حكي من واقع الحدث:
ذات صباح مشمس وجميل من سنة 1960، غادر كالعادة، السي الفاطمي دواره الناتئ على إحدى تلال منطقة "لَمِّيسَاتْ" ببلاد أحمر، متوجها إلى عمله في منجم الباريتين بجبل إيغود على بعد 55 كلم من ميناء التصدير آسفي.
عند كل ضربة معول لتفتيت الصخور، لم يدُر بخلد السي الفاطمي ولو هنيهة واحدة، بأن هذا اليوم سيكون مشهودا، إذ سيعثر عاملنا المنجمي على جمجمة بشرية، اكتشاف وفتح مبين سيغير الكثير من المسلمات ويعيد ترتيب العديد من الأوراق.
انتظر السي الفاطمي يوم الخميس الموالي ليعرض اكتشافه على طبيب الشغل التابع لـ "كُبَّانِيَةّْ" المنجمية. ومن هنا كانت البداية لملحمة علمية قد تدنو قطوفها، إن لم تكن الآن فبعد حين لصالح ساكنة المنطقة وما جاورها.
أسباب النزول:
لم يكن النّبش في قصة جمجمة "إنسان إيغود" بالأولوية بالنسبة لي، مالم تقم الكلية المتعددة التخصصات بأسفي التابعة لجامعة القاضي عياض بتنظيم دورة أولى ناجحة لمؤتمر علمي دولي حول العلوم والمعارف الجيولوجية ومخرجاتها وذلك أيام 24-28 أكتوبر 2023 وذلك بمشاركة أكاديميين وبحاثة من 29 دولة.
كان من أهداف هذا المؤتمر العلمي الكبير المساهمة في تثمين التراث الجيولوجي المحلي في أفق خلق سياحة مستدامة دامجة.
هكذا، بعد يومين من المداخلات والأوراق الأكاديمية (كان لي شرف تقديم إحداها حول التراث اللامادي لمدينة أسفي)، تم تخصيص اليومين الأخيرين لزيارات ميدانية من أجل استكشاف مواقع واعدة من منظور المؤتمر.
وكان آخر موقع هو جبل إيغود صبيحة يوم السبت 28 أكتوبر 2023، حيث واصلت الجمجمة رحلتها لتصل إلى العالم الفرنسي Emile Ennouchi، وبعد دراسة علمية بالوسائل المتاحة وقتئذ نشر مقالة علمية سنة 1966 حدد فيها تاريخ "إنسان إيغود" بـ 30.000 سنة.
من بين 2004 و2016 قامت بعثة علمية أخرى من ضمن علمائها البروفيسور عبد الواحد بنصر (من المشاركين الأساسيين في هذا المؤتمر) باكتشافات أخرى، كما استفادة من التقدم التكنولوجي الذي مكنها من التأكيد خلال مقالة علمية صدرت شهر يونيو 2017 من أن "إنسان إيغود" كان عاقلا Homo sapiens كما دأب على صيد غزلان آدم (التي مازالت متواجدة بمحمية قريبة من الموقع) قبل 315000 سنة. مما يجعل من هذا الاكتشاف الأقدم من نوعه.
ماذا يمكن لإنسان إيغود تقديمه لمنطقة أحمر؟
تعتبر هذه المنطقة بمثابة "البطن الرخو" للمغرب نظرا لضعف مؤشرات التنمية البشرية بها. بيد أن "إنسان إيغود" يمكنه المساهمة في كسر طوق الفقر وتضييق مجال البؤس عن المنطقة وساكنتها حال توظيفه في إطار سياحة مستدامة.
في هذا الباب، كنت دوما من المدافعين عن هذا المفهوم الجديد للسياحة القائم على احترام ثقافة المكان والمحافظة على موارده الطبيعية مع أكبر إدماج ممكن للساكنة في الدورة الإقتصادية المنشودة.
أذكر في هذا الإطار بمشاركات متعددة في الأيام العلمية التي دأبت على تنظيمها الجمعية الدولية لتدبير السياحة المستدامة AIMTD بباريس بتنسيق مع CNRS حول صيانة وتثمين التراث المادي واللامادي ومن بينها:
- 2014 بجامعة برشلونة (إسبانيا) حول التراث البحري.
- 2015 تونس المعهد العالي: حول السياحة الدينية.
- 2016جامعة كيبك (كندا) :حول ترميم قصبة القائد عيسى بن عمر.
- 2019 جامعة سالفادور دي باهيا (البرازيل) :المهرجانات التراثية والصناعة الثقافية.
- 2022 جامعة بولينيزيا (تاهيتي): السياحة البحرية.
- 2023 جامعة كويينا التراث اللامادي المحلي: حماية، توثيق، تثمين.
انطلاقا من هذه الأرضية، أرى أنه بإمكان مغارة جبل إيغود وكل مكونات منطقة أحمر (وهي كثيرة) أن تشكل من خلال السياحة المستدامة والدامجة فرصة لتطور المنطقة وخلق فرص شغل لشبابها من خلال تسويق مجالي ينطلق من:
1- التحفيز (سلطات، منتخبين، مجتمع مدني، فعاليات ثقافية....).
2- التشخيص: (دور فرق البحث الجامعية).
3- وضع الخطط: (الإدارة، المجالس....).
4- التنفيذ
5- التقويم
قد تصبح مغارة إيغود محطة في مزار، مركزا للترويح عن النفس، سوقا لعرض المنتجات المحلية ولم لا كفضاء للإبداع قد نرى فيه عبر تقنية Réalité augmentée
السي الفاطمي مخاطبا الجمجمة على طريقة هاملت.
الدكتور سعيد لقبي/ الكلية المتعددة التخصصات آسفي/ جامعة القاضي عياض.