من المنتظر أن تُصَدِرَ الشقيقة موريتانيا في بداية يونيو الدفعة الأولى من غازها الطبيعي المكتشف في السنوات الأخيرة .كما أنه من المنتظر أن يبلغ العائد المالي 100 مليون دولار في السنة الأولى بالنسبة لحقل واحد ليصل إلى مليار دولا بعد ذلك .
هذا ما صرح به السيد وزير البترول والطاقة خلال مشاركته في ندوة على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب 28) في مدينة دبي .
وتشير المعطيات أن لموريتانيا احتياطات ضخمة من الغاز تقدر بـ110 تريليونات قدم مكعب، ما يضعها في المرتبة الثالثة إفريقيا بعد نيجيريا (207 تريليونات قدم مكعب)، والجزائر (159 تريليون قدم مكعب)،
ولعل ما يزيد من حظوظ هذا البلد الشقيق في التحول التنموي الممكن ، أربع عناصر أساسية في رأيي :
أولا :عندما اكتشف البترول في الخليج ،كانت دبي والدوحة ….أرضا قاحلة ليس بها مظاهر للعمران.بل ممكن القول غياب الدولة بمفهومها السياسي الحديث إضافة إلى ساكنة لاتصل إلى المليون وبدون تعليم عصري .في حين موريتانيا مجتمع المليون شاعر وجامعتين. واحدة منهما، جامعة نواكشوط العصرية بها 20 ألف طالب و500 أستاذ وأستاذة زد على معاهد ومدارس متنوعة من مدرسة البوليتكنيك إلى "المحضرة الشنقيطية الكبرى بأكجوجت" يضاف إلى ذلك ساكنة تقدر ب 4,5 مليون نسمة وبنية تحتية رغم هشاشتها فهي موجودة.
ثانيا:الاستقرار السياسي الذي بدأ يترسخ بالبلاد بتبات وإن ببطئ وخروجها من دائرة الانقلابات المتكررة.
ثالثا: تصاعد أهمية موقعها الإستراتيجي الرابط بين المغرب العربي وغرب إفريقيا ودورها في مكافحة الإرهاب بدول الساحل، كما أن موريتانيا بحكم قربها من أوروبا يجعلها في موقع إستراتيجي لتصبح موردا رئيسيا للغاز الطبيعي، خاصة أن الدول تسعى إلى تنويع إمدادات الغاز لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي.
رابعا: استخلاص الدروس من طريقة تدبير ثروة الصيد بموريتانيا و التي تساهم ب 20% من مداخيل الميزانية العامة للبلاد .
إن هذه النقط الأربع تشكل عناصر القوة في التجربة الموريتانية ومن شأنها أن تساهم في تحسين جميع مؤشرات التنمية سواء البشرية -وهذا هو الأهم -أو الاقتصادية والاجتماعية خاصة وأن البلد يعيش ظروفا اقتصادية ومعيشية صعبة وهشة ، فموريتانيا تصنف حسب البنك الدولي مع البلدان الأقل نموا Les moins avancés وأيضا بالبلد الفقير « pays pauvre fortement endetté » حسب قياس (HIPC) - حيث بلغت نسبة المديونية 100 % من الناتج الداخلي الخام كما أن موريتانيا تحتل الرتبة 158 في مؤشر التنمية البشرية .
السؤال الآن هل عائدات الغاز وأن تضخم قدرها كافية وحدها لضمان الرفاهية والازدهار؟
منذ شهرين كنت بنواكشوط أحضر مؤتمراً إفريقيا حول تعزيز السلم وكنت بجانب رجل في الستينات من عمره يسوق سيارة الأجرة. يشتكي من ظروف الحياة الصعبة فقلت له : "إن شاء الله تتغير الأوضاع مع تسويق الغاز الطبيعي" فأجابني بسرعة البرق " لي جانا من الحوت يجينا من الغاز "
وعليه فالثروة لا تكفي بل لابد من حكامة جيدة واستقرار متواتر.
فهاهي الجزائر البلد الغني نفطا وغازا إذ يشكل قطاع المحروقات الركيزة الأساسية في الاقتصاد الجزائري، بحوالي 60% من الميزانية العامة، و30% من الناتج الإجمالي المحلي و 97% من إجمالي الصادرات كما أن الناتج المحلي الإجمالي للجزائر للسنة المنصرمة 2023 بلغ 628.990 مليار دولار وعلى سبيل المقارنة فقط فموريتانيا
10.091 مليار دولار والمغرب 314.241 مليار دولار .
ومع ذلك ما هو واقع حال الجمهورية الديمقراطية الشعبية الجزائرية ؟ وما هي حالة المواطن ؟ بطالة متفشية بين شباب يتصارع لمغادرة البلاد وبنية تحتية لا تعكس ما تتوفر عليه البلاد من إمكانيات .بل حتى المواد الغذائية الأساسية تفقد باستمرار من السوق المحلي مع أنها كلها مستوردة من الخارج .
