الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
فن وثقافة

نحو الأسوأ.. من هي الجهة المعنية بمحاربة تشوهات صناعة السّروج بالمغرب؟

نحو الأسوأ.. من هي الجهة المعنية بمحاربة تشوهات صناعة السّروج بالمغرب؟ المقدم محمد صوليح رفقة الشريف مولاي عبد الله العلوي ونموذج لسرج مغربي

طرحنا سابقا في جريدة " أنفاس بريس" سؤال من يتحمل مسؤولية مراقبة ومتابعة وتحصين كل المنتوجات الحرفية بقطاع الصناعة التقليدية ذات الصلة بالتبوريدة؟ ومن هي الجهة الموكول لها حماية كل الحرف والصناعات التقليدية الخاصة بمستلزمات الخيل والبارود؟ ومن هي الوزارة (الوزارات/القطاعات) التي تتحمل مسؤولية الرعاية والحافظة على فن التبوريدة بعيدا عن التشويه والتطوير السلبي نحو الأسوأ؟ ومن هي الجهة ذات السلطة القانونية في هذا الشأن؟

 

لقد نبهنا في العديد من المقالات السابقة إلى تسلل واكتساح مجال الصناعة التقليدية المتخصصة في السروج المغربية المتعلقة بالتبوريدة منتوجات مشوهة بمقاييس دخيلة وبعيدة كل البعد عن تراث وثقافة "رْكُوبْ الْخَيْلْ" حيث طال التغيير حجم وشكل أجزاء مكوناتها المعروفة والمعلومة، ( "التَّرْشِيحْ" و "السْقَطْ" و "الَعْظَمْ" و "الرْكَابْ" و "الدِّيرْ" و " الدْجَاجَةْ") والتي مسّت جمالية السّرج المغربي التقليدي الأصيل، وطمست معالم روعة وأناقة وجمال الخيول، بفعل التطوير السلبي الذي عرفه هذا المنتوج نحو الأسوأ للأسف الشديد !!

فمن المسلّم به، أنه بعد أن كسبنا رهان إدراج فنون التبوريدة المغربية ضمن قائمة التراث اللامادي باعتراف منظمة اليونسكو، واحتفلنا بهذا المنجز التاريخي والتراثي، لم يعد هناك أي مبرر أن نظل نتفرج مكتوفي الأيدي أمام ما تتعرض له منتوجات الصناعة التقليدية ذات الصلة بـ "التّبوريدة" المغربية من تشويه وتحريف ينعته البعض بـ "الجريمة البشعة".

 

المقدم محمد صوليح: جريمة في حق التبوريدة

وجه الدكتور محمد صليح بصفته عَلَّامْ سَرْبَةْ الْخَيْلْ المنتسبة لجمعية دار بن دبّة بعمالة إقليم سيدي بنور خطابه ورسالته في هذا الشأن، نيابة عن كل غيور على فن التبوريدة من أجل محاربة ما وصفه ونعته بـ "الْعَمَّارِيَةْ" أو "الْهَوْدَجْ"، في إشارة إلى التشويه الذي لحق "السَّرْجْ" المغربي الأصيل.

في هذا السياق استغرب العلام محمد صوليح في شهادته حول ما يقع من تشويه للسّرج المغربي، في ظل انتشار نوع من هيكل السّرج الذي يسمى بـ "الَعْظَمْ" والذي يخدش ويشوّه صورة السّرج المغربي الأصيل... ويضرّ بأبجديات ركوب الخيل، وبالتالي المسّ مباشرة بسمعة التبوريدة كتراث عالمي أصيل موثق بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة.

ووجه نفس المتحدث ندائه إلى عموم البَّارْدِيَّةْ بالقول: "أطلب منكم، وأتوسل إليكم، لا تجعلوا من خيولكم بعيرا، ولا من سروجكم هودج الْجِمَالَ (الإبل)، ولا من "الرْكَابْ" و "الشُّوْكَةْ" ديكورا. ولا تعرضوا أنفسكم لأخطار حوادث السقوط من أعلى صهوات الجياد بسبب الإرتفاع المهول والقاتل أحيانا".

