بعدما كانت عبدة ودكالة تؤلفان كيانا قبليا واحدا، تمتد مضاربه ما بين نهر أم الربيع شمالا وواد تانسيفت جنوبا، انفصلت بلاد عبدة مشكلة إتحادية تضم عدة قبائل أو كيانا قبليا مستقلا، صار يعرف باسم "دكالة الحمراء" تمييزا له عن باقي دكالة التي حملت بالمقابل اسم "دكالة البيضاء"، ويعود السبب في ذلك التمزق والإنقسام والإستقلال، إلى انعكاسات الصراع السياسي الدموي الذي عرفه المغرب عقب وفاة السلطان إسماعيل العلوي سنة 1727م ، والذي يعرف ب "أزمة الثلاثين سنة"، ففيها عاش المغرب صراعات وحروبا بين أبناء السلطان إسماعيل على السلطة، أدت إلى اكتواء عدد من القبائل بلهيبها، ومن أمثلة ذلك قبيلة دكالة الكبرى، فقد انقسمت بين تأييد أخوين متصارعين من أبناء السلطان إسماعيل. حيث أيدت دكالة المستضيء وأيدت عبدة أخاه عبد الله، ليجر ذلك دكالة وعبدة إلى عداوة وإلى حرب طويلة ومهلكة، كان من بين أحد فصولها المكر بقبيلة عبدة، باستدراجها لسلام كاذب، حيث ذهب مائة من وجهاء عبدة بينهم أحفاد الشيخ أبي محمد صالح ومعهم كسوة ضريحه، فلما وقفوا بين يدي المستضيء أمر بقتلهم جميعا وأعطى خيلهم وسلاحهم للحاضرين من وجهاء دكالة، لتتأجج الحرب بين القبيلتين وتعاني دكالة الكثير من مضاعفاتها وويلاتها، مما حملها على طلب السلم من عبدة، وحتى يتحقق الصلح هذه المرة، فإنها قصدت أحد أبرز أبناء ومنتسبي ورواد الزاوية الشرقاوية بأبي الجعد، هو العالم والصوفي محمد المعطَى بن الصالح الشرقاوي، المشهور بمؤلفه : "ذخيرة المحتاج في الصلاة على صاحب اللواء والتاج".
وعن وساطته لإصلاح ذات البين بين دكالة وعبدة، نورد نصا للفقيه الكانوني، جاء فيه بالحرف: "... وقد كانت بين دكالة وعبدة حروب عديدة وتوالى عليهم القحط وانقطعت السبل بهم، حتى ذهبت دكالة للولي الصالح سيدي المعطي بن صالح مؤلف الذخيرة، ونزلوا عليه شهرا رجالا ونساء، يرغبونه في القدوم إلى بلادهم، فلم يزالوا حتى جاء ودخل أزمور ودكالة، وكان لدخوله رنة فرح وسرور، فوعظهم وزجرهم عن الخوض في الفتن والحروب، فأجابوا لذلك، فطلب منهم أن يصحبه الفقهاء والأعيان للدخول معه لعبدة، فصحبوه، فدخل عبدة ثم آسفي، فعقد معهم الصلح بين الفريقين سنة 1153هـ (موافق 1740م)، على أن ترك بينهم بلادا تعرف بالمحرومة لا يحرثها أحد، وأطفأ الله نيران الفتنة، وترك أصحابا وأتباعا بآسفي ورجع جزاه الله خيرا).
وبعد سنوات من السلم القبلي بين دكالة وعبدة، ظهرت العداوة مجددا إلى السطح زمن القائد عيسى بن عمر العبدي وبالتحديد زمن ثورة ولاد زيد، حيث ذكر المؤرخ أحمد الصبيحي في كتابه : (عيسى بن عمر العبدي وفظائعه) بأن القائد عيسى بن عمر كان يقرب غير قبيلته من قبيلتي دكالة وأحمر، وكان يمدهم بالسلاح والخيل، في حين كان ينتزع من قبيلته عبدة خيلهم وسلاحهم، وهذا كان الشرارة التي أشعلت فتيل ثورة ولاد زيد،كما أنه لإخماد ثورة ولاد زيد استعان يوم واقعة (الرفسة) بالقائدين الدكاليين، القائد إبن علال والقائد الحاج مبارك بن بوشتة. وهذا أيضا كان سببا في تأجج العداء بين دكالة وعبدة، وليس كما يعتقد البعض أن العداء بين دكالة وعبدة سببه بئر كما تروج له بعض الروايات الشعبية.
- المصادر التاريخية:
- المؤرخ إبراهيم كريدية
- (عيسى بن عمر العبدي وفظائعه) للمؤرخ أحمد الصبيحي
- (عيسى بن عمر العبدي وفظائعه) للمؤرخ أحمد الصبيحي