينما الحق في الطريق والحق في الولوج والتنقل بين الجماعات بتاونات ووزان غير مكفول بسبب الوضعية الكارثية جدا للطرق: سواء تلك الرابطة بين الدبيشات وعين دريج، أو بين الدبيشات وقرية بامحمد، أو بين ازغيرة ومولاي بوشتى، أو بين لمجاعرة في اتجاه تاونات (وهذه مجرد حالات، لأن معظم طرق تاونات ووزان صغيرة الحجم ومحفرة وسيئة الاستعمال، ولا يتوفر فيها أي تشوير لضمان السلامة الطرقية في السياقة الليلية!)؟!
أين موقع تاونات ووزان من البرنامج الوطني لفك العزلة؟
أين حق سكان الجماعات المجاورة لسد الوحدة بتراب تاونات ووزان، من صندوق التنمية القروية؟
أين حصة سكان تاونات ووزان من برنامج صيانة الطرق وتوسيعها، حتى لا نقول حصتهم من برنامج إحداث الطرق الجديدة (السريعة والموسعة)؟
هل الفصل 40 من الدستور يهم كل المغاربة؟ أم تم وضعه على مقاس سكان تاونات ووزان ليتحملوا لوحدهم التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد؟
أخاف أن «الحكرة» إذا طالت و«حماضت»، ضد سكان تاونات ووزان، أن يتحول حوض جبالة من منطقة فاتنة إلى منطقة فتنة. ولهؤلاء المسؤولين الذين يسعون لتبقى الجماعات المحيطة بسد الوحدة بتاونات ووزان أقول: «اتقوا الله في المجالات الترابية المغبونة والمحكورة، وإلا فقد تتحول نِعَم تاونات ووزان إلى نِقَم وفتن» !