من الصعب أن تحبك الكاميرا وإن أحبتك فهي تعطيك كل ما في جعبتها، لكن بشرط أن تبادلها أنت أيضا بالحب وأن تعطيها كل ما في جعبتك، فالممثل المحترف والموهوب لا يكفيه حب الكاميرا له بل يجتهد ويثابر ويطور من نفسه في كل وقفة يقفها أمامها حتى يبرهن لنفسه قبل الجمهور بأن حب الكاميرا له لم يأتِ من فراغ، وأن موهبته أساس نجاحه وهي تكملة لهذا الحب.
قليلون هم الممثلون الذين يجمعون بين حب الكاميرا والموهبة الحقيقية، الفنان الراقي كريم عبد العزيز من هؤلاء، فقد أثبت منذ انطلاقته الأولى بأنه ليس ذاك الممثل الصدفة الذي وجد نفسه فجأة داخل الوسط الفني بفضل أبيه المخرج محمد عبد العزيز، بل هو ذاك الشخص الذي اقتحم مجال التمثيل وهو كله طموح وإرادة لتحقيق الأفضل في كل عمل يشارك فيه، فمن أول عمل له الى آخر عمل سيجد المُشاهد فرقا وتميزا ونضجا في الأداء، فلم يكتفِ بموهبته وذكائه اللذين أهَّلاه للارتماء بين أحضان الكاميرا، بل كافح وواظب وداوم على صقل قدراته هذه وجعلها أكثر دينامية وليونة للتأقلم مع كل شخصية يؤديها.
كريم عبد العزيز لم يستسلم ولم يكتفِ بجنس معين من التشخيص فهو ذاك ''الجوكر'' القادر على ارتداء كل الألوان واللعب على كل الحبال مهما كان طولها وسمكها، فالأدوار الدرامية تلبسه ويلبسها، والأدوار الكوميدية تناسبه ويناسبها، والأدوار المركبة الصعبة تتمكن منه ويتمكن منها... فهو يتماهى وينصهر داخل كل نوع من أنواع التشخيص مهما كانت صعوباته وتعقيداته و تشعباته، وهكذا تنوعت أعماله بشخصياتها المختلفة المؤسّسة لفنان حقيقي يجمع بين نجم شباك ومبدع في التمثيل والتشخيص، فكريم عبد العزيز في فيلم محطة مصر ليس هو في الفيل الأزرق مثلا، وليس هو في خارج على القانون، وليس هو في حرامية فى تايلاند، وليس هو في فيلم كيرة والجن، ولا في آخر دور له في فيلم بيت الروبي الذي يعرض الآن في القاعات السينمائية ويحقق سبقا وأرباحا مهمة ضمن أفلام عيد الأضحى، ففي كل عمل من هذه الأعمال يتلون ويتحول ويبدع في تركيب أجزاء شخصياته بما تتطلبه من أبعاد درامية أو كوميدية...
ففي أدواره الدرامية يقنعك بانفعالاته التعبيرية الجادة والصادقة النابعة من عمق الشخصية المخزنة داخله، أما أدواره الكوميدية فهي بعيدة كل البعد عن السذاجة المبتذلة، فكلها تصبّ في كوميديا الموقف التي لا علاقة لها بكوميديا البهلوانات والايفيهات الركيكة والسخيفة التي ينتهجها البعض، وهكذا كسب كريم عبد العزيز على مدار عشرين سنة من الحفر والصقل، معركته مع نفسه ومع جمهوره وأثبت لها ولهم بأنه ليس ممثلا بالصدفة، بل ممثل جاد ومبدع قادر على الإبداع والعطاء وهو يستحق فعلا كل تقدير واحترام حظي أو سيحظى بهما من جمهوره.