في ربيع 2015، كانت الطبقة السياسية بفرنسا منشغلة بشكل كبير بحملة أطلق عليها اسم «حملة غسل العار» عن شوارع المدن الفرنسية والمرافق العمومية، وهي الحملة التي سبق ودشنها لأول مرة عمدة باريس السابق "بيرتراند دولانوي".
الحملة كانت تقوم على تغيير أسماء الشوارع والأزقة والمرافق المحلية بفرنسا، بعد التحقق من هوية صاحب الاسم: أي هل هو اسم له ماض مشرق في تنمية فرنسا (عسكريا، سياسيا، سينمائيا، فكريا، رياضيا، إنسانيا إلخ..)، أم أن الشارع يحمل اسم رمز من رموز الكراهية واحتقار البشرية.
من أبرز محطات هذا الصراع ما شهدته آنذاك مدينة Villiers -le-bell بجهة باريس الكبرى، من نقاش ساخن بعد الضجة التي أقامها فاعلون حقوقيون عقب اكتشاف أن «شارل ريشي» Charles Richet الحائز على جائزة نوبل في الطب (عام 1913)، الذي يحمل مستشفى المنطقة اسمه، له ماض أسود في احتقار البشر.
إذ اكتشفوا دراسة له مغمورة سبق ووصف فيها عام 1919 الأفارقة السود، بأحط النعوت معتبرا القردة أحسن سلالة من الأفارقة. مما جعل الأصوات ترتفع مطالبة بوجوب غسل العار عن المدينة بتغيير اسم المستشفى. وتم جمع 30 ألف توقيع لهذا الغرض. وهو ما تحقق فعلا حيث أذعنت إدارة المستشفيات بباريس إلى ذلك وتم في مارس 2015 إطلاق اسم جديد على المستشفى المذكور.
كما تم تغيير اسم الزنقة التي تحمل اسم «شارل ريشي» أيضا وتم اختيار اسم جديد لها وهو Rue du Haut Roi.
في مدن المغرب تعج الشوارع والساحات والأزقة بأسماء استعمارية وبأسماء ضباط فرنسيين استعماريين، عاتوا في المغرب والمغاربة ذبحا وتقتيلا واغتصابا، دون أن ينهض صوت عاقل في هذا الحزب أو ذاك بالمغرب ليقول اللهم إن هذا لمنكر.
الفظيع أن المغرب يواجه منذ 48 سنة أعداء ضد استكمال وحدته الترابية، علما أن قضية الصحراء قضية استشهد فيها العديد من الجنود والضباط وضباط الصف المغاربة وأفراد القوة العمومية في مختلف الأسلاك الأمنية (جيش، درك، شرطة، قوات مساعدة، وقاية مدنية)، ولم يتحرك أي مجلس جماعي محلي بهذه الجهة أو تلك، للتنسيق مع الحامية العسكرية التابعة لمجال نفوذه، للحصول على أسماء الجنود وأفراد القوة العمومية المغاربة الشهداء المنتمين لتلك المدينة أو القرية أو الجهة التي توجد فيها الجماعة الترابية (حضرية كانت أو قروية)، لكي يطلقها على شارع أو زنقة أو ساحة عمومية أو على مرفق عمومي محلي، احتراما لدم الشهداء المغاربة أولا، واعترافا بقيمة الدم المغربي الذي روى الصحراء ثانيا، ورسالة للجنود ولكل أفراد القوة العمومية الأحياء، على أن حياتهم ليست رخيصة لدرجة لاتقوى الدولة على إطلاق أسمائهم على شوارع مدننا في حالة ما إذا استشهدوا ثالثا. ثم - وهذه نقطة أساسية - هي «ميساج» من كون المسؤولين المغاربة يؤمنون بثقافة الاعتراف والوفاء لمن وهب حياته للوطن.
مرت إذن 48 سنة على اندلاع حرب الصحراء. ورغم وقف إطلاق النار فإن الحرب لم تضع أوزارها، بل بالعكس لم تفتأ تستعر بفضل تهريب عسكر دولة العصابة لأموال النفط الجزائري لتمويل الحملة المسعورة ضد المغرب. وطوال هذه المدة لم نقرأ نقطة في البرنامج الانتخابي للأحزاب لرد الاعتبار للجنود الشهداء.
اليوم، يبقى مطلوبا من المنتخبين ومن الأحزاب أن يستحضروا هذا المعطى في صياغة سياستهم المحلية. فالطلب على الحقوق بالمدينة لا يهم فقط الزفت والطوبيس والمسجد والحمام و«الجردة» و«القادوس» و«الضوء والماء»، بل يهم أساس الرموز. وأفدح جريمة هي إقبار رموزنا من جنود وأدباء ورياضيين وسياسيين وفنانيين وعلماء ومقاومين، ومحوهم من شوارعنا وطمس هويتنا والإبقاء على أسماء الخونة والاستعماريين تحتل الفضاء العمومي بمدننا.