ناقشت صباح يوم السبت 23 دجنبر 2023 الباحثة غشيم أميمة، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا جامعة محمد الخامس بالرباط، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص حول موضوع الرقمنة في المعاملات المدنية.
وكان الإشكال الرئيسي الذي تم اختياره لدراسة هذا الموضوع هو إلى أي حد يمكن القول باستيعاب المعاملات المدنية لخصوصيات البيئة الرقمية؟
وبعد المناقشة حصلت الباحثة غشيم أميمة على لقب دكتور في العلوم القانونية بميزة مشرف جدا.
موضوع الأطروحة أشار إلى التطور الرقمي المتسارع الذي يشهده العالم ولا يزال والذي شمل جميع مجالات الحياة المدنية، والتجارية، والإدارية، والاجتماعية، والسياسية على حد سواء، أدى إلى بروز ثورة حقيقية عرفت بالثورة المعلوماتية، تتميز بالحداثة؛ من حيث تسميتها ومضمونها، مقارنة بسابقاتها الثورة الزراعية والثورة الصناعية، وهي نتيجة اقتران نوعين من التكنولوجيا؛ تكنولوجيا الاتصالات بتقنيات المعلومات، أسهمت الأولى في إلغاء الحدود الإقليمية والحواجز السياسية التي تفصل بين الدول، وأسهمت في الربط بين الشعوب المتباعدة فحولت العالم إلى قرية صغيرة، أما تقنيات المعلومات فكانت نتيجة ابتكار الحاسب الآلي، الذي ينفرد بصفة السرعة في التنفيذ، وهو ما ساعد في استغلاله وكثرة استخدام البشرية له.
وأمام هذا التقدم العلمي والتكنولوجي لكافة مناحي الحياة، بزغت بوادر الخير لفتح آفاق جديدة لتقدم البشرية ولجني ثمار التواصل والمعرفة؛ فالعالم شهد تفاعلات عديدة ذات طابع افتراضي، أساسها تبادل المعطيات عبر البريد الإلكتروني ومواقع الويب، أو بواسطة برتوكول نقل الملفات، أو عبر الندوات التناظرية وغيرها من وسائل الاتصال التي يوفرها المجال الرقمي المعتمد على شبكة الانترنت، كل هذه التقنيات فتحت المجال واسعا لنوع جديد من المعاملات وهي المعاملات الرقمية، بأدوات وسندات ووسائل إثبات لم تكن معروفة من قبل.
وتبعا لهذا، يمكن القول إن القانون هو انعكاس حقيقي لكل ما هو موجود في المجتمع وفي حياة الناس من نشاطات ووقائع، هذا بالإضافة إلى كل ما ينشأ فيها من ظواهر جديدة، تستوجب من المشرع لزاما ضرورة تناولها بالتنظيم، والعمل على تحديد قواعدها وأحكامها. ولقد أصبحت المعاملات المالية وإبرام العقود الرقمية عن بعد في البيئة الرقمية، من أهم المظاهر الجديدة للتعاقدات في شكلها الحديث - التي أخذت في التزايد بشكل ملحوظ - من خلال الرسائل على شبكة الأنترنت، أو ما يسمى بالمستندات أو المحررات الرقمية.
فقد شاع طويلا بأن التكنولوجيا محايدة ولا تأثير لها على القانون، وبأن العكس هو الصحيح، لكن الموضوعية تقتضي الاعتراف بالتأثير المتبادل بين الحقلين؛ إذ الملاحظ هو ظهور فرع قانوني جديد إثر كل تطور مهم للعلوم والتكنولوجيا بهدف تنظيم استعمالاتها والحد من مخاطرها.
ولا يفلت من هذا الاكتساح لا جوهر ولا شكل ولا إثبات، بحيث يمكن القول، في الوقت الراهن، إن العلوم والتكنولوجيا أصبحت مصدرا لإيجاد أو سن القانون.
ولم يكن تأثير الرقمنة على مجال التواصل بين الأفراد وتبادل التجارب والخبرات فحسب، بل شمل أيضا مجال المعاملات بصفة عامة، ومجال التعاقد على وجه التحديد.
