السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

رشيد لبكر: مجلس المستشارين يناقش بالداخلة أسباب تعثر الجهوية المتقدمة بالمغرب

رشيد لبكر: مجلس المستشارين يناقش بالداخلة أسباب تعثر الجهوية المتقدمة بالمغرب

في إطار من النقاش الهادف والمسؤول، احتضن مقر ولاية جهة الداخلة - وادي الذهب مؤخرا،  أشغال الدورة الرابعة للملتقى البرلماني للجهات، في موضوع: " الجهوية المتقدمة ورهانات التنمية الترابية المندمجة: جهة وادي – الذهب نموذجا"، التي أشرف على تنظيمها مجلس المستشارين بشراكة مع مجلس جهة الداخلة-وادي الذهب.

عرفت الندوة حضورا وازنا لعدد من الشخصيات، يمثلها رئيس مجلس المستشارين،  إلى جانب كل من والي و رئيس الجهة، بالإضافة إلى  عدد مهم من السادة المستشارين والمستشارات ورؤساء الفرق بمجلس المستشارين، فضلا عن  رؤساء التمثيليات الخارجية للمصالح المركزية وثلة من المنتخبين وممثلي المؤسسات الجامعية و عناصر من فعاليات من المجتمع المدني.

 

تميز النقاش في هذه الندوة  التي عرفت مشاركة مكثفة من الفعاليات التي تابعت أطوار جلساتها الثلاثة، بمستوى عال، طبعته الصراحة والمسؤولية، استحضارا للمصلحة العليا للبلاد التي تعقد آمالا  كبيرة على الجهوية  باعتبارها رافعة أساسية من رافعات التنمية في البلاد، ومؤسسة دستورية قائمة الذات، يراهن عليها  لتحقيق الإقلاع الاقتصادي وضمان تنمية اجتماعية منسجمة، وتؤسس لعدالة ترابية  تقضي على مختلف الاختلالات المجالية المسجلة على الصعيد الوطني.

 

إضافة إلى ذلك، فقد ثمن المشاركون في الندوة، المقاربة التشاركية التي دأب على اتباعها مجلس المستشارين من خلال  تنظيم هذه الندوات ، التي تسعى إلى ربط المركز بالمحيط، عبر النزول إلى أرض الواقع، والاستماع إلى تطلعات المدبر المحلي والتعرف على  المشاكل التي يصادفها في عملها الميداني، بعيدا عن تنظيرات المكاتب بالإدارة المركزية، لاسيما أن الجهة، وككل الوحدات الترابية الأخرى، هي المعول عليها اليوم، للنهوض بخدمات القرب وتقريب الإدارة من المواطنين والاستجابة بعين المكان لمطالب المستثمرين، عبر تأهيل المجال الترابي الجهوي ومحاربة الهشاشة وتوفير الخدمات الاجتماعية الضرورية للحياة لعموم المواطنين في شتى أنحاء التراب الوطني، ولن يتم الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف، إلا بنهج مقاربة تشاركية والنزول إلي مسرح العمل الميداني وترسيخ فضيلتي الاستماع والحوار، وهذا ما تسعى إليها فكرة هذه الملتقيات الجهوية الرائدة حسب شهادات كل المشاركين في الندوة.

وقد نوه المتدخلون في بداية الندوة، بالمكتسبات التي حققتها بلادنا على مستوى تفعيل الورش الجهوي، كما عبروا عن تقديرهم لكل اللبنات التي تم وضعها لإكمال هذا البناء من خلال:

  • إصدار القوانين التنظيمية للجماعات الترابية والجهات ؛
  • إصدار المراسيم التطبيقية اللازمة لكي تقوم الجماعات الترابية بأعمالها على أحسن وجه؛
  • تمكين الجهات من الوسائل اللازمة لتنفيذ مهامها على مختلف المستويات تحقيقا لمبدأ الإنصاف الترابي وتحقيق الإقلاع الاقتصادي؛

 

تأسيسا على ذلك،  انكب الحاضرون على مقارعة موضوع الندوة الذي وزع بين العناوين الأساسية التالية هي:

 

  • ممارسة الاختصاصات الذاتية والمشتركة  مجال التنمية والمشتركة في مجال التنمية الاقتصادية
  • اللاتمركز الإداري بجهة الداخلة-وادي الذهب: دعامة أساسية لتحقيق تنمية جهوية مندمجة.
  • الشأن الثقافي المحلي: أية ممارسة على ضوء الذاتي والمشترك.