ولعل هذا يعود إلى سببين رئيسيين : أولهما سوء الحكامة وانتشار الفساد في كل مفاصل الدولة والمجتمع،فالبلد يصنف في الصف 104 من حيث مؤشر الفساد والرشوة في سنة 2023 من طرف ترانسبارنسي الدولية.
أما الثاني هو غياب النموذج التنموي والاكتفاء بتجريب مشاريع اقتصادية غالبا ما يتم التراجع عليها .وبالتالي لا تنتج الأثر التنموي ولا تنعكس على الساكنة .
يضاف إلى ما سبق طبعا مركزية الحكم العسكري منذ الاستقلال إلى الآن .
مناسبة هذا الحديث هو "مشروع " فتح معبر من تندوف الجزائرية إلى الزويرات المورتانية على مسافة 800 كلم .
طبعا من حق الأشقاء الموريتانيين تنويع انفتاحهم على الدول المجاورة خاصة إن كانت هناك حاجة أو ضرورة اقتصادية .
لكن هاهي الجزائر مرة أخرى تخطئ الطريق في مشاريعها لأنها تعالج الاقتصاد بالسياسة السياسوية فماذا ستصدر الجزائر إلى موريتانيا التمر فهي منتجة له ؟ الخضر والفواكه ؟ تستوردها الجزائر لنفسها …..
فالجزائر لم تقدم على هذا المشروع حبا في علي ولكن كرها في معاوية كما يقول العرب .
أعتقد على الإخوة في موريتاني تدارك القطار قبل فوات الأوان والانخراط الفوري في مشروع الحكامة الجيدة لأنها ليست مجرد قرار سياسي بل بناء استراتيجي يتطلب وقت طويل خاصة وأن ترانسبارنسي صنفت موريتانيا هذه السنة في الرتبة 130 مما يجعل الفساد هيكليا . فالفساد من شأنه أن يلتهم الأخضر واليابس ويبتلع الغاز والبترول كما التهم السمك بكل أنواعه .وبالتالي فالجزائر ليس نموذج ولا ممارسة جيدة آو تجربة موفقة لكني على يقين أن بلدا أنتج عالما جليلا يعد مرجعا دوليا ليس عند رجال الدين فقط بل عند المفكرين بكل أصنافهم ورجال السياسة والاقتصاد في العالم وأن كل الأمناء العامين للأمم المتحدة لا يكتمل تنصيبهم إلا باستقبالهم للشيخ عبد الله بن بية وبالتالي فاليقين قائم أن موريتانيا ستختار الطريق الصحيح في حينه .
هذا ما صرح به السيد وزير البترول والطاقة خلال مشاركته في ندوة على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب 28) في مدينة دبي .
وتشير المعطيات أن لموريتانيا احتياطات ضخمة من الغاز تقدر بـ110 تريليونات قدم مكعب، ما يضعها في المرتبة الثالثة إفريقيا بعد نيجيريا (207 تريليونات قدم مكعب)، والجزائر (159 تريليون قدم مكعب)،
ولعل ما يزيد من حظوظ هذا البلد الشقيق في التحول التنموي الممكن ، أربع عناصر أساسية في رأيي :
أولا :عندما اكتشف البترول في الخليج ،كانت دبي والدوحة ….أرضا قاحلة ليس بها مظاهر للعمران.بل ممكن القول غياب الدولة بمفهومها السياسي الحديث إضافة إلى ساكنة لاتصل إلى المليون وبدون تعليم عصري .في حين موريتانيا مجتمع المليون شاعر وجامعتين. واحدة منهما، جامعة نواكشوط العصرية بها 20 ألف طالب و500 أستاذ وأستاذة زد على معاهد ومدارس متنوعة من مدرسة البوليتكنيك إلى "المحضرة الشنقيطية الكبرى بأكجوجت" يضاف إلى ذلك ساكنة تقدر ب 4,5 مليون نسمة وبنية تحتية رغم هشاشتها فهي موجودة.
ثانيا:الاستقرار السياسي الذي بدأ يترسخ بالبلاد بتبات وإن ببطئ وخروجها من دائرة الانقلابات المتكررة.
ثالثا: تصاعد أهمية موقعها الإستراتيجي الرابط بين المغرب العربي وغرب إفريقيا ودورها في مكافحة الإرهاب بدول الساحل، كما أن موريتانيا بحكم قربها من أوروبا يجعلها في موقع إستراتيجي لتصبح موردا رئيسيا للغاز الطبيعي، خاصة أن الدول تسعى إلى تنويع إمدادات الغاز لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي.
رابعا: استخلاص الدروس من طريقة تدبير ثروة الصيد بموريتانيا و التي تساهم ب 20% من مداخيل الميزانية العامة للبلاد .
