الثلاثاء 19 مارس 2024
تكنولوجيا

المخدرات الرقمية... خطر خفي لم يتم الاعتراف به عربيا

المخدرات الرقمية... خطر خفي لم يتم الاعتراف به عربيا المخدرات الرقمية عبارة عن ملفات صوتية يتم سماعها عن طريق مواقع إلكترونية معينة
من دون وجود كيان مادي ملموس، فلا أدوية يتم تعاطيها أو استنشاقها أو حقن الجسم بها، لكنها تبقى تحاكي مفعول المخدر المادي، تلك هي المخدرات الرقمية (Digital Drugs)، مفهوم ارتبط مع الحياة المعاصرة والعالم الافتراضي الذي استحوذ على حياة الناس وربطهم بشبكة اتصال عنكبوتية يتم من خلالها التسويق للمخدرات الرقمية لأي مكان في العالم.
فلن يحتاج المتعاطي للمخدرات الرقمية إلى مواد مثل الهيروين أو الكوكايين أو الكريستال ميث أو أي مادة مخدرة أخرى، يكفي أن تتوفر لديه خدمة الإنترنت مع سماعات للأذن يستمع من خلالها إلى ملفات صوتية تترافق أحياناً مع مواد بصرية وأشكال وألوان متحركة تتحرك وتتغير وفق هندسة مبرمجة لخداع الدماغ عن طريق بث أمواج صوتية مختلفة التردد في كل أذن تصل بمن يستمع لها لإحساس معين يحاكي إحساس أحد أنواع المخدرات التقليدية.
المخدرات السمعية
المتخصص في الإرشاد النفسي عبدالله سافر الغامدي يصف المخدرات الرقمية بأنها "خطر يزحف إلى بيوتنا عبر مواقع الإنترنت لتبحث عن فرائسها لتدمر الصحة وتسلب الوقت وتضعف النشاط".
ويرى الغامدي أن أغلب الدول لا تعترف بوجود هذا النوع من المخدرات التي يصنفها بأنها مخدرات سمعية عكس المخدرات التقليدية التي توصف بأنها مخدرات كيماوية ويتم الكشف عنها بإجراء التحاليل.
وقال، إن المخدرات الرقمية هي عبارة عن ملفات صوتية تحتوي على نغمات يستمع لها الشخص وتحتوي على موجات تتلاعب بكهرباء المخ وتجعله بحالة من الخدر تشبه تعاطي المخدرات الحقيقية "فهي نوع خاص من الموسيقى ترتكز على مبدأ الطنين والنقر لتعطي صاحبها شيئاً من البهجة والمتعة".
كيف تعمل المخدرات الرقمية؟
المخدرات الرقمية عبارة عن ملفات صوتية يتم سماعها عن طريق مواقع إلكترونية معينة ويتم تعاطيها عن طريق سماع النغمات ووضع سماعات في كلتا الأذنين، فالإيقاعات الموسيقية الصادرة من هذه الملفات تكون متباينة بين الأذنين، ومن خلال العصب السمعي تنتقل الإشارات المدركة سمعياً إلى الدماغ لتؤثر على مستوى التفاعل الكهروكيماوي للنواقل العصبية بين خلال الدماغ والجهاز العصبي.
في هذا الصدد، يوضح أخصائي العلاج النفسي ناصر بن راشد الغداني أن الأمواج الصوتية التي يستمع إليها كمخدرات رقمية تكون مختلفة التردد، فمثلاً "لو تعرضت الأذن اليمنى إلى موجة 325 هرتز واليسرى إلى موجة 315 فيقوم الدماغ وبشكل أوتوماتيكي على توحيد الترددات بين الأذنين للوصول إلى مستوى واحد، فمحاولة الدماغ توحيد الترددين المبثوث في كلتا الأذنين للحصول على مستوى واحد من الصوت يؤدي لحدوث اضطراب في وظائف الدماغ".
تحتاج المخدرات الرقمية إلى أجواء خاصة بها للحصول على التأثير المرغوب والنشوة كالانزواء في غرفة منفردة والاسترخاء وتغطية العينين وهي تحاكي في تأثيرها المخدرات التقليدية التي يتم تعاطيها عن طريق الفم أو الحقن أو الاستنشاق، فيمكن للمخدرات الرقمية أن تحدث ذات الأثر المترتب على تعاطي الكوكايين من نشوة وتأثير نفسي من خلال بث ترددات معينة تحضر إشارات معينة في الدماغ من شأنها أن تحدث تأثير المخدر الحقيقي نفسه لو تم تعاطيه.
