ينقل إلينا "إيلون ماسك" خبراً علمياً سعيداً: وهو: خضوع أول إنسان لعملية زراعة شريحة دماغية التي تنتجها شريكة "نيورالينك" .."وهو يتعافى بشكل جيد، وأظهرت النتائج الأولية رصد زيادة في الخلايا العصبية على نحو واعد". وذلك بعد الحصول على الموافقة من طرف إدارة الغذاء والدواء، وأجريت هذه التجربة على القردة والخنازير.
لقد عوّدنا التاريخ على منعطفات وانقلابات مفاجئة تغير وجه الإنسان، يقدم "يوهال نوح هراري" في كتابه "العاقل" مسارا من التطور البشري، بدأ بالبربرية المتوحشة مرورا بالعصر الزراعي وصولا إلى الثورة العلمية، ويختتمها ب"الحيوان الذي أصبح إلآهاً"، ويقول ( Redeker): "لم يكن إنسان النهضة هو إنسان القرون الوسطى، ولا إنسان زمن الغزوات، ولا هو شبيه بإنسان الأزمنة الحديثة، ذاك الذي سيغزو الكون في القرن التاسع عشر؛ لم يكن هو ذاته إنسان العصور القديمة. ففي كل مرحلة هناك إنسان مختلف يطابقها، كان ينمو كجنين في تطورات المرحلة السابقة" فماهي خصوصيات الإنسان الجديد؟ هل سيموت هذا الإنسان وتتحقق نبوءة ميشال فوكو (موت الإنسان) وتكون هذه التجربة هي رصاصة الرحمة على هذا الكائن الثقافي؟
العصر الجديد تحكمه التكنولوجيا، هناك معاول علمية (خاصة البيولوجيا)، وافتراضية (وسائط التواصل الاجتماعي) تعمل بإصرار على الهدم والمبالغة في التدمير الحضاري، بغية تسريع تغيير العالم والإنسان. لقد تسيّدت الثرثرة مقابل الحقيقة، وهيمنت الانفعالات على العقل. والغاية من ذلك هو فتح المجال لسيادة الإنسان الرقمي. وستكون أفكاره ورغباته من صميم الرقمنة. ولذلك سيكون لهذه التجربة، دون شك أهمية كبرى، إنّها ثورة جديدة تقتحم الذهن البشري وبداهته بشكل مباشر، بعدما ظل عصيا عن العلم، بالرغم من أبجدياته المتطورة، وستحتاج البشرية لسنوات لكي تدرك أن هذه التجربة غيرت مجرى التاريخ الإنساني، وأدخلته في واقع جديد، فلا شيء سيبقى على ما هو عليه الآن.
ماذا تعني الشريحة التي سماها إيلون ماسك ب Telepathy؟ هي جص لاسلكي صغير، مدعوم ببطارية يمكن شحنها لا سلكيا، يتركب من أقطاب كهربائية، مكونة من أربعة وستين (64)خيطا مرناً، تشبه خيوط الدماغ البشري. دورها الأساس التقاط مستشعرات الدماغ .
وماهي مميزاتها؟ يجيب إيلون ماسك عن ذلك في تغريدة على منصة X :"إن الشريحة تمكنك من التحكم في هاتفك أو جهاز الكمبيوتر الخاص بك، ومن خلالهما التحكم بأي جهاز تقريبا، بمجرد التفكير، سيكون المستخدمون الأوائل هم أولئك الذي فقدوا القدرة على استخدام أطرافهم، تخيل لو كان ستيفن هوكينغ قادرا على التواصل بشكل أسرع من الكاتب السريع أو البائع بالمزاد".
يمكن اعتبار هذه التجربة إنجازا تكنولوجيا عظيما، تخترق أصعب وأعقد عضو في الجسم البشري وهو الدماغ، وهي منعطف في التاريخ، في طبيعة الإنسان البيولوجية. مؤرخو المستقبل والانتربولوجيون سيعيّرونها بالطوفان الذي قضى على عذرية الإنسان، والعالم الذي سيأتي بعدها لن يكون مشابها لحاضرنا، أو ماضينا. إنّها ولادة لإنسان أسطوري جديد بلا أثر، إنسان "الأتمتة domotique" (الأتمتة: هي مجموع التقنيات الإلكترونية التي تستعمل في تجهيز البيت).
