لنتمعن في هذه الأرقام الصادمة:
75.000 درهم، هو المبلغ الذي يخسره المغرب في كل ساعة كلما حرك فيالق المجلس الأعلى للحسابات لمحاربة الفساد ومراقبة تبذير المال العام.
1.791.666 درهم، هي كلفة تسخير قضاة للمجلس الأعلى للحسابات في اليوم.
53.750.000 درهم، هو ما تخصصه الخزينة العامة كل شهر لتمويل ماكينة المحاكم المالية بالمغرب.
645.000.000 درهم، هو مجموع ما اقتطع من ضرائب المواطنين لفائدة المجلس الأعلى للحسابات لميزانية 2024 موزعة على التسيير (560 مليون درهم)، والاستثمار (85 مليون درهم).
ليس هذا وحسب، بل استجابة لطلبات المجلس الأعلى للحسابات، تم تخصيص 60 منصبا ماليا جديدا عام 2024 لتعزيز المجلس بالقضاة وبمدققي الحسابات، مما جعل أجور قضاة المجلس هذه السنة، تشهد ارتفاعا قدره 16% مقارنة مع سنة 2023، وهي تحملات إضافية لم تحظ بها باقي القطاعات العمومية. إذ في سنة 2024 سيلتهم 400 قاض بالمجلس الأعلى للحسابات (منهم 180 بالمركز) و263 موظفا (مدقق حسابات، منتدب، إلخ..) 380 مليون درهم كأجور، أي 68% من ميزانية التسيير، دون استحضار باقي التحملات الأخرى (وقود - سيارات - تنقلات داخل المغرب، إلخ..).
هذا الجهد المالي الذي تتحمله الخزينة العامة، كان الغرض منه هو تحصين المغرب ضد الفساد، ليكون المجلس الأعلى للحسابات (إلى جانب باقي المؤسسات الموكول إليها مهام الرقابة)، الضامن لنزاهة صرف المال العام من طرف الوزراء ورؤساء الجماعات الترابية ومدراء المؤسسات العمومية، وليطمئن المغاربة إلى أن المال العام موضوع بين أيادي أمينة من النخب السياسية والإدارية المطوقة بصرفه وفق ما يخدم المصلحة العامة، وليس وفق ما يقود إلى تسمين الوزراء والبرلمانيين والمنتخبين والمدراء بالمرافق العمومية.
لكن المفارقة تكمن في أن المجلس الأعلى للحسابات أضحى هو الآخر ماكينة لإهدار المال العام، دون أن تكون له قيمة مضافة في تحسين مؤشرات الحكامة أو تحسين ترتيب المغرب في سلم الفساد. إذ مازال المغرب ينعت ويصنف بأنه «جنة الفساد والمفسدين»، سواء في تقارير ترانسبارنسي أو البنك الدولي أو ما شابههما من مؤسسات.
من هنا وجاهة السؤال: لماذا لم يفلح المجلس الأعلى للحسابات في إدخال المغرب إلى نادي النزاهة على المستوى الأممي، رغم توفره على جيش من 400 قاض و260 مدقق ومنتدب؟ هل العيب في القانون المنظم للمجلس الأعلى الذي يكبل تقارير القضاة ويحول جهدهم إلى «غثاء أحوى»؟ أم العيب في الزمن القضائي الذي يسير بسرعة سلحفاتية مقابل الزمن المافيوزي الذي يجعل المفسدين يسيرون بسرعة الضوء في نهب وتبذير وتبديد المال العام؟ أم العيب في تواطؤ الحكومة والبرلمان وتسترهما على ممثلي أحزابهما في الجماعات والمرافق العمومية؟ أم العيب في الأحزاب التي تغرق المغرب بنخب متعفنة مستعدة للانقضاض على الميزانية الموضوعة رهن إشارة كل مدبر؟
أيا كان الجواب، فهناك عطب ما، وهناك خلل ما، في كيفية اشتغال المجلس الأعلى للحسابات، بشكل يجعل صلاحياته ضيقة في النهوض فعلا بالمهام الرقابية على أكمل وجه والمضي قدما وبسرعة لتنفيذ ما يصدر عنه من قرارات لقطع دابر الفساد في المهد.
فابتداء من اليوم، لن نرضى بخطاب يمطرقنا بكون المغرب هو أول بلد بنى برجا في إفريقيا أو بكونه أول بلد يحتضن أكبر ميناء لوجيستيكي أو بكونه البلد الذي يضم أكبر محطة للطاقة الشمسية.
ابتداء من اليوم علينا الضغط على السلطة العمومية لكي نسمع أن المغرب هو أول دولة في مؤشر النزاهة بإفريقيا والعالمين العربي والإسلامي.
ابتداء من اليوم علينا الضغط لنسمع أن المغرب هو أول دولة بإفريقيا والعالمين العربي والإسلامي تتوفر على معمار رقابي يقوم «بوأد الفساد» في المهد ويمنع تغلغله وانتشاره في المجتمع.
ابتداء من اليوم علينا الضغط لنسمع أن المغرب هو أول دولة في إفريقيا والعالمين العربي والإسلامي حقق وثبة في مؤشر إدراك الرشوة والفساد، وقفز من الرتبة 97 عالميا إلى الرتبة 40 أو 30، ولم لا الرتبة 20!.
خارج هذا السقف ستبقى الأطنان من تقارير المجلس الأعلى للحسابات غير صالحة لتقعيد دولة المؤسسات بقدر ما تصلح فقط للتلفيف عند باعة «الزريعة و«الحناء» و«الكرابة» المختصين في بيع «الروج»!