نتائج اضطراب الدماغ
الخلل الذي تسببه المخدرات الرقمية في الدماغ تنتج عنه أعراض انفعالية، كما يتأثر النشاط الاجتماعي للمتعاطي. ويقول الغداني "بسبب ما يحدث من تداخل حسي ينشب عنه تهيج الدماغ بدرجتين متضادتين تتراوح بين العصبية والانبساطية بدرجة تسبب المتعة والعبث بالحالة الانفعالية مما يتسبب في إفراز هرمون الدوبامين وهو هرمون السعادة، بينما تسبب العصابية إفراز هرمون الأدرنالين والنورادرنالين وهو هرمون الانقباض والخوف وتوقع المخاطر".
وأضاف أن "إفراز هرمونيين في وقت واحد قد يسبب تسمماً دموياً وصدمة عصبية تؤدي بالفرد إلى التشنج، كما تؤدي الازدواجية وتضارب الانفعال بين الانقباض والحزن والكآبة الشديدة والفرح والسعادة والبهجة إلى حالة الاكتئاب الانفعالي (ثنائي القطب) أو الاكتئاب الهوسي، وعليه فإن العقل يحاول جاهداً إيجاد التعادل بين الترددين، فيرهق الدماغ في محاولة لإعادة ضبط نصفيه".
أما على مستوى السلوك العام للمتعاطي، فإنه سيصاب بخلل في العمليات الانفعالية والمعرفية كالأداء الوظيفي للذاكرة والقدرات الانفعالية والمعرفية وضعف التركيز ونقص الانتباه وفرط النشاط والحركة ونقص القدرة على الفهم والاستيعاب والإدراك وكذلك العزلة الاجتماعية.
الإدمان الخفي
جوزيف شارل حواط رئيس جمعية جاد، وهي أول جمعية عربية للحد من المؤثرات العقلية تأسست عام 1981 يصف الإدمان على المخدرات الرقمية بأنه "الإدمان الخفي"، فهذا النوع من الممكن أن يتعاطاه المراهق في غرفته ومع صديقيه ومن دون وجود مواد ملموسة لذلك يصعب اكتشافه، وهناك مواقع إلكترونية مجانية تروج للمخدرات الرقمية بنفس أسماء المخدرات التقليدية (الهيروين والكوكايين) لكي تكون وسيلة لجذب المراهق إليها.
وفي السياق ذاته، يشير الغداني إلى أن الباحث حول معرفة المخدرات الرقمية يقف دائماً في حالة من التعجب الكبير إزاء الحيل والأساليب الخداعية لمروجي هذه الأنواع "يوماً بعد يوم نكتشف أشياء جديدة لإغواء الشباب وإيقاعهم في هذا الإدمان الخطر، فالمروجون يدخلون بعض التسميات الجذابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي قد تستقطب صغار السن والمراهقين والشباب التي تجذبهم لإدخال البهجة ونسيان همومهم مثل تسميات (الوناسة) أو (المنسية)، أو بتسميات تستوحي لذة الطعم وجمال المنظر مثل (الفراولة) أو (البرتقالة) وغيرها، وبعضها يرتبط بالقوة والنشاط والحيوية وبعضها بالإغراءات".
العالم العربي
يرى حواط أن بعض الدول العربية لا تريد الاعتراف بوجود هذا النوع من المخدرات مع أنه موجود عالمياً، وإذا بقينا نتجاهله سيكون هو "المخدرات المستقبلية" التي ستستخدم بكثرة، مشيراً إلى غياب وجود مدمنين في العالم العربي على المخدرات الرقمية، لكن ما يوجد هو متعاطون وبعد برهة من الزمن سنصل إلى مرحلة الإدمان.
يعتقد البعض أن ما تسببه المخدرات الرقمية من خلل في كيمياء الدماغ هو موضوع مبالغ به، فلا توجد دراسات علمية مؤكدة صحة هذه المعلومات، وهذا ما يذهب إليه الأخصائي النفسي والمعالج فاروق جهلان، الذي يرى أن موضوع المخدرات الرقمية مبالغ فيه ولا توجد دراسات تؤكد حقيقة ما تقوم به هذه الملفات الصوتية التي ترسل موسيقى بذبذبات مختلفة في كلتا الأذنين.
يرى جهلان أن الناس تتعلق نفسياً بظاهرة المخدرات الرقمية عندما تصل لها معلومة بأن هذه الملفات هي مخدرات بديلة عن المخدرات الحقيقية، فالتعلق النفسي بهذه الفكرة تجعل المتعاطي لهذه الملفات يتخيل أنه يتعاطى مخدرات بديلة عن المخدرات الحقيقية.
وهؤلاء الأشخاص غالباً ما تكون لهم القابلية للإيحاء ويعانون مشكلات نفسية ويرغبون بالانفصال عن الواقع وغالباً من يستقبل هذه الملفات فئة المراهقين الذين لديهم الرغبة في تجربة أي شيء جديد "الناس التي ليس لديها ميل للإدمان لن تؤثر عليهم هذه الملفات الصوتية، على العكس من الفئة التي لديها الاستعداد للإدمان فتبدأ بالتفاعل نفسياً مع هذه الملفات على أنها مخدر حقيقي".