تبني هذه الشريحة تواصلا بشريا تقنيا عبر "التخاطر Telepathy"، وذلك بربط الدماغ بالكون السيبراني. عبر قراءة مستشعراته، وترجمتها، لتصبح قابلة للقراءة من طرف الخلايا العصبية؛ بمعنى أن الشريحة ستكون وسيطا (Médiateur) بين الدماغ والخلايا العصبية. وهو ما سيمكّن مجموعة من الأعضاء البشرية على العمل من الجديد، بعدما كانت معطلة بسبب خلل في هذا التواصل؛ كالعين والأذن، وبعض أعضاء الجسد الأخرى. ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد؛ بل إن الشريحة ستمكّن الفرد من التحكم في كل ما يحيط به من الآلات المتصلة، عبر "الويفي، G4، G5. كالهاتف والسيارة، ونوافذ البيت، وآلة التصبين..إلخ. ولذلك لن تكون هذه الشريحة حبيسة الدماغ والخلايا العصبية؛ بل ستربط الإنسان بالمحيط الخارجي.
علينا أن ندرك الأهمية البالغة لهذه التجربة في التحكم بمستشعرات الدماغ؛ مواقفه، إيديولوجيته، نياته، أذواقه، ميولاته..إلخ، وربطها بالخوارزميات. إن الأساسي في كلام إيلون ماسك هو مساعدة الإنسان المعطوب، ولكن الوضع لن يكون على هذه الشاكلة ما دمنا قد تعرفنا على المطبّات التي صاحبت التقدم التكنولوجي، بالرغم من مزاياها الكبرى في تسهيل الحياة. فكيف ستكون هذه الشريحة سليمة من اختراق الفيروسات، مادامت أنّها مرتبطة بالسيبرانية؟
إن اختراق الدماغ البشري سيمكن من إعادة برمجته وفق أهواء معينة، فالحلم التي يقدمه "إيلون ماسك" عن شريحته، يكشف، في مقابل ذلك، عن الشّر الذي يمكن أن ينتج عن اختراق هذه الشريحة، والمتعقل وحده سيدرك أن الفيروسات حين تخترق الهواتف النقالة والحواسيب تستولي على كل أسرارها، بمعنى ذلك، في سياقنا، أن ما سيخفيه الفرد من تصورات يمكن التحكم فيها، أو تعديلها أو مسحها، وتزويده بتصورات أخرى.
وعلى هذا الأساس يمكن تخمين سلبيات هذه التجربة العلمية الرهيبة والأكثر إغراء وبراعة، خاصة في القضاء على الأمراض الميؤوس منها. لكنها بالنسبة للإنسان السليم فستكون ضد ماهيته، جوانيته، وبوهيميته المستورة، إيديولوجيته، خصوصياته اللاشعورية التي يحرصها الشعور/ العقل؛ عبر التحكم في التركيبة البيولوجية للدماغ، فتصبح أفكاره ورغباته شفافة وفق مسبق سيبراني.
فبالرغم من خدمات التي ستقدمها هذه التجربة للإنسان المريض، في المقابل، ستشكل مقصا للقطع مع الإنسان الطبيعي، والانتقال إلى الإنسان النصف الآلي،"المزيد" Augmenté" الذي يجاري الذكاء الاصطناعي. إن هذه الشريحة ستصبح لا محالة ضرورة لا محيد عنها لمجارة التطور التكنولوجي الرهيب مما سيجعل الفرد محكوما بثلاث قوى : الدماغ، الشريحة، والخواديم Les serveurs، بعدما كان يعيش بذاتية واحدة متعقلة. ولن يستطيع التعرف على هويته المتأرجحة.
وعليه، ستتحول البشرية من غاية في حد ذاتها إلى غاية سيبرانية، وهذه الغاية يمكن اختراقها والتحكم فيها، وإعادة توجيهها، وفقا لرغبات وأهداف محددة مسبقا، ووعيا من هذا النوع نجده عند الحيوانات التي لا تعرف الوعي بالذات، ولا الشعور أو الحدس أو العقل. فهل ستنزع الشريحة إنسانية الإنسان؟
إننا نبتعد عن النموذج الإنساني الحر بتدمير العقل عبر اختراق الدماغ وربطه بالتفكير الذي تؤثثه الشاشة، والمزاج الذي تريده، والأهواء التي تحركها. وسيصبح الفرد في هذه الحال أكثر قدرة في التحكم في مشاعره؛ بإمكانه التحكم في مشاعر الحزين الفرح، والنوم والاستيقاظ.. أما في حالة الاختراق فتلك طامة كبرى. وهكذا سنكون أمام تجربة الراعي والقطيع، القطيع تتحرك ضمن سياج يحرسه الراعي المتحكم في الآلة، ولن تكون هناك مفاهيم جديدة يمكن أن تنظم العلاقة بينهما، مادامت أن البشرية ستفقد إنسانيتها لصالح إنسانية الآلة، وتصير مسيّرة بالخوارزميات ـ وخياراتها التي تتعدل رياضيا عبر خورازيميات البيغ داتا BIG DATA، وبشكل آني وسريع ـ لا مخيرة.