 

 وقبل إيراد مجمل ما ورد في هذا المداخل من أفكار وما صدت بخصوصها من توصيات ، لا بد من الإشارة في هذا التقرير، إلى بعض من النقط الهامة التي اثيرت في هذه الندوة، نوردها كالتالي:

 

  • تثمين المكتسبات التي حققتها بلادنا في مجال ترسيخ  النظام الجهوي وتفعيل مؤسسة الجهة باعتبارها  الإطار الملائم لنجاح سياسة ترابية مندمجة  تتعلق في جزء منها بالفعالية الاقتصادية، وفي جزء آخر بالتنمية الاجتماعية، ثم هاجس الحفاظ على المقومات الثقافية واللغوية المحلية في مغرب التعدد والتنوع.

 

  • مناقشة موضوع الجهة المتقدمة وما يتعلق بها من إشكاليات التفعيل في جهة الداخلة وادي الذهب، باعتبارها واحدة من  الجهات الثلاثة في منطقتنا الجنوبية الصحراوية، يعد ردا عمليا على خصوم وحدتنا الترابية، فالجهوية ورش يحظى بإجماع جميع مكونات الأمة وفعالياتها، فلا يهم إذن، إن تمت مناقشته في وسط البلاد  أو في شمالها أو في أقصى جنوبها، وتلك من أهم رسائل  هذه الندوة.

 

  • الدعوة إلى مواصلة تنفيذ كل ما يتضمنه النموذج التنموي الخاص بالمناطق الجنوبية، باعتباره برنامجا رائدا وعمليا، ساهم وما يزال في نقل الجهات الجنوبية المغربية إلى مستوى آخر من النمو والتقدم  يشهد عليها ما تعرفها هذه الجهات اليوم من دينامية اقتصادية واعدة ومشاريع هيكلية مست العديد من المجالات والقطاعات.

 

  • التأكيد على أهمية الخيار الجهوي باعتبارها ركنا أساسية في صرح الإصلاحات الهيكلية التي تعرفها البلاد، والمطالبة بالتالي إلى الإسراع بإيجاد حل فوري وفعال لكل العراقيل التي مازالت دون وصوله إلى المستوى المأمول.

 

  • الدعوة إلى توسيع دائرة عقد مثل هذه الندوات ذات الابعاد التشاورية والتواصلية ، باعتبارها السبيل  نحو التعريف بالمستجدات القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية وغيرها من مراسيم مواكبة، ومن تم الوقوف على معيقات التطبيق واقتراح الحلول التي تسمح بتجاوزها والمستلهمة من واقع الخبرة الميدانية. فالجهوية عمل ترابي مجالي، ولا يمكن للمركز  فهم تحدياتها ومعيقاتها دون النزول إلى الميدان.

 

  • تقدير المقاربة التشاركية المتبعة في تنظيم هذه الملتقيات والتي تتميز بحضور نوعي ومتعدد التخصصات، يجمع في أن واحد، بين المسؤول الترابي (مركزيا ومحليا)، والمنتخب والجمعوي والباحث الأكاديمي،  الشيء الذي يضفي على النقاش نوعا من الحيوية والواقعية والتكامل، ويفتح آفاقا أرحب لابتكار حلول عملية وإثراء التجربة بأفكار وتصورات جديدة ومتجددة، يجب العمل على رسملتها واستثمارها لتجويد الممارسة الجهوية وتخطي العراقيل التي تصادفها.