وهكذا، ظفرت النظرية العامة للعقود منذ زمن بعيد بأهمية كبيرة، مكنتها من إرساء آليات متنوعة، وترسيخ مبادئ متعدد لضبط العقود في مختلف المجالات القانونية، من حيث التكوين والتنفيذ والانقضاء وغيرها، وطوال هذا الزمن، المتسم بالطابع التقليدي في التعاقد، تشبعت النظرية بمضامين خدمت القانون العقدي، نشأة وتطورا، في مختلف التشريعات، واغتنت بمقومات وأصول، قلما تجد لها نظير في نظريات قانونية أخرى.
كما أنه لم يكن من السهل إنكار هذه التعاملات القانونية أو تغيير مضمونها، وذلك لوجود توقيع يقر بصحة الكتابة التي تعبر عن مضمون تلك التعاملات، ومن ثم، لم تكن لتثور مشكلة في إثبات تلك التعاملات لدى القضاء، أو في التأكد من صحة التوقيع الذي يرد في المحرر، والوقوف على ما إذا كان مستوفيا لشروطه القانونية أم لا.
ومن هذا المنطلق، فقد تم استغلال الوسائل الرقمية المستحدثة في مجال المعاملات المدنية، بما هي أداة للتعبير عن الإرادة وإبرام العقود، بين عدة أشخاص - سواء أكانوا أشخاص طبيعيين أم اعتباريين - لا يوجدون في مكان واحد، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل امتد ليشمل تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه عبر هذا النمط الجديد من أنماط التعاقد الحديث، الذي اصطلح على تسميته التعاقد الرقمي.
وإلى جانب هذا، تستمر الرقمنة في اختراقها لكل ما هو كلاسيكي من قواعد المعاملات المدنية، فبعد أحكام التكوين والتنفيذ وكذا الوفاء طالت انعكاساتها أحكام الإثبات، هذا الأخير، تغيرت أحكامه بين عالم مادي ملموس وعالم افتراضي غير محسوس، واختلفت ضوابطه بما يتوافق مع خصوصيات البيئة الجديدة.
ولا تقف علاقة الرقمنة بالمعاملات المدنية عند هذا الحد؛ إذ نتج عنها ظهور مشكلات قانونية جديدة ما زالت لوقتنا الراهن مستعصية عن إيجاد حل لها من قبل الفقه والقضاء، وذلك بسبب القصور أو بالأحرى الاختلاف التشريعي الوطني والإقليمي والدولي، ولعل أبرز هذه المشكلات، مسألة تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي في منازعات المعاملات المدنية الرقمية ذات الطابع الدولي.
حيث جاء هذا النوع الحديث من التعاقد، لمواكبة التطور في المجال الرقمي، انطلاقا من اجتماعية القاعدة القانونية، وضرورة أن تعبر عن حاجات المجتمع ورغباته، فبدأ ذوو الاختصاص من أهل القانون بدراسة المسائل القانونية المتعددة والمتشعبة، ذات العلاقة بالاستخدامات المختلفة للرقمنة، لمواءمة ومواكبة القانون للتطور المتسارع، في هذا الشأن جاء الإشكال الرئيس الذي تم اختياره لدراسة هذا الموضوع، وتمحور حول إلى أي حد يمكن القول باستيعاب المعاملات المدنية لخصوصيات البيئة الرقمية؟
وعن هذا الإشكال الرئيس تتفرع جملة من التساؤلات المرتبطة به، أجملها في الآتي:
− فيم تتمثل خصوصيات المعاملات المدنية في تفاعلها مع الرقمنة نشأة وتنفيذا؟
− ما مدى كفاية قواعد المسؤولية العقدية العامة لحكم المسؤوليات الناشئة عن المعاملات المدنية الرقمية؟
− أي انعكاس أو تأثير للرقمنة على قواعد الإثبات المدني؟
− ما هي التحديات التي تواجه التسوية القضائية لمنازعات المعاملات المدنية الرقمية في ظل تعدد مناهج القانون الدولي الخاص؟
− مدى ملائمة إعمال ضوابط الاختصاص القضائي التقليدية في عقد الاختصاص في منازعات المعاملات المدنية الرقمية؟
− وبصفة مجملة، فلأي منهج يجب أن يخضع تنظيم المعاملات المدنية الرقمية؟ هل يتبع منهج القياس؛ أي تطبيق القواعد القانونية التقليدية على تصرفات الأفراد في هذه البيئة؟ أم أن هذه الأخيرة - وفقا لطبيعتها المختلفة عن سابقتها من وسائل الاتصال الأخرى- توجب تطبيق قواعد قانونية جديدة؟ أم استخدام كلتيهما معا؟
وكان الإشكال الرئيسي الذي تم اختياره لدراسة هذا الموضوع هو إلى أي حد يمكن القول باستيعاب المعاملات المدنية لخصوصيات البيئة الرقمية؟
وبعد المناقشة حصلت الباحثة غشيم أميمة على لقب دكتور في العلوم القانونية بميزة مشرف جدا.