لقد عوّدنا التاريخ على منعطفات وانقلابات مفاجئة تغير وجه الإنسان، يقدم "يوهال نوح هراري" في كتابه "العاقل" مسارا من التطور البشري، بدأ بالبربرية المتوحشة مرورا بالعصر الزراعي وصولا إلى الثورة العلمية، ويختتمها ب"الحيوان الذي أصبح إلآهاً"، ويقول ( Redeker): "لم يكن إنسان النهضة هو إنسان القرون الوسطى، ولا إنسان زمن الغزوات، ولا هو شبيه بإنسان الأزمنة الحديثة، ذاك الذي سيغزو الكون في القرن التاسع عشر؛ لم يكن هو ذاته إنسان العصور القديمة. ففي كل مرحلة هناك إنسان مختلف يطابقها، كان ينمو كجنين في تطورات المرحلة السابقة" فماهي خصوصيات الإنسان الجديد؟ هل سيموت هذا الإنسان وتتحقق نبوءة ميشال فوكو (موت الإنسان) وتكون هذه التجربة هي رصاصة الرحمة على هذا الكائن الثقافي؟
العصر الجديد تحكمه التكنولوجيا، هناك معاول علمية (خاصة البيولوجيا)، وافتراضية (وسائط التواصل الاجتماعي) تعمل بإصرار على الهدم والمبالغة في التدمير الحضاري، بغية تسريع تغيير العالم والإنسان. لقد تسيّدت الثرثرة مقابل الحقيقة، وهيمنت الانفعالات على العقل. والغاية من ذلك هو فتح المجال لسيادة الإنسان الرقمي. وستكون أفكاره ورغباته من صميم الرقمنة. ولذلك سيكون لهذه التجربة، دون شك أهمية كبرى، إنّها ثورة جديدة تقتحم الذهن البشري وبداهته بشكل مباشر، بعدما ظل عصيا عن العلم، بالرغم من أبجدياته المتطورة، وستحتاج البشرية لسنوات لكي تدرك أن هذه التجربة غيرت مجرى التاريخ الإنساني، وأدخلته في واقع جديد، فلا شيء سيبقى على ما هو عليه الآن.
ماذا تعني الشريحة التي سماها إيلون ماسك ب Telepathy؟ هي جص لاسلكي صغير، مدعوم ببطارية يمكن شحنها لا سلكيا، يتركب من أقطاب كهربائية، مكونة من أربعة وستين (64)خيطا مرناً، تشبه خيوط الدماغ البشري. دورها الأساس التقاط مستشعرات الدماغ .
وماهي مميزاتها؟ يجيب إيلون ماسك عن ذلك في تغريدة على منصة X :"إن الشريحة تمكنك من التحكم في هاتفك أو جهاز الكمبيوتر الخاص بك، ومن خلالهما التحكم بأي جهاز تقريبا، بمجرد التفكير، سيكون المستخدمون الأوائل هم أولئك الذي فقدوا القدرة على استخدام أطرافهم، تخيل لو كان ستيفن هوكينغ قادرا على التواصل بشكل أسرع من الكاتب السريع أو البائع بالمزاد".
يمكن اعتبار هذه التجربة إنجازا تكنولوجيا عظيما، تخترق أصعب وأعقد عضو في الجسم البشري وهو الدماغ، وهي منعطف في التاريخ، في طبيعة الإنسان البيولوجية. مؤرخو المستقبل والانتربولوجيون سيعيّرونها بالطوفان الذي قضى على عذرية الإنسان، والعالم الذي سيأتي بعدها لن يكون مشابها لحاضرنا، أو ماضينا. إنّها ولادة لإنسان أسطوري جديد بلا أثر، إنسان "الأتمتة domotique" (الأتمتة: هي مجموع التقنيات الإلكترونية التي تستعمل في تجهيز البيت).
تبني هذه الشريحة تواصلا بشريا تقنيا عبر "التخاطر Telepathy"، وذلك بربط الدماغ بالكون السيبراني. عبر قراءة مستشعراته، وترجمتها، لتصبح قابلة للقراءة من طرف الخلايا العصبية؛ بمعنى أن الشريحة ستكون وسيطا (Médiateur) بين الدماغ والخلايا العصبية. وهو ما سيمكّن مجموعة من الأعضاء البشرية على العمل من الجديد، بعدما كانت معطلة بسبب خلل في هذا التواصل؛ كالعين والأذن، وبعض أعضاء الجسد الأخرى. ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد؛ بل إن الشريحة ستمكّن الفرد من التحكم في كل ما يحيط به من الآلات المتصلة، عبر "الويفي، G4، G5. كالهاتف والسيارة، ونوافذ البيت، وآلة التصبين..إلخ. ولذلك لن تكون هذه الشريحة حبيسة الدماغ والخلايا العصبية؛ بل ستربط الإنسان بالمحيط الخارجي.
