منذ مدة طويلة وحنين الكتابة يخالجني، إلا ان تسارع الأحداث الوطنية والدولية جعلني اتريث لأني احترت بين ما حققه وطني من انتصارات وازدهار باديان للعيان وبين القلاقل والإخفاقات الدولية في تحقيق السلام والأمن الغذائي لسكان المعمور. ولعل ما زاد الطين بلة بعد تداعيات الجائحة لترتفع الأسعار بشكل جنوني عالميا هو ما سببته الحرب الاوكرانية الروسية، والتي ما أن ألفها العالم حتى اسدلت أزمة أخرى ظلالها على الواقع الدولي تمثلت في الحرب الإسرائيلية الفلسطينية وما فتحته من جروح غائرة في وجدان الأمم. وسأترك ما حققه المغرب في مضمارالانتصارات الدبلوماسية، الاقتصادية والرياضية التي غلفها الأشقاء الجزائريون سامحهم الله بطلاء السياسة والاتهامات المجانية.
واليوم سأتطرق للكتابة عن جامعة مولاي اسماعيل المؤسسة التي احتضنتني منذ تسعينيات القرن الماضي كطالب ثم كموظف وأخيرا كأستاذ باحث بها ، حيث خبرت حركاتها وسكناتها وعشت مجدها تارة ونكوصها تارة أخرى.
والتزاما مني بالحياد والتجرد اللذين التزمتهما في كتاباتي. وأنا أعايش جميع رؤسائها منذ أول تعيين لهم سنة 2002، وهو الأمر الذي مكنني من معرفة الجامعةعن كثب، سأقدم شهادة عن رؤسائها لا بأسمائهم أو صفتهم الشخصية لان هذا لا يعنيني من بعيد أو قريب بقدر ما اريد تشخيص وتثمين الايجابي والحديث عن السلبى متى وجد. وقد يتساءل البعض عن الشتات والمعاد اللذين أعنيهما في عنوان المقال ففي خلال الثمان سنوات الفارطة اقدم رئيس الجامعة السابق و بشكل مزاجي مفضوح على تنقيل اكثر من عشرين موظفا إلى المؤسسات التابعة للجامعة، وأعاد صياغة تركيبة موظفي رئاستها وفق مقاس خاص، وذلك لغرض لا يعلمه إلا هو ومعاونيه وربما لا يعدوأن يكون تحاملا، على اعتبار أن من هجروا قسرا كانوا أطرا بصفتهم متصرفي الإدارات العمومية، وهكذا تم اغراق رئاسة الجامعة بموظفين تقنين، وهو ما يطرح عدة تساؤلات منها: هل الفئة المهجرة لم ترق للسيد الرئيس؟ أم انها مناورة للتحكم في أكبر عدد من المناصب المالية؟ أم أنه شكل من أشكال التسلط الذي لم تعد تقبله الممارسات الإدارية والتربوية الحكيمة؟ وهذا هو الشتات الذي أعنيه. وما أن غادر الرئيس المنتهية ولايته رحاب هذه الجامعة حتى عمل الرئيس الحالي على جمع لم المبعدين من خيرة الاطر الذين شهدت لهم الجامعة بالكفاءة والعطاء والنزاهة، وفتح الباب أمام البعض ممن شملتهم الهجرة القسرية ليساهموا في إتمام إعلاء بناء هذا الصرح العلمي.
وبغض النظر عن الفعل وردته نتساءل بإلحاح: هل القانون أعطى بهذا السخاء لرئيس الجامعة حق التصرف في الموظفين لتنقيلهم يمينا وشمالا على امتداد رقعة الشطرنج دون مراعاة رغبات الموظفين؟ وهل الجامعة مؤسسة عمومية ـ وحتى وإن خصت بالاستقلالية ـ تعتبر فوق قانون الوظيفة العمومية ومساطرها؟ أم أن الجامعات تعتبر ملكية خاصة لرؤسائها المعينين يتصرفون فيها تصرف المالك في متاعه؟.
ولن ابخس هنا عمل أي كان، إلا أن حصيلة جامعة مولاي اسماعيل خلال سنين أفلت تبقى دون ما تستحق ودون حجم ما ينتظر منها نظرا لعدة اسباب على رأسها تعقيد مساطر التحفيز العلمي، وهذا لا يعني عدم و جود السيولة الكافية لذلك حيث نجد أن جامعتنا مرارا لا تقوم بصرف ميزانيتها السنوية كاملة. وقد استغرب أساتذة الجامعة من جهة أخرى عندما قامت رئاستها بإرسال رسالة إلكترونية تطلب فيها السادة الأساتذة بتعبئة استمارة لتدقيق حصصهم التدريسية وكأن الأمر افتحاص ضمني لانضباط السادة الأساتذة، وقد تناسى القيم على شان التعليم العالي بذات الجامعة حاليا انها تعرف اكتظاظا مهولا في جل مؤسساتها متجاوزة طاقتها الإستيعابية بشكل كبير خصوصا مع قلة المناصب المالية الكفيلة بسد الخصاص على مستوى الموارد البشرية في طاقم التدريس، علما أن نزيف التقاعد الذي يعرفه قطاع التعليم العالي يزيد الأمور تعقيدا، ووعيا منا جميعا أن النهوض بالتعليم في هذا المستوى يكمن في تثمين جهود كل المتدخلين وخصوصا السادة الأساتذة.