الأحد 19 مايو 2024
اقتصاد

رشيد حسناوي: هذه أسباب التضخم بالمغرب والحلول أمام الحكومة لإطفاء لهيب الأسعار

 
 
رشيد حسناوي: هذه أسباب التضخم بالمغرب والحلول أمام الحكومة لإطفاء لهيب الأسعار رشيد حسناوي
على ضوء التصريحات الأخيرة للمندوب السامي للتخطيط، أحمد لحليمي، عقب قرار بنك المغرب رفع سعر الفائدة، والذي أكد على أن التضخم محلي وليس مستورد وأن سببه ضعف الإنتاج الداخلي وارتفاع المواد الغذائية، أجرت "أنفاس بريس" حوارا مع  الدكتور رشيد حسناوي، أستاذ باحث في الإقتصاد وتدبير المنظمات - كلية الاقتصاد والتدبير، بجامعة إبن طفيل القنيطرة.
وأوضح محاورنا أسباب تفاقم معدل التضخم بالمغرب، مبرزا  أن هذا الإجراء الذي اتخذه بنك المغرب من شأنه أن يفاقم الركود (أصلا معدل النمو سنة 2023 لن يتجاوز 2 في المائة حسب التوقعات) وسيضر بالإستهلاك والاستثمار، وسيرفع من تكلفة تمويل المشاريع وبالتالي سينعكس هذا التوجه  سلبا على مجموعة من القطاعات الإنتاجية الوطنية وسيغذي القطاع غير المهيكل.
 
ما تعليقك على الخرجة الإعلامية  للمندوب السامي للتخطيط، أحمد لحليمي، عقب قرار بنك المغرب، والذي أكد على أن التضخم محلي وليس مستورد وأن سببه ضعف الإنتاج الداخلي وارتفاع المواد الغذائية، في حين صرحت الحكومة  في أكثر من مناسبة أن التضخم مستورد وان ارتفاع الأسعار يعود إلى أزمة اوكرانيا وما بعد الجائحة..؟ هل تتفق مع ما ورد في تصريحات لحليمي؟
فعلا التضخم فيه جانب يتعلق بالظرفية الاقتصادية الدولية خاصة الحرب على أوكرانيا وتداعياتها على الاقتصاد الوطني، وهنا المشكلة تتلخص في عاملين أساسيين: 
العامل الأول هو ارتفاع سعر المواد الأساسية التي يتم استيرادها من السوق الدولية إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل واللوجستيك. فمثلا ارتفع سعر النقل عبر البحر من 5000 دولار للحاوية الواحدة (Conteneur) من الصين إلى المغرب سنة 2019 إلى أكثر من 18000 دولار  سنة 2022.
العامل الثاني: هو مسألة التعويم الجزئي للدرهم الذي أدى إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار، وهذا ساهم كثيرا في ارتفاع ثمن الواردات وتدهور القدرة الشرائية لدى المواطن البسيط والطبقة العاملة من الأجراء في القطاعين العمومي والخاص.
أما الجانب الثاني في التضخم فهو كما أشرتم سببه داخلي. وكانت المندوبية السامية للتخطيط أكثر وضوحا في تصريحها الأخير التي أكدت أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية راجع بالأساس إلى قصور السياسة الفلاحية التي لم تستطع ضمان الأمن الغذائي للمغاربة رغم استهلاك ميزانيات ضخمة. بالإضافة كذلك إلى سوء التدبير والتخطيط، نضيف أيضا سوء التقييم لأن الإشكال الحقيقي ببلادنا هو أن جل السياسات والبرامج العمومية، بما فيها تلك الموجهة للقطاع الفلاحي، لايتم تقييمها تقييما علميا يعتمد على أدوات قياس الأثر على المستفيدين. فالسياسة الفلاحية في السنوات العشرين الأخيرة أعطت الإمتيازات لكبار الفلاحين المستغلين للضيعات الكبرى الموجهة للتصدير على حساب الفلاحات المعيشية الموجهة للاستهلاك الداخلي.