 

  • التنويه بالاهتمام الذي يوليه مجلس المستشارين لموضوع الجهة المتقدمة، لاسيما أنه ورش يحظى باهتمام خاص من صاحب الجلالة، كما كان محور العديد من التقارير التي أصدرتها هيئات الحكامة ببلادنا، والتي تؤكد كلها على أن الورش الجهوي خيار استراتيجي ببلادنا، قطع أشواطا مهمة على مستوى الإنزال، ولكنه ما زال يعاني من عراقيل جمة ولم يصل بعد إلى المستوى المأمول، وما اهتمام مجلس المستشارين بالتجربة الجهوية ببلادنا، إلا لإدراكه بمسؤولياته اتجاهها، على اعتبار أن ثلاثة أخماس أعضاء هذا المجلس هم من ممثلي الجماعات الترابية الموزعة  بين جهات المملكة ، الشيء الذي يؤكد أن الاهتمام بإصلاح الورش هو من صميم اختصاص مجلس المستشارين.

 

 

أولا: بخصوص ممارسة الاختصاصات الذاتية والمشتركة مجال التنمية والمشتركة في مجال التنمية الاقتصادية

 

 

أجمع المتدخلون في كلمتهم، بأن الجهات  التي تعد حسب الفصل 135 من الدستور ، مؤسسة دستورية ، تتمتع بالشخصية المعنوية ، تسير شؤونها بكيفية  ديمقراطية، وتساهم في تفعيل السياسات العامة للدولة ، وفي إعداد السياسات الترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين

تبعا لذلك فهي تتمتع  بناء على مبدأ التفريع، باختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة.

 

وحتى تنهض بهذه المهام، بشكل فعال وطبيعي، فقد خولها المشرع قنوات متنوعة لتمويل تدخلاتها، تتوزع بين  الموارد المالية الذاتية، والموارد المرصودة من قبل الدولة، وكل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهة إلا ويكون مقرونا بتحويل مماثل للموارد المالية المطابقة له، تطبيقا لمبدأ التفريع الذي أشرنا إليه.

 

وطبقا لأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، والمتعلقة بالقانون التنظيمي رقم 14-111 الخاص بالجهات. فإن اختصاصات الجهة تنقسم  إلى ثلاث فئات: اختصاصات ذاتية مشتركة ومنقولة.

 

تتوزع اختصاصات الجهة الذاتية بشكل عام ، بين مجالين أساسيين هما: إعداد وتتبع تنفيذ برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب. وتحتهما يمتد اختصاص الجهة إلى ميادين متعددة، يصعب حصرها، منها:  دعم المقاولات، توطين وتنظيم مناطق للأنشطة الاقتصادية بالجهة، تهيئة الطرق والمسالك السياحية في العالم القروي، جذب الاستثمار، إنعاش الاقتصاد الاجتماعي والمنتجات الجهوية، إحداث مناطق للأنشطة التقليدية والحرفية، إنعاش أسواق الجملة الجهوية، تحقيق التوافق بين الدولة والجهة حول تدابير تهيئة المجال وتأهيله وفق رؤية استراتيجية واستشرافية بما يسمح بتحديد توجهات واختيارات التنمية الجهوية....

 

أما الاختصاصات المشتركة، بين الجهة و الدولة، فتمارسها بشكل تعاقدي، إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجهة، وتشمل العديد من المجالات، منها التنمية الاقتصادية متمثلة في تحسين جاذبية المجالات الترابية وتقوية المنافسة، الشغلـ البحث العلمي التطبيقي، ثم في التنمية القروية، من خلال تأهيل العالم القروي وتنمية المناطق الجبلية وتنمية منطق الواحات، إحداث أقطاب فلاحية، تعميم التزويد بالماء الصالح للشرب والكهرباء وفك العزلة، ثم في التنمية الاجتماعية التي تعد هي الأخرى من الاختصاصات المشتركة، وتهم : التأهيل الاجتماعي، المساعدة الاجتماعية، إنعاش السكن الاجتماعي، إعادة الاعتبار للمدن وللأنسجة العتيقة، إنعاش الرياضة والترفيه.

 

ومن المجالات المشتركة أيضا  هناك المجال البيئي، ويتمثل في التدابير الآتية: الحماية من الفيضانات، الحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي ومكافحة التلوث والتصحر، المحافظة على المناطق المحمية، المحافظة على المنظومة البيئية الغابوية، المحافظة على الموارد المائية.

