الأربعاء 27 نوفمبر 2024
في الصميم

عبد الرحيم أريري: حتى لا يبقى المغرب دركيا يحرس مصالح أوربا الاستعمارية

عبد الرحيم أريري: حتى لا يبقى المغرب دركيا يحرس مصالح أوربا الاستعمارية عبد الرحيم أريري
في كل يوم ينتشر 11 ألف فرد من عناصر القوة العمومية على طول سواحل المغرب، لحراستها من تسلل المهاجرين وحمايتها من وباء الشبكات الإجرامية العابرة للقارات. وهذا العدد يمثل تقريبا 3 في المائة من مجموع الموارد البشرية العاملة في سلك القوة العمومية بالمغرب (شرطة، درك، قوات مساعدة، جيش، جمارك)، وهو عدد يكلف سنويا خزينة البلاد ما يقارب 66 مليون درهم شهريا، أي ما يعادل 800 مليون درهم كأجور تصرف سنويا على هذه الفيالق من حراس السواحل المغربية على طول 2800 كلم. 
 
معنى هذا أن المغرب يقتطع في كل يوم 2.191.780 درهم من حاجياته الأساسية الملحة، للحيلولة دون أن «تتسخ» أرض أوروبا «الطاهرة» بأقدام المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء. علما أننا لم نحتسب مصاريف الطائرات والسفن والزوارق والمحروقات وعتاد الاتصال اللاسلكي والمقرات المبنية وما شاكل ذلك، إذ لو أدمجنا هذه المعطيات فلي اليقين أننا سنصطدم برقم مهول.
سرد هذه الأرقام ليس من باب الاستجداء، لأن حماية الحدود وحراسة البلد من أخطبوط شبكات تهريب المخدرات والاتجار في البشر، واجب سيادي ومفروض أن تقوم به الدولة، وإلا فقدت شرعيتها ومشروعيتها، بل إن السرد أملته مفارقة فاضحة آلمتنا. إذ في الوقت الذي أعلن المغرب انخراطه في القيم الكونية لحماية حقوق المهاجرين فوق ترابه بالنظر إلى أنه دولة مصدرة أيضا لـحوالي 6 ملايين مهاجر مغربي موزعين على مختلف دول العالم، نجد الأوروبيين، وهم المستفيدون الأوائل من نعمة السياسة العمومية المغربية الجديدة في مجال الهجرة، لم يساهموا إلا بحوالي 70 مليون أورو (ما يعادل 80 مليار سنتيم)، وهو المبلغ الذي لا يكفي لشراء فرقاطة بحرية واحدة حتى، فبالأحرى أن يسمح المبلغ بالصيانة وتأمين مصاريف التسيير. والأفظع أن هذا المبلغ لا يسلم كل سنة، بل سلم مرة واحدة أومرتين على أبعد تقدير.. علما أن المغرب فكك أزيد من 2400 شبكة إجرامية مختصة في الاتجار وتهريب البشر نحو أوروبا منذ عام 2004 إلى اليوم، ومول من الخزينة العامة عودة 14 ألف من المهاجرين غير الشرعيين إلى أوطانهم عبر الطائرة.
 
إن محاربة الهجرة غير الشرعية لها كلفة مالية باهظة، بدليل أن دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة خلقت وكالة خاصة لمراقبة حدودها (Frontex) ورصدت لها غلافا ماليا بقيمة 676 مليون أورو، مع تجهيزها بأحدث الطائرات (22 طائرة) وبأسرع الهيلوكبتر (25 وحدة) وبآخر صيحات السفن الحربية (113 سفينة)، مع مراعاة طبيعة تدفقات الهجرة على هذا البلد أو ذاك، لدرجة أن كلفة حماية كيلومتر واحد من فضاء شنغن على طول الحدود السلوفاكية الأوكرانية مثلا يكلف مليون أورو في السنة.
 
- نعم، المغرب دولة تميزت عبر تاريخها بانصهار الأعراق والإثنيات القادمة من كل حدب وصوب.
- نعم، المغرب عرف على مر التاريخ هجرات عديدة: العرب الفارين من بطش العباسيين والعرب الفارين من مذابح الكاثوليكيين بالأندلس والأفارقة الفارين من قحط الجنوب واليهود الفارين من إرهاب محاكم التفتيش...
- نعم، المغرب ملتزم بالصكوك الدولية لحقوق الإنسان وبالمواثيق العالمية الضامنة لكرامة الإنسان واحترام آدميته وتمتيعه بحقوقه الدنيا بدون تمييز، ويعد المغرب من الدول الأولى التي صادقت على اتفاقية جنيف وبروتوكولها.
لكن، ولابد من لكن، ينبغي على المغرب أن يخرج من دائرة الباحث عن مشروعيته في النادي الأممي، ليدخل بقوة إلى دائرة الموزع لصكوك المشروعية.
وأول خطوة في ظننا هي أن يفاوض المغرب المنظومة الأممية ( الأوربيين الاستعماريين بالأساس)، لتمول وتزيد من التمويل الضروري، حتى لا يبقى المغرب مجرد دركي حارس لمصالح الأوربيين على حساب المصالح العليا للمغاربة.