وعلّل المقدم محمد صوليح مرافعته عن أساب حوادث سقوط الفرسان قائلا: "هذا سببه تقلّص مساحة الإحتكاك بين "لَعْظَمْ" و "التَّرْشِيحْ"، بالإضافة إلى عامل العلو (الإرتفاع) الزائد (المبالغ فيه). فضلا عن عامل وزن الفارس، مما يزيد من نسبة ميلان الجسد الذي يؤدي إلى السقوط أثناء تقديم عروض التبوريدة بمحارك الخيل والبارود، لأن آخر منقد من السقوط هو أقدام الفارس التي ابتعدت عن "الرْكَابْ" وعن (حَارَكْ) جسد الحصان".

وأكد في ندائه الموجه لمن يعنيه الأمر على أن "ركوب خيل التبوريدة، نخوة ووقار، واحترام لتاريخ رسمه الأجداد الأشاوس بتفاصيل ودقّة وخبرة ميدانية جد متناهية عبر عدة قرون خلت، بحيث أنهم لم يتركوا لنا فيها المجال للعصرنة والبدعة نحو الأسوأ"

وألتمس من كل الفرسان وعَلَّامَةْ سَرْبَاتْ الَخَيْلْ أن يحرصوا على تثمين وتحصين موروثهم التراثي والثقافي الشعبي بقوله: "من فضلكم لا تخدشوا صورة هذا التراث النبيل، والذي خرج إلى العالمية عبر أبوابه الواسعة، وأنظار العالم في كل شاذّة وفادة عليه، دون الحديث عن من يتربصّ ويتحيّن فرص الإنقضاض من أجل النيل من سمعة البلاد ومن كل ما هو جميل ومعبر في إبراز والتعريف بهويتنا المغربية"

وختم ندائه الموجه أيضا إلى كل من له صلة بفن التبوريدة وخصوصا الصناع التقليديين الذين ساهموا في "صناعة هذه البدعة"، حيث ناشدهم بالقول: "أن تعودوا أدراجكم، ولا تتركوا الجشع وشغف الماديات ينسيكم أخلاقكم وقيمكم".

وناشد العلام الدكتور محمد صوليح في هذا الصدد "كل مْقَدَّمْ وعَلَّامْ، ملّم وعارف بمسؤوليته تجاه هذا التراث الأصيل، أن يمنع استعمال هذه البدعة داخل مكونات سربة فرسانه، ومنع تواجدها بخيمته (الَوْثَاقْ)، كما ندعوا كل الفرسان الطيّبين الغيورين، أن نحارب بما أوتينا من قوة، فعلا وقولا هذا السّهم القاتل الذي يضر بجمالية السّرج المغربي وبفن التبوريدة بصفة عامة".

 

رأي المحرر: إليكم تفاصيل التطوير السلبي للسروج المغربية التقليدية نحو الأسوأ

ـ أولا: "التَّرْشِيحْ" (طبقات لَبْدَةْ الصّوف)

كان (التَّرْشِيحْ) يتكون سابقا من ثلاث طبقات من لَبْدَةْ الصّوف فقط، في حين أصبح اليوم يتكون من ثمانية طبقات وبعض الأحيان من عشرة طبقات من لبدة الصّوف، حيث أصبحت تشكل هذه الإضافات (الزيادة في طبقات اللبدات) عائقا يحول دون التصاق السّرج بحارك(garrot) الحصان، وبالتالي يكون سببا في انزلاق السّرج، مما يعرض الفارس للسقوط ولحوادث خطيرة في علاقة بالبارود وسط مضمار خيل التبوريدة. لذلك نؤكد أن التطوير السلبي في زيادة عدد طبقات لبدة الصوف، ساهم بشكل وضاح في ارتفاع منسوب السقوط من فوق صهوة الحصان، منذ أن أدخل هذا التغيير على صناعة سروج خيل التبوريدة.

ـ ثانيا: "السْقَطْ" وهو غطاء "التَّرْشِيحْ"

بالنسبة لـ "السْقَطْ" فقد كان سابقا لا يغطي معظم ظهر الحصان، الذي يطلق عليه أهل الميدان إسم (الْمَادَّةْ)، في حين أصبح "السْقَطْ" في يومنا هذا، يغطي حتى ثلث (الْكْفَلْ) الذي هو عجز الحصان، مما ساهم في طمس كل معالم الجمال في جسد الخيل.