 

يستنج من هذا إذن، أن مجالات تدخل الجهة شاسعة ومن الصعب حصرها، لذلك، تم التأكيد في الجلسة،  على  أن الرهان معلق علي الجهة، كما كان الأمر كذلك، منذ صدور أو قانون للجهات مطلع السبعينات من القرن الماضي، وحتى تقوم بهذه الأدوار بالشكل الذي رسمه القانون المنظم لها حاليا، فقد خلص المشاركون في الندوة، بعد نقاش مستفيض إلى جمة من توصيات نوردها كالتالي:

 

  • منح المجالس الجهوية قوة تنفيذية لتنفيذ السياسات العمومية في إطار عدم تمركز مساند ومآزر.

 

  • دعوة المجالس الجهوية ورؤساء المجالس الجهوية إلى الإقدام على ممارسة اختصاصاتهم الذاتية والمشتركة التي أسندها لهم القانون التنظيمي للجهات وحث جميع المتدخلين على احترام مقتضيات القانون التنظيمي فيما يخص هذه النقطة المتعلقة باحترام الاختصاص.

 

  • حث المسؤولين في الإدارة المركزية، من أصحاب القرار ولاسيما الوزراء منهم، على  الإنزال الفعلي  للبرنامج المديري لعدم التمركز  الإداري وعدم التلكؤ في هذا الجانب، لأن ذلك ما يسمح بتفويض حقيقي للاختصاصات، التي أضحت موكولة الآن إلى الجهات أو إلى غيرها من الجماعات الترابية، وفق ما تنص عليه القوانين التنظيمية، وهذا التفويض هو الذي سيسمح في آخر المطاف بتفعيل حقيقي للورش الجهوي.

 

  • اعتبار البرنامج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية، خارطة طريق للنهوض بالتنمية الجهوية وتنفيذ المشاريع التنموية الجهوية المقرر لها، وتحقيق الإقلاع التنموي بشتى المناطق..

 

  • دعوة رؤساء الجهات إلى المبادرة من أجل ممارسة اختصاصاتهم الذاتية والخروج من حالة الانتظارية التي لن تسمح بتفعيل حقيقي للاختصاصات، إذ الملاحظ أن العديد من هؤلاء الرؤساء ما زالوا لا يمارسون اختصاصاتهم أو غير قادرين على ممارستها.

 

  • الدعوة إلى إجراء إنزال حقيقي وفعلي لمرسوم 2.17.618 الصادر في 26 ديسمبر 2018 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز ، باعتباره الإطار الذي سيحقق الحكامة في توضيح سقف الاختصاص وتوزيعه بين المدبرين العموميين على الصعيد المركزي وتمثيلياتهم على الصعيدين المحلي والجهوي.

 

  • ضرورة الانفتاح على خصوصيات الجهات وتثمين الرأسمال مع تصنيف الاكراهات التي ما زالت تعوق اتخاذ القرار على المستوى المحلي وتعاكس عملية تنفيذ الأعمال.

 

  • الدعوة إلى تكثيف مثل هذه اللقاءات التوعوية التي يشرف عليها مجلس المستشارين لإذكاء الفكرة الجهوية ونشر ثقافة التدبير الجهوي، والتواصل مع المدبر المحلي لاستجلاء معيقات تحويل الاختصاص واستلهام الحلول بشأنه، لكن على أساس أن يشارك في فعالياتها كل المعنيين بالتمثيليات الإدارية للمصالح المركزية على المستوى المحلي.