موضوع الأطروحة أشار إلى التطور الرقمي المتسارع الذي يشهده العالم ولا يزال والذي شمل جميع مجالات الحياة المدنية، والتجارية، والإدارية، والاجتماعية، والسياسية على حد سواء، أدى إلى بروز ثورة حقيقية عرفت بالثورة المعلوماتية، تتميز بالحداثة؛ من حيث تسميتها ومضمونها، مقارنة بسابقاتها الثورة الزراعية والثورة الصناعية، وهي نتيجة اقتران نوعين من التكنولوجيا؛ تكنولوجيا الاتصالات بتقنيات المعلومات، أسهمت الأولى في إلغاء الحدود الإقليمية والحواجز السياسية التي تفصل بين الدول، وأسهمت في الربط بين الشعوب المتباعدة فحولت العالم إلى قرية صغيرة، أما تقنيات المعلومات فكانت نتيجة ابتكار الحاسب الآلي، الذي ينفرد بصفة السرعة في التنفيذ، وهو ما ساعد في استغلاله وكثرة استخدام البشرية له.
وأمام هذا التقدم العلمي والتكنولوجي لكافة مناحي الحياة، بزغت بوادر الخير لفتح آفاق جديدة لتقدم البشرية ولجني ثمار التواصل والمعرفة؛ فالعالم شهد تفاعلات عديدة ذات طابع افتراضي، أساسها تبادل المعطيات عبر البريد الإلكتروني ومواقع الويب، أو بواسطة برتوكول نقل الملفات، أو عبر الندوات التناظرية وغيرها من وسائل الاتصال التي يوفرها المجال الرقمي المعتمد على شبكة الانترنت، كل هذه التقنيات فتحت المجال واسعا لنوع جديد من المعاملات وهي المعاملات الرقمية، بأدوات وسندات ووسائل إثبات لم تكن معروفة من قبل.
وتبعا لهذا، يمكن القول إن القانون هو انعكاس حقيقي لكل ما هو موجود في المجتمع وفي حياة الناس من نشاطات ووقائع، هذا بالإضافة إلى كل ما ينشأ فيها من ظواهر جديدة، تستوجب من المشرع لزاما ضرورة تناولها بالتنظيم، والعمل على تحديد قواعدها وأحكامها. ولقد أصبحت المعاملات المالية وإبرام العقود الرقمية عن بعد في البيئة الرقمية، من أهم المظاهر الجديدة للتعاقدات في شكلها الحديث - التي أخذت في التزايد بشكل ملحوظ - من خلال الرسائل على شبكة الأنترنت، أو ما يسمى بالمستندات أو المحررات الرقمية.
فقد شاع طويلا بأن التكنولوجيا محايدة ولا تأثير لها على القانون، وبأن العكس هو الصحيح، لكن الموضوعية تقتضي الاعتراف بالتأثير المتبادل بين الحقلين؛ إذ الملاحظ هو ظهور فرع قانوني جديد إثر كل تطور مهم للعلوم والتكنولوجيا بهدف تنظيم استعمالاتها والحد من مخاطرها.
ولا يفلت من هذا الاكتساح لا جوهر ولا شكل ولا إثبات، بحيث يمكن القول، في الوقت الراهن، إن العلوم والتكنولوجيا أصبحت مصدرا لإيجاد أو سن القانون.
ولم يكن تأثير الرقمنة على مجال التواصل بين الأفراد وتبادل التجارب والخبرات فحسب، بل شمل أيضا مجال المعاملات بصفة عامة، ومجال التعاقد على وجه التحديد.
وهكذا، ظفرت النظرية العامة للعقود منذ زمن بعيد بأهمية كبيرة، مكنتها من إرساء آليات متنوعة، وترسيخ مبادئ متعدد لضبط العقود في مختلف المجالات القانونية، من حيث التكوين والتنفيذ والانقضاء وغيرها، وطوال هذا الزمن، المتسم بالطابع التقليدي في التعاقد، تشبعت النظرية بمضامين خدمت القانون العقدي، نشأة وتطورا، في مختلف التشريعات، واغتنت بمقومات وأصول، قلما تجد لها نظير في نظريات قانونية أخرى.