بخصوص قرار بنك المغرب رفع سعر الفائدة الرئيسي، هل تعتقد أن السياسة النقدية تكفي لوحدها لكبح التضخم، علما أن الزيادة في معدل النمو والزيادة في مناصب الشغل لا يستقيمان مع رفع سعر الفائدة الرئيسي وتداعياته؟
كما أشرتم، صحيح أن من بين الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الأسعار هو نقص في العرض الداخلي من المنتوجات بسبب التصدير أولا، ثم بسبب المضاربة وافتعال الأزمة من طرف الوسطاء والسماسرة مدعومين بطبيعة الحال ببعض كبار الموظفين بالإدارة العمومية الذين يتفننون في الاحتيال على المواطن وعلى السلطات المكلفة بمراقبة الأسعار.
هذا النوع من التضخم لا يمكن التعامل معه بتفعيل آليات السياسة النقدية المتشددة بالرفع من سعر الفائدة الموجه كما قام بذلك البنك المركزي بهذف خفظ المعروض النقدي وكبح جماح الإستهلاك. من المؤكد أن  هته السياسة النقدية تكون مناسبة جدا حينما يكون التضخم راجع إلى ارتفاع الطلب بسبب الزيادة في كتلة النقود أو ما يسمى النظرية الكمية للنقود نسبة للإقتصادي ميلتون فريدمان Milton Friedman (1912-2006). وطبقا لهته النظرية: "التضخم هو دائما وفي كل مكان ظاهرة نقدية بمعنى أنه لا يمكن أن يتولد إلا عن طريق زيادة كمية النقود بشكل أسرع من الإنتاج". لذلك فإن تحليل هذا العالم الإقتصادي، مؤسس مدرسة شيكاغو، هو جزء من سياق الحقبة التي تميزت بارتفاع معدلات التضخم في الدول الغربية في السبعينات من القرن الماضي لا سيما في أعقاب الصدمات النفطية سنوات 1973 و 1979، فقد أوصى فريدمان بمحاربة التضخم باعتماد آلية التخفيض من الكتلة النقدية والرفع من أسعار الفائدة. هذه السياسة قادها  Paul Volcker على رأس البنك الفيدرالي المركزي سنة 1979 وقد مكنت فعلا من خفض التضخم من 13.5 في المائة سنة 1981 إلى 3.2 في المائة فقط سنة 1983. بالمغرب الواقع الاقتصادي مغاير تماما ونظرية فريدمان لا تهمنا كثيرا لأننا نعيش سياقا مغايرا، وقرار الرفع من سعر الفائدة في اعتقادي غير صائب لأن الطلب غير مرتفع والغلاء تحكمه اعتبارات أخرى أكثر واقعية هي التي تؤجج هذا الارتفاع في الأسعار وتؤدي إلى تفاقم الأزمة. هذا الإجراء الذي اتخذه البنك المركزي المغربي من شأنه أن يفاقم الركود (أصلا معدل النمو سنة 2023 لن يتجاوز 2 في المائة حسب التوقعات) وسيضر بالإستهلاك والاستثمار، وسيرفع من تكلفة تمويل المشاريع وبالتالي سينعكس هذا التوجه  سلبا على مجموعة من القطاعات الإنتاجية الوطنية وسيغذي القطاع غير المهيكل.