 

  • تأهيل تمثيليات بعض الإدارات على المستوى الجهوي والمحلي حيث مازالت تعاني من غياب الموارد البشرية والتقنية وتفتقر للكفاءات والوسائل المساعدة، الشيء الذي لا يساعد على اتخاذ القرار المحلي بشروط الجودة والسرعة المطلوبة ؛

 

  • الدعوة إلى تفعيل قنوات التنسيق بين جميع التمثيليات الإدارية المحلية ضمانا لإلتقائية وتكامل السياسات العمومية؛

 

ثانيا: اللاتمركز الإداري بجهة الداخلة-وادي الذهب: دعامة أساسية لتحقيق تنمية جهوية مندمجة

 

إذا كانت اللامركزية، تعني ترك جزء من سلطة التسيير على المستوى المحلي لهيئات منتخبة كي تتولى تدبير شؤون مجالها الترابي، فإنها لا تستقيم واقعيا إذا لم توازيها هيئات أخرى على مستوى اللاتمركز تمثل مختلف الهيئات الدولتية على المستوى المحلي، من تمثيليات محلية للوزرات وتمثيليات فرعية للمؤسسات العمومية والمكاتب الوطنية والمقاولات العمومية، على أساس أن تتمتع بقدر معين من الاستقلالية والقدرة على الفعل واتخاذ القرار دونما حاجة في الرجوع إلى المركز، ذلك أن إخضاع هؤلاء المسؤولين الجهويين لمبدأ التبعية الصارمة لتعليمات المركز أو حرمانهم من أي هامش للحرية، معناه إفراغ اللامركزية من محتواها، أو بتعبير آخر، تضييع مطلبي تقريب الإدارة من المواطنين أو السرعة في البث واتخاذ القرار.

 

ونظرا لهذه الأهمية التي يكتسيها نظام اللاتمركز، فقد شكل لسنوات هاجس المدبر العمومي ببلادنا، بل هدفا للعديد من الخطب والرسائل الملكية السامية، فضلا عن التقارير الوطنية المتعددة التي نبهت جميعها، إلى أن التقدم الذي أحرزه المغرب في مجال اللامركزية، وصولا إلى الجهوية المتقدمة التي أصبحت نموذجا دوليا يهتدي به، لم يعرف مواكبة مماثلة من طرف سياسة اللاتمركز، فهل السبب في النص القانوني أم في العنصر البشري أم في الجاني المالي أم في مدى قدرة النخب المحلية والإدارية على  التكفل بأعباء التدبير والاستعداد لتحمل مسؤولية ذلك، أم أن الأمر مازال مرتهنا بإشكاليات أخرى؟...

 

كانت هذه المفارقة هي جوهر الإشكالية التي ناقشها هذا المحور للجواب على مختلف التي الأسئلة المطروحة، وتبعا لذلك، خلصت هذه الجلسة، إلى جملة من التوصيات نوردها كالتالي:

 

  • النظر إلى الجهة باعتبارها المجال الترابي الأمثل والمناسب لتنزيل مختلف السياسات العمومية المتخذة على الصعيد المركزي وضرورة تمتيعها بالتالي بكل السبل التي تمكنها من حسن هذا التنزيل وعلى رأسها إقرار سياسة عدم تمركز ملائمة وناجعة ومواكبة.

 

  • تأكيد الدور المحوري لوالي الجهة باعتباره ممثلا للدولة والسلطة المركزية في الجهة ، وبالتالي صلاحية مركزه للعب دور المنسق الأساسي لأنشطة المصالح اللاممركزة وحسن سيرها تحت سلطة الوزراء المعنيين، بما يضمن  الجدية والالتقائية والمتابعة في تنفيذ المشاريع العمومية المبرمجة على مستوى الجهة.

 

  • الإقرار بوجود مشاكل على مستوى سياسة عدم التركيز، ومن تم الدعوة إلى  انتهاج مقاربة أخرى على مستوى تفعيل هذه السياسة مطابق لمقتضيات ميثاق عدم التمركز لسنة 2018 ، باعتبار ذلك هو السبيل للنهوض بالجهات وتثمين مقوماتها وتقدير إمكاناتها، تحقيقا للإقلاع الاقتصادي المنشود والحد من الفوارق المجالية على مستوى الجهات. إذ أن حل مشاكل الجهة لا يمكن أن يتم إلا عبر الانكباب.

 

  • بلورة برامج تتوخى الرفع من جاذبية الاستثمار وتسويق العرض الاستثماري الذي توفره  الجهات، ومنها جهة الداخلة وادي الذهب.

