من أين لك هذا؟.. سؤال مرتبط في أذهاننا بالحسد ومكافحة الفساد، بالتساؤل عن ثراء لا يتسق مع دخل معلوم.
سؤال "من أين لك هذا" البعض يتجنب طرحه خوفا على المصالح الخاصة والثروات المتراكمة، والبعض الآخر يلفق الإجابات مستعينا بالدين والتراث قائلا: "هذا من فضل ربي".
مغربيا المفسدون والمستفيدون في البلد لا يريدون قانون "من أين لك هذا" لأنه يفتح الباب أمام إجابات صعبة حول مصدر ثرواتهم أو تراكم الثروات داخل البلد وخارجه.
صحيح أن المغرب أسس هيئة وطنية لمكافحة الفساد، ولكن لم يؤسس لنظام يفضي إلى محاصرة الفساد أو التضييق عليه، بوضع نصوص تشريعية من شأنها أن تسد كل الثقوب والمنافد في وجه الفساد والمفسدين، ومنها تجريم الإثراء غير المشروع (الكسب).
مع العلم أن أي قانون معني بالفساد ومكافحته، ومهما كانت جودة نصوص مواده، سيكون عاجزا عن مكافحة هذه الظاهرة في ظل استمرار سياسات الإفساد!
وإقرار قانون الإثراء غير المشروع وتفعيله هي مسؤولية الحكومات ومسؤولية البرلمان، فالنواب يقولون بعد الخروج من مواقعهم بأن القرار ليس قرارهم والأمر ليس بيدهم، وهكذا، يرمون المسؤولية على الغير، إضافة إلى شراكة بعضهم في الضرر من السؤال وإجاباته.
كما أن بعض المستفيدين من واقع الفساد يقول إن سن قانون الإثراء غير المشروع يعتبر طاردا للاستثمار ومنفرا للمستثمرين، وقد يساء استعماله، لتصفية الحسابات السياسية، والانتقام من الخصوم، وهذا كلام مردود ومرفوض، لأن هناك دائما ضمانات ومؤسسات تسهر على عدم تحويل أي قانون إلى أداة للتصفية السياسية.
وعموما يظل الفساد بشتى أطيافه أحد معاول الهدم التي تواجه عمليات التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولهذا فأحسن وسيلة لمحاربة الفساد هي أن تكون هنالك خطة استراتيجية شاملة لإعادة العدل بمختلف صوره في المجتمع من القمة إلى القاعدة، ومن القاعدة إلى القمة، وتقليص الفوارق الطبقية وأشكال الاستغلال في المجتمع من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وهكذا يعد قانون تجريم الإثراء غير المشروع المجمد في الأدراج هو المدخل الأساسي لمحاربة الفساد المالي والإداري والسياسي.
ومرة أخرى وعاشرة، المطلوب العمل بالمسؤولية والمحاسبة. فالدستور أعلن المحاسبة وعلينا تفعيلها.