كما أنه لم يكن من السهل إنكار هذه التعاملات القانونية أو تغيير مضمونها، وذلك لوجود توقيع يقر بصحة الكتابة التي تعبر عن مضمون تلك التعاملات، ومن ثم، لم تكن لتثور مشكلة في إثبات تلك التعاملات لدى القضاء، أو في التأكد من صحة التوقيع الذي يرد في المحرر، والوقوف على ما إذا كان مستوفيا لشروطه القانونية أم لا.
ومن هذا المنطلق، فقد تم استغلال الوسائل الرقمية المستحدثة في مجال المعاملات المدنية، بما هي أداة للتعبير عن الإرادة وإبرام العقود، بين عدة أشخاص - سواء أكانوا أشخاص طبيعيين أم اعتباريين - لا يوجدون في مكان واحد، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل امتد ليشمل تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه عبر هذا النمط الجديد من أنماط التعاقد الحديث، الذي اصطلح على تسميته التعاقد الرقمي.
وإلى جانب هذا، تستمر الرقمنة في اختراقها لكل ما هو كلاسيكي من قواعد المعاملات المدنية، فبعد أحكام التكوين والتنفيذ وكذا الوفاء طالت انعكاساتها أحكام الإثبات، هذا الأخير، تغيرت أحكامه بين عالم مادي ملموس وعالم افتراضي غير محسوس، واختلفت ضوابطه بما يتوافق مع خصوصيات البيئة الجديدة.
ولا تقف علاقة الرقمنة بالمعاملات المدنية عند هذا الحد؛ إذ نتج عنها ظهور مشكلات قانونية جديدة ما زالت لوقتنا الراهن مستعصية عن إيجاد حل لها من قبل الفقه والقضاء، وذلك بسبب القصور أو بالأحرى الاختلاف التشريعي الوطني والإقليمي والدولي، ولعل أبرز هذه المشكلات، مسألة تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي في منازعات المعاملات المدنية الرقمية ذات الطابع الدولي.
حيث جاء هذا النوع الحديث من التعاقد، لمواكبة التطور في المجال الرقمي، انطلاقا من اجتماعية القاعدة القانونية، وضرورة أن تعبر عن حاجات المجتمع ورغباته، فبدأ ذوو الاختصاص من أهل القانون بدراسة المسائل القانونية المتعددة والمتشعبة، ذات العلاقة بالاستخدامات المختلفة للرقمنة، لمواءمة ومواكبة القانون للتطور المتسارع، في هذا الشأن جاء الإشكال الرئيس الذي تم اختياره لدراسة هذا الموضوع، وتمحور حول إلى أي حد يمكن القول باستيعاب المعاملات المدنية لخصوصيات البيئة الرقمية؟
وعن هذا الإشكال الرئيس تتفرع جملة من التساؤلات المرتبطة به، أجملها في الآتي:
− فيم تتمثل خصوصيات المعاملات المدنية في تفاعلها مع الرقمنة نشأة وتنفيذا؟
− ما مدى كفاية قواعد المسؤولية العقدية العامة لحكم المسؤوليات الناشئة عن المعاملات المدنية الرقمية؟
− أي انعكاس أو تأثير للرقمنة على قواعد الإثبات المدني؟
− ما هي التحديات التي تواجه التسوية القضائية لمنازعات المعاملات المدنية الرقمية في ظل تعدد مناهج القانون الدولي الخاص؟
− مدى ملائمة إعمال ضوابط الاختصاص القضائي التقليدية في عقد الاختصاص في منازعات المعاملات المدنية الرقمية؟
− وبصفة مجملة، فلأي منهج يجب أن يخضع تنظيم المعاملات المدنية الرقمية؟ هل يتبع منهج القياس؛ أي تطبيق القواعد القانونية التقليدية على تصرفات الأفراد في هذه البيئة؟ أم أن هذه الأخيرة - وفقا لطبيعتها المختلفة عن سابقتها من وسائل الاتصال الأخرى- توجب تطبيق قواعد قانونية جديدة؟ أم استخدام كلتيهما معا؟