إن هذه النقط الأربع تشكل عناصر القوة في التجربة الموريتانية ومن شأنها أن تساهم في تحسين جميع مؤشرات التنمية سواء البشرية -وهذا هو الأهم -أو الاقتصادية والاجتماعية خاصة وأن البلد يعيش ظروفا اقتصادية ومعيشية صعبة وهشة ، فموريتانيا تصنف حسب البنك الدولي مع البلدان الأقل نموا Les moins avancés وأيضا بالبلد الفقير « pays pauvre fortement endetté » حسب قياس (HIPC) - حيث بلغت نسبة المديونية 100 % من الناتج الداخلي الخام كما أن موريتانيا تحتل الرتبة 158 في مؤشر التنمية البشرية .
السؤال الآن هل عائدات الغاز وأن تضخم قدرها كافية وحدها لضمان الرفاهية والازدهار؟
منذ شهرين كنت بنواكشوط أحضر مؤتمراً إفريقيا حول تعزيز السلم وكنت بجانب رجل في الستينات من عمره يسوق سيارة الأجرة. يشتكي من ظروف الحياة الصعبة فقلت له : "إن شاء الله تتغير الأوضاع مع تسويق الغاز الطبيعي" فأجابني بسرعة البرق " لي جانا من الحوت يجينا من الغاز "
وعليه فالثروة لا تكفي بل لابد من حكامة جيدة واستقرار متواتر.
فهاهي الجزائر البلد الغني نفطا وغازا إذ يشكل قطاع المحروقات الركيزة الأساسية في الاقتصاد الجزائري، بحوالي 60% من الميزانية العامة، و30% من الناتج الإجمالي المحلي و 97% من إجمالي الصادرات كما أن الناتج المحلي الإجمالي للجزائر للسنة المنصرمة 2023 بلغ 628.990 مليار دولار وعلى سبيل المقارنة فقط فموريتانيا
10.091 مليار دولار والمغرب 314.241 مليار دولار .
ومع ذلك ما هو واقع حال الجمهورية الديمقراطية الشعبية الجزائرية ؟ وما هي حالة المواطن ؟ بطالة متفشية بين شباب يتصارع لمغادرة البلاد وبنية تحتية لا تعكس ما تتوفر عليه البلاد من إمكانيات .بل حتى المواد الغذائية الأساسية تفقد باستمرار من السوق المحلي مع أنها كلها مستوردة من الخارج .
ولعل هذا يعود إلى سببين رئيسيين : أولهما سوء الحكامة وانتشار الفساد في كل مفاصل الدولة والمجتمع،فالبلد يصنف في الصف 104 من حيث مؤشر الفساد والرشوة في سنة 2023 من طرف ترانسبارنسي الدولية.
أما الثاني هو غياب النموذج التنموي والاكتفاء بتجريب مشاريع اقتصادية غالبا ما يتم التراجع عليها .وبالتالي لا تنتج الأثر التنموي ولا تنعكس على الساكنة .
يضاف إلى ما سبق طبعا مركزية الحكم العسكري منذ الاستقلال إلى الآن .
مناسبة هذا الحديث هو "مشروع " فتح معبر من تندوف الجزائرية إلى الزويرات المورتانية على مسافة 800 كلم .
طبعا من حق الأشقاء الموريتانيين تنويع انفتاحهم على الدول المجاورة خاصة إن كانت هناك حاجة أو ضرورة اقتصادية .
لكن هاهي الجزائر مرة أخرى تخطئ الطريق في مشاريعها لأنها تعالج الاقتصاد بالسياسة السياسوية فماذا ستصدر الجزائر إلى موريتانيا التمر فهي منتجة له ؟ الخضر والفواكه ؟ تستوردها الجزائر لنفسها …..
فالجزائر لم تقدم على هذا المشروع حبا في علي ولكن كرها في معاوية كما يقول العرب .
أعتقد على الإخوة في موريتاني تدارك القطار قبل فوات الأوان والانخراط الفوري في مشروع الحكامة الجيدة لأنها ليست مجرد قرار سياسي بل بناء استراتيجي يتطلب وقت طويل خاصة وأن ترانسبارنسي صنفت موريتانيا هذه السنة في الرتبة 130 مما يجعل الفساد هيكليا . فالفساد من شأنه أن يلتهم الأخضر واليابس ويبتلع الغاز والبترول كما التهم السمك بكل أنواعه .وبالتالي فالجزائر ليس نموذج ولا ممارسة جيدة آو تجربة موفقة لكني على يقين أن بلدا أنتج عالما جليلا يعد مرجعا دوليا ليس عند رجال الدين فقط بل عند المفكرين بكل أصنافهم ورجال السياسة والاقتصاد في العالم وأن كل الأمناء العامين للأمم المتحدة لا يكتمل تنصيبهم إلا باستقبالهم للشيخ عبد الله بن بية وبالتالي فاليقين قائم أن موريتانيا ستختار الطريق الصحيح في حينه .