التبعية النفسية
تخلق هذه المخدرات التبعية النفسية وليست الجسدية، كما يوضح حواط، الذي يرى أن حالات الإدمان على المخدرات الرقمية من الممكن معالجتها عند معالج نفسي فهي لا تحتاج إلى أدوية أو الدخول إلى مستشفيات.
وفي السياق ذاته، يرى الأخصائي النفسي ناصر بن راشد الغداني أن الشفاء من المخدرات الرقمية يحتاج إلى وضع خطة علاجية مناسبة لكل حالة من الحالات التي قد تتضح مشكلتها من خلال المقابلة العلاجية، ويمكن للمعالج أن يضع برنامجاً علاجياً لا يقل عن 14 جلسة، على أن يخضع المريض قبل الجلسات العلاجية إلى جلسات توعوية ووقائية متمثلة في إيضاح مخاطر المخدرات الرقمية، كما يمكن إخضاع المريض إلى جلسات العلاج المعرفي السلوكي.
بينما يرى أستاذ علم النفس الاجتماعي والسياسي حيدر الجوراني أن هنالك دراسات أشارت إلى ثمة تأثيرات إيجابية تحصل نتيجة هذه النوع من التعاطي السمعي (المخدرات الرقمية)، كتخفيف الآلام وخفض القلق والتوترات، لكن بالوقت نفسه تشير دراسات أخرى إلى أن هذا النوع قد يكون عاملاً مساعداً من خلال مزج تعاطي المخدرات التقليدية كالعقاقير والماريجوانا مع المخدرات الرقمية لغرض تجديد تجربة التعاطي بشكل مزدوج، الذي يشكل تجربة جديدة للمتعاطي أي إنها قد تمثل عاملاً مساعداً لديمومة التعاطي التقليدي.
أنواع المخدرات الرقمية
كما هي الحال مع المخدرات التقليدية فللمخدرات الرقمية أنواع عدة وهو ما يشير إليه الغداني، فهناك الأسطورة البلورية Crystal myth وهي نوع من النغمات الهادئة التي تبعث على الاسترخاء والهلوسة والهدوء وتبعث في النفس النشوة والشرود الذهني من خلال توارد الذكريات الأليمة وهي من النوع الدافعي الهادئ الذي يبعث أحلام اليقظة والبهجة في آن واحد، أما النوع الآخر فهو ما يعرف بالموجة العالية heavy metal وهي نوع من النغمات الصاخبة التي تتسبب في حدوث تحفيز لجميع خلايا الجسم والدماغ والعمل على تحفيز الدماغ بصورة مذهلة، بالتالي تزيد من نشاط الفرد بصورة أكبر من طاقته الحقيقية.
ولفت الغداني إلى أن مستشار اللجنة الطبية في الأمم المتحدة طبيب الأعصاب راجي العمدة قد تحدت بأن الذبذبات والأمواج الصوتية لمتعاطي المخدرات الرقمية تؤدي إلى تأثير سيئ على مستوى كهرباء المخ كونها لا تشعر المتلقي بالابتهاج فحسب، بل تؤدي به إلى ما يعرف بالشرود الذهني، وهي من أخطر اللحظات التي يمكن أن يصل إليها الدماغ، إذ تؤدي إلى لانفصال عن الواقع، وانخفاض مستوى التركيز، كما أن تكرار حالة الشرود الذهني قد تؤدي إلى مستويات تشنج وزيادة نبضات القلب وارتفاع ضغط الدم، وهذا ما تم ملاحظته لبعض الحالات الذين اعتادوا تعاطيها إذ يمكن ملاحظة الهلوسة والتشنج والارتجاف وتسارع النفس وسرعة ضربات القلب.
هل تسبب الوفاة؟
نظراً إلى حداثة هذه الظاهرة فلا توجد أي بحوث دقيقة تؤكد علاقة تعاطي المخدرات الرقمية في إحداث الوفاة، فالظاهرة ما زلت غير مفهومة لدى بعض المتخصصين، ويوضح حواط أنه لم يتم تسجيل حالة وفاة بسبب تعاطي المخدرات الرقمية، فهذا النوع ليس فيه تعاطي الجرعة الزائدة التي قد تؤدي إلى الوفاة، كما هي حال المخدرات التقليدية.
أثبت العلم أن المخدرات التقليدية تؤثر بشكل كامل على فعاليات الجسم، في حين تبقى المخدرات الرقمية بحاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث لكي تقنع المجتمعات بمدى تأثيرها على صحة الدماغ.
 
عن (اندبندنت عربية)