قررت الغرفة الجنحية لدى المحكمة الإبتدائية بتيزنيت إرجاء النظر في قضية "انهيار عمارة باب أكلو" إلى يوم الاثنين 12 فبراير 2024، والتي توفي على إثرها عاملان، وأصيب آخرون إصابات متفاوتة الخطورة، يتابع فيها أربعة أشخاص، منهم المقاول والمهندس المعماري ومهندس مكتب الدراسة ومهندس مكتب المراقبة.
ولم توجّه لحد الآن أيّ اتهامات لصاحب المشروع، وهو رجل أعمال وأحد كبار أعيان مدينة تيزنيت، والذي انتصب في القضية كمطالب بالحقّ المدني.
ووفق معطيات حصلت عليها "أنفاس بريس"، طلب دفاع أحد ضحايا العمارة المنهارة المصاب تأجيل الجلسة بغاية الاطلاع الملف، فيما دفع دفاع المتهمين بتمتيع موكليهم بالسراح المؤقت، والذي اعتبره الدفاع تدبيرا استثنائيا مادام المتهمون يتوفرون على جميع ضمانات الحضور طيلة أطوار الجلسات المتبقية في الملف ولو بضمانة مالية، حيث أكد دفاع أحد المتهمين بكون السجون مليئة بالعديد من ذوي الاعتقال الاحتياطي، والذي يشكل دائما ثقلا على السّجون والدولة على حد تعبيره الدفاع.
كما تم التأكيد من طرف الدفاع التزام المتهمين بالعديد من العقود والالتزامات مع أشخاص ذاتيين ومعنويين وكذا الأبناك والمشتغلين معهم، فضلا عن معاناة أحد المعتقلين من أمراض السكري وتلقيه العلاج بالأنسولين.
ومن تفاعلات القضية، أن تشبّت طالب دفاع المقاول المتابع في القضية مع ثلاثة مهندسين بضرورة حضور صاحب العمارة والذي سيشكل مفتاح الملف، خاصة في الأمور التقنية والعقود المبرمة في بناء العمارة، غير أن صاحب العمارة قام بتوكيل شخص ثان آخر للحضور في الجلسة، عوض الشخص الذي وكله في الجلسة السابقة، إلا أن دفاع المقاول تشبّت من جديد بضرورة حضور المعني شخصيا، باعتباره الممثل القانوني للشركة صاحبة المشروع، وهو ما استجابت له المحكمة بدعوته مرة أخرى، علما أنه توصل شخصيا بالاستدعاء للحضور إلى جلسة الإثنين.
ووفق مراقبين تحدثوا لـ"أنفاس بريس"، ينتظر أن يتأخر الملف لعدّة جلسات في ظل إمكانية إدخال الطرف المدني في القضية وشركة التأمين والتي سيتم استدعاؤها في الجلسة بعد القادمة، والتي غالبا ستلتمس مهلة، إلى جانب إجراءات الخبرة التي سيحال عليها العامل الضّحية لتحديد نسبة العجز، والتي بعدها سيبدأ مناقشة الملف في شقّه المتعلق بالدعوى العمومية والدعوى المدنية للنّازلة.
ويتابع المتّهمون الأربعة، الذين ما يزالون رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي بتيزنيت، بتهم تتعلق بالقتل غير العمدي الناتج عن عدم مراعاة النظم والقوانين والتسبب في جروح غير عمدية نتج عنها عجز عن الأشغال الشخصية تزيد مدته عن ستة أيام، نتيجة عدم مراعاة النظم والقوانين والبناء بدون رخصة وإنجاز بناء دون احترام مقتضيات الوثائق المكتوبة والمرسومة بالنسبة للمتهم الأول المقاول (ه.ف)، والقتل غير العمدي الناتج عن عدم مراعاة النظم والقوانين والتسبب في جروح غير عمدية نتج عنها عجز الأشغال الشخصية تزيد مدته عن ستة أيام في إنجاز بناء دون احترام مقتضيات الوثائق المكتوبة والمرسومة وعدم مسك دفتر الورش بالنسبة للمتهم الثاني المهندس المعماري (ع.ز)، والقتل غير العمدي الناتج عن عدم مراعاة النظم والقوانين والتسبب في جروح غير عمدية نتج عنها عجز الأشغال الشخصية تزيد مدته عن ستة أيام نتيجة عدم مراعاة النظم والقوانين والبناء بدون رخصة وإنجاز بناء دون احترام مقتضيات الوثائق المكتوبة والمرسومة بالنسبة للمتهمين الثالث (ع.إد) والرابع (س.س) وهما مهندسي دولة، طبقا للفصول 129 و432 و433 من القانون الجنائي، والمواد 54ــ2، و64 و 72 و76 وو71 و78 من القانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء.
وأظهرت الخبرة القضائية المنجزة خلال مرحلة التحقيق، قبل إحالة الملف على النيابة العامة لإحالة المتهمين على جلسة المحاكمة، أن أسباب انهيار العمارة يتمثل في "ضعف جودة موادّ البناء وحديد التسليح، بالإضافة إلى عدم مطابقة مضمون التصاميم المرخص بها بخصوص أبعاد بعض الأعمدة واختلاف مقاساتها لما تمّ بناؤه على أرض الواقع، فضلا عن وجود خلل في طبقات الإسمنت والحصى والرمل في الخرسانة المسلحة، وفي أسلاك عقد التّعشيق بين لأعمدة والجسور، وكذا وجود تباعد بين النواة المركزية وشبكة الأعمدة والجسور يقدر بـ8.10 مترا في ثلاث جهات، خلافا للأبعاد المقترحة في التصاميم المحددة في أربعة أمتار فقط".
كما خلص تقرير الخبرة المنجز من قبل المختبر العمومي للتجارب والدراسات إلى "غياب تقارير التجارب المتعلقة بمطابقة الموادّ المستعملة في البناء، وخاصة الخرسانة والحديد لمعايير الجودة، ونقص في قياسات بعض الأعمدة بالطابق تحت أرضي (35،35 سم2)، مع وجود اختلاف وعدم تطابق في القياسات المحددة في التصميم مع تلك التي بالواقع، وعدم تطابق عملية البناء وتصميم الخرسانة المنجز من قبل مكتب الدراسات، وذلك باستبدال ألواح الإسمنت المسلح بألواح من التكتل، وكذا غياب المحاضر بدفتر الورش".
ملف قضية العمارة المنهارة بتيزنيت تطرح إشكالات أخرى تروج بشدة في أوساط المقاولين ومهنيي قطاع البناء بسوس، وتتعلق بعقد إنجاز أشغال هذا المشروع، حيث ثمن انجاز متر مربع من الأشغال في مثل هذه المشاريع يتراوح ما بين 1200 درهم الى 1500 درهم لكل متر مربع من الأشغال، في حين عقد صاحب الشركة والمقاول حدد فيه مبلغ بحوالي 930 درهم للمتر مربع، مما يطرح اكثر من تساؤل، خصوصا إذا استحضر أن صاحب العمارة متمرس في قطاع العقار وله العديد من المشاريع، وهو ما يسائل أيضا هامش الربح في مثل هذه المشاريع وجودة الأشغال.