 

  • العمل على تنزيل توصيات النموذج التنموي في الجوانب المتعلقة بالجهوية وتجويد العمل الإداري اللاممركز باعتبارها مدخلا لتحقيق الجهوية المتقدمة التي يأملها الجميع.

 

  • النظر إلى اللاتمركز في بعده التدبيري العام، غير المتعلق فقط بتفويض التوقيع ولكن أيضا بتفويض الاختصاص وتحويل الإمكانات المناسبة لتنفيذ هذا الاختصاص انسجاما مع مبادئ التدبير الحديث ولا سيما منه مبدأ التفريع والتدبير الحر.

 

  • التعريف بالنماذج الناجحة والتجارب الرائدة في مجال اللاتمركز الإداري عبر التراب الوطني كي تعم الإفادة ويتحقق مبدأ التعاون الجهوي وتقاسم الخبرات والمعلومة.

 

  • إحياء دور اللجنة الوزارية للاتمركز واللجان الجهوية للتنسيق تحت إشراف والي الجهة من أجل التقييم الدائم لحسن تنزيل ميثاق عدم التمركز بالفعالية والجودة المطلوبين، والالتزام بالآجال التي يقررها  ميثاق عدم التمركز  بهذا الصدد.

 

  • دعم ومآزرة اللجان الجهوية لمناخ الاستثمار، بمنح الصلاحيات لمخاطبيهم على الصعيد الجهوي والممثلين لمختلف الوزارات والمصالح التقريرية المركزية في إطار سياسة عدم تركيز مساندة للاستثمار وداعمة له.

 

  • تحيين وثائق التعمير على مستوى جهة الداخلة-وادي الذهب وإعادة النظر في الطريقة التي تصاغ بها هذه الوثائق على اعتبار ان صيغتها الحالية تستغرق وقتا طويلا، الشيء الذي لا يستجيب إلى تطلعات المستثمرين.

 

  • علاقة بالتعمير، التفكير على مستوى جماعة الداخلة-وادي الذهب بتصاميم جديدة مع تفعيل مبدأ الاستثناءات كي تتم الاستجابة للطلب المتزايد على السكن يوما بعد آخر.

 

  • دعوة جمعية جهات المغرب إلى مد يد المساعدة إلى جهة الداخلة-وادي الذهب على مستوى تدبير بعض المشاريع الهامة مثل تحلية مياه البحر، كي يكون التدخل على مستوى جهة الداخلة-وادي الذهب أكثر فعالية.

 

  • دعوة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى إجراء دراسة تقييمية جديدة حول أسباب تعثر المشروع الجهوية، يخصصها لموضوع  عدم التركيز في علاقته بالجديدة وبمشكل نقل الاختصاصات وما نوع المعيقات التي تمنع السادة رؤساء الجهات من ممارسات اختصاصاتهم الذاتية المقررة لهم بمقتضى القانون.

 

ثالثا: الشأن الثقافي المحلي: أية ممارسة على ضوء الذاتي والمشترك

 

ذكر بعض المتدخلين بخصوص هذا الجانب  والمتعلق بمسؤوليات المجالس الجهوية حيال الرفع من شأن الممارسة الثقافة على مستوى حدودها المجالية، بما سبق ان ما تضمنته  ديباجة الميثاق التأسيسي لليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) حيث جاء فيها: " ... لما كانت كرامة الإنسان تقتضي نشر الثقافة وتنشئة الناس جميعاً على مبادئ العدالة والحرية والسلام، فإن هذا العمل بالنسبة لجميع الأمم يُعدّ واجباً مقدساً ينبغي القيام به في روح من التعاون المتبادل)، مضيف بأن الإعلان العالمي بشأن التنوع الثقافي الذي أصدرته هذه المنظمة ، يؤكد على أن الثقافة ينبغي أن يُنظر إليها بوصفها مجمل السمات المميزة، الروحية والمادية والفكرية والعاطفية، التي يتصف بها مجتمع أو مجموعة اجتماعية وعلى أنها تشمل