ـ ثالثا: "الَعْظَمْ" وهو هيكل السَّرْجْ

الطامة الكبرى في التشوهات التي تسللت للمنتوجات الحرفية ذات الصلة بالتبوريدة هي التي عرفها (لَعْظَمْ) أو هيكل السرج المصنوع من خشب الجوز والمغلف بالجلد. ومن هذا المنطلق حل محل "الَعْظَمْ" التقليدي الأصيل شيء يشبه (الْعَمَّارِيَةْ) التي تُزَفُّ عليها العروسة يوم زفافها، وأطلق عليه في ميدان التبوريدة أسم "الَعْظَمْ الَعْمِيرِي". والذي اكتسح ميدان التبوريدة أمام أعين الجهات المسؤولة والوصية دون اعتراض.

 لقد اخترعه "الَعْظَمْ الَعْمِيرِي" أشباه الفرسان، لا لشيء إلا ليغطي عجزهم عن الرُّكُوب بطريقة صحيحة وسليمة يطلق عليها أهل التبوريدة "التَّسْبَاتْ" أو "النَّصْبَةْ". حيث تختلف التسمية حسب مناطق المغرب - (montée suspendue ) ليظهروا بمظهر مهيب فوق الحصان، لكن الأمر أخطر من ذلك حيث أصبح هذا النوع من الهياكل (الَعْظَمْ الَعْمِيرِي) هو السبب الرئيس في معظم حوادث السّقوط خلال عروض التبوريدة، على اعتبار أن هذا التطوير السلبي نحو الأسوأ في الهيكل يصعب معه التوازن فوق الحصان، وكذلك يغيب بسببه التواصل الحسي والحركي بين الفارس وجواده.

ـ رابعا: "الدِّيرْ" أو غطاء الصّدر

لقد كان الدِّيرْ سابقا بحجم صغير نسبيا، حيث تظهر للعيان عضلات صدر الحصان جليّا، لكن اليوم استبدل بدير آخر من الحجم الكبير، والذي يغطي صدر الحصان تماما، كما أنه مذيل بأهداب من الحرير وخيوط الصم للتزيين، في حين أنها تغطي وتحجب معالم الجمال لدى الحصان.

ـ خامسا: "الدْجَاجَةْ" وهي غطاء هيكل السَّرْجْ

نفس الشيء انطلى على "الدْجَاجَةْ" والتي كانت تشكل قطعة موحدة مع "السْقَطْ"، في حين أصبحت في يومنا هذا مثل قبعة توضع فوق رأس أصلع، وتشكل قطعة متنافرة مع القطعة الأصل (السْقَطْ)، وسبب ذلك هو (الَعْظَمْ الَعْمِيرِي) الذي أقبر كل معالم الجمال والأصالة في السرج المغربي.

من بيده منع هذه الجريمة؟

أعتقد أن السلطة القانونية لمنع هذه الجريمة بيد شركة (لاسوريك) وأعضاء التحكيم (الحكام) الذين يتحملون مسؤولية متابعة منافسات الإقصائيات سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي والجهوي والوطني، لانتقاء أجود السربات المؤهلة لمباراة كأس الحسن الثاني للفروسية التقليدية (التبوريدة) بدار السلام بالرباط، أو كأس محمد السادس بمعرض الفرس بالجديدة، والتي تشتغل وفق سلم تنقيط يخص مجموعة من الأساسيات التي تفظي إلى الظفر بالنقط المرتبطة سواء بنوع اللباس التقليدي (لكل منطقة) أو أنواع الخيول وجمالها وقوتها، بالإضافة إلى أصالة وعراقة "السّْنَاحَاتْ" (كل مكونات السّرج المغربي الأصيل) فضلا عن طريقة قيادة الخيول (التَّدْبِيبَةْ/التَّشْوِيرَةْ)، بالإضافة إلى كيفية اللعب بالمكاحل وما إليها من حركات، مرورا إلى الطلقة الموحدة.

في هذا السياق أعتقد جازما أن تخصيص نقط عالية من طرف الحكام بخصوص منتوجات الصناعة التقليدية الخاصة بمستلزمات التبوريدة (خيل وفرسان) وإعطاء أهمية للسرج المغربي الأصيل، كفيل بتحريم ومنع هذه التشوهات التي تسللت إلى هذا التراث اللامادي، ونعتبر هذا الإجراء القانوني مدخل أساسي لمحاربة كل ما من شأنه أن يمس بتراث التبوريدة المغربية، دون أن ننسى أهمية التواصل والتأطير والتحسيس بأهمية المحافظة على موروثنا التراثي.