ماهو المطلوب إذن من الحكومة حول مراجعة سياستها الاقتصادية، لاسيما في نهج هيكلة جديدة لنمط الاقتصاد المغربي والانتاج وتوفير الأمن الغذائي للمغارية؟
هناك عدة جوانب يجب التركيز عليها في هته الأزمة. أولا: هناك الجانب الأخلاقي والتوعوي، وهذا يتطلب نفسا طويلا وبرامج عمل على المدى المتوسط والبعيد. وهنا نوصي الحكومة بالدفع في اتجاه أن يتوفر جميع المتدخلون في سلاسل الإنتاج والتوزيع على ميثاق أخلاقيات يضم القواعد والقيم والمواقف الإنسانية والمعايير التي يجب تطبيقها على صعيد كل حلقة من الحلقات ليكتسي النشاط طابعاً مهنيا، وهذا لا يمكن تطبيقه إلا بتنظيم جميع المهن. لأنه عندما يتم تنظيم المهنة تصبح الأخلاق علما من علوم الواجبات، وتسيطر على أفعال وسلوك أعضاء المهن. إذن مشكل التضخم ليس مشكل العرض والطلب فقط ولكن مشكل أخلاقي وتحول قيمي في المجتمع المغربي، إذ تحاول بعض الفئات أن تصبح غنية بدون أدنى جهد وفي وقت قياسي.
ثانيا: الحكومة ملزمة بابتكار آليات ذكية بعيدا عن المذهب النيوليبرالي. فالرفع من مستوى العرض شيء مهم وضروري بالاعتماد مؤقتا على آلية الإعفاء من الرسوم الجمركية عند الإستيراد، ولكن هذا الإجراء لا يمكن أن يكون مستداما لأنه ببساطة يؤدي إلى تآكل الاحتياطات من العملة الصعبة وتغذية عجز الميزانية نتيجة نقص الموارد الضريبية والجمركية.
ثالثا: يجب التأكيد على أن الأزمة التي نعيشها اليوم جاءت كنتيجة لطبيعة السياسات العمومية المعتمدة ببلادنا والتي تركز على تشجيع استيراد الكماليات وعلى الاستهلاك والاستثمار التفاخري عوض التركيز على توفير الغذاء والمواد الأساسية في إطار الاكتفاء الذاتي. لذلك يجب على الحكومة أن تعطي المثال وأن تكف عن إذكاء ثقافة التضخم وأن تقوم الإدارات  باستهلاك المنتوج المحلي في إطار المشتريات العمومية عوض المنتوجات المستوردة ذات قيمة كبيرة خاصة سيارات الخدمة.
ومن هنا نؤكد على ضرورة تعزيز ثقافة الاقتصاد في الإستهلاك ومحاربة كل أشكال التبذير، لأن تجديد الثقافة الاستهلاكية سيكون لها تأثير إيجابي على انخفاض الأسعار وسيعوض جزئیا تبعات الحرب الأوكرانية ومشكل الجفاف وارتفاع أسعار الطاقة.
الجانب الرابع من الحلول: هو الرفع من منسوب التواصل العمومي،و نقصد بذلك التواصل الرسمي الذي يهدف إلى تبادل المعلومات ذات الصلة بالمصلحة العامة وكذلك تعزيز الـثقة والحفاظ على الروابط الاجتماعية. وهنا يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في ممارسة التواصل قيم خدمة الصالح العام وتزويد المواطن بالمعلومة وبأسلوب بيداغوجي يساعد على تغذية وعيه السياسي والاقتصادي والمؤسساتي. أيضا، السلوك الشخصي للمكلف بالتواصل العمومي مهم جدا نظرا لإنعكاس هذا السلوك على صورة المؤسسات العمومية في إطار ممارسة المسؤولية. فالتواصل العمومي يجب أن يكون مطبوعا بالشفافية لأنها مطلب المواطن، والمشاركة في الحياة السياسية يعني مشاركة المعلومة مع المواطن ورفع اللثام عن الواقع وقول الحقيقة. ايضا، الشفافية مطلب من مطالب الصحافة والإعلام الذي يلعب دورا أساسيا في الكشف عن مكامن القوة والضعف في السياسات العمومية.
 وأخيرا لا يجب أن ننسى مسألة تكثيف عمليات المراقبة وزجر  المخالفات لأن نسبة كبيرة من الزيادات في الأسعار مشكوك في أمرها وهي غير مبررة على الإطلاق، لأن رغم الزيادة في تكاليف الإنتاج المتعلقة بالطاقة والنقل و ما إلى غير ذلك، تبقى بعض الزيادات مبالغ فيها، لأن الطماطم لا يتم إنتاجها في أوكرانيا...