علينا أن ندرك الأهمية البالغة لهذه التجربة في التحكم بمستشعرات الدماغ؛ مواقفه، إيديولوجيته، نياته، أذواقه، ميولاته..إلخ، وربطها بالخوارزميات. إن الأساسي في كلام إيلون ماسك هو مساعدة الإنسان المعطوب، ولكن الوضع لن يكون على هذه الشاكلة ما دمنا قد تعرفنا على المطبّات التي صاحبت التقدم التكنولوجي، بالرغم من مزاياها الكبرى في تسهيل الحياة. فكيف ستكون هذه الشريحة سليمة من اختراق الفيروسات، مادامت أنّها مرتبطة بالسيبرانية؟
إن اختراق الدماغ البشري سيمكن من إعادة برمجته وفق أهواء معينة، فالحلم التي يقدمه "إيلون ماسك" عن شريحته، يكشف، في مقابل ذلك، عن الشّر الذي يمكن أن ينتج عن اختراق هذه الشريحة، والمتعقل وحده سيدرك أن الفيروسات حين تخترق الهواتف النقالة والحواسيب تستولي على كل أسرارها، بمعنى ذلك، في سياقنا، أن ما سيخفيه الفرد من تصورات يمكن التحكم فيها، أو تعديلها أو مسحها، وتزويده بتصورات أخرى.
وعلى هذا الأساس يمكن تخمين سلبيات هذه التجربة العلمية الرهيبة والأكثر إغراء وبراعة، خاصة في القضاء على الأمراض الميؤوس منها. لكنها بالنسبة للإنسان السليم فستكون ضد ماهيته، جوانيته، وبوهيميته المستورة، إيديولوجيته، خصوصياته اللاشعورية التي يحرصها الشعور/ العقل؛ عبر التحكم في التركيبة البيولوجية للدماغ، فتصبح أفكاره ورغباته شفافة وفق مسبق سيبراني.
فبالرغم من خدمات التي ستقدمها هذه التجربة للإنسان المريض، في المقابل، ستشكل مقصا للقطع مع الإنسان الطبيعي، والانتقال إلى الإنسان النصف الآلي،"المزيد" Augmenté" الذي يجاري الذكاء الاصطناعي. إن هذه الشريحة ستصبح لا محالة ضرورة لا محيد عنها لمجارة التطور التكنولوجي الرهيب مما سيجعل الفرد محكوما بثلاث قوى : الدماغ، الشريحة، والخواديم Les serveurs، بعدما كان يعيش بذاتية واحدة متعقلة. ولن يستطيع التعرف على هويته المتأرجحة.
وعليه، ستتحول البشرية من غاية في حد ذاتها إلى غاية سيبرانية، وهذه الغاية يمكن اختراقها والتحكم فيها، وإعادة توجيهها، وفقا لرغبات وأهداف محددة مسبقا، ووعيا من هذا النوع نجده عند الحيوانات التي لا تعرف الوعي بالذات، ولا الشعور أو الحدس أو العقل. فهل ستنزع الشريحة إنسانية الإنسان؟
إننا نبتعد عن النموذج الإنساني الحر بتدمير العقل عبر اختراق الدماغ وربطه بالتفكير الذي تؤثثه الشاشة، والمزاج الذي تريده، والأهواء التي تحركها. وسيصبح الفرد في هذه الحال أكثر قدرة في التحكم في مشاعره؛ بإمكانه التحكم في مشاعر الحزين الفرح، والنوم والاستيقاظ.. أما في حالة الاختراق فتلك طامة كبرى. وهكذا سنكون أمام تجربة الراعي والقطيع، القطيع تتحرك ضمن سياج يحرسه الراعي المتحكم في الآلة، ولن تكون هناك مفاهيم جديدة يمكن أن تنظم العلاقة بينهما، مادامت أن البشرية ستفقد إنسانيتها لصالح إنسانية الآلة، وتصير مسيّرة بالخوارزميات ـ وخياراتها التي تتعدل رياضيا عبر خورازيميات البيغ داتا BIG DATA، وبشكل آني وسريع ـ لا مخيرة.