الرسالة الملكية التي وجهها ملك البلاد بمناسبة تخليد الذكرى 60 لإحداث برلمان المملكة المغربية، لم تقف عند وصف المكاسب والمنجزات، بل قدمت تأويلا دقيقا للتطور الديمقراطي المغربي وفق سياق التنوع والخصوصيات الحضارية.
رسالة عكست بدون شك التتبع الدقيق لعاهل البلاد للحياة البرلمانية في أدق تفاصيلها، فإن قدمت المسار العام التاريخي للبناء الديمقراطي المغربي في بعده المؤسساتي، فإنها أكدت على أن الديمقراطية ليس وصفة جاهزة، بل هي تراكم وبناء مستمر يستحضر ليس التعددية فقط بل التنوع، وعبارة التنوع مركزية في رسالة الملك لأنه يرقى بالتمثيلية الانتخابية مم المرجعية الحزبية الضيقة إلى الخصوصية الحضارية والسوسيو-ثقافي، وإلى التنوع الإنساني.
هكذا تنفتح الديمقراطية بمفهومها وأدبياتها الدوغمائية حسب رسالة الملك على ديمقراطية مغربية متجددة متطورة بنائية بتراكم تجارب وممارسات سياسية مغربية، وباختيارها الزمني المناسب للتحول نحو التنوع وليس التعددية الحزبية الضيقة نحو هوامش تشريعية جديدة تناغم وتطور المغرب السياسي، ومشاركة مدنية قوية وانخراط للمواطنين والمواطنين في التشريع عبر العرائض.
وما شدني شخصيا في الرسالة هو تأكيدها على ضرورة الرفع من جودة النخب، فالملك كعادته يستوعب متطلبات كل مرحلة، ويؤسس لمنظومة ديمقراطية تنسجم مع حضارة وخصوصية المغرب، بيد أن دعوته الآن واضحة لتجويد النخب، والتجويد له شق قيمي أخلاقي ومعرفي أكاديمي، وقد ننخرط غدا في شروط أكثر صراحة لتجويد النخب لمحاصرة الفساد والأمية السياسية الانتدابية.
وستكون النخب السياسية أمام ميثاق أخلاقي قانوني ملزم كما دعت لذلك الرسالة، ميثاق حتما سيكون له الأثر على التضييق على تسرب الفاسدين والانتهازيين إلى قبة البرلمان، على دينامية تأطيرية جديدة للأحزاب السياسية التي عليها أن تصنع النخب.
رسالة الملك خارطة طريق مؤسساتية برلمانية واضحة المعالم، واعية بمتطلبات المرحلة، صدى قوي كالعادة لانتظارات المغاربة، وفي قلب انشغالات المجتمع المغربي الذي ينتظر الرقي بالبرلمان والقطع مع الفساد السياسي وتجويد النخب...
الملك كما عودنا... بهدوئه الحكيم يشخص الاختلالات برسائل مشفرة ويثمن الانجازات ولكنه يقدم البديل والحلول لتخليق الحياة السياسية... وما يقدمه الملك هو ورش يجب أن ينخرط فيه لفتيت منذ الآن الأحزاب السياسية التي حان الوقت أن تؤدي وظيفتها التأطيرية دون التسابق نحو السلطة بأي ثمن، ففساد بعض النخب من تراجع بعض الأحزاب عن قيمها وظيفتها في التأطير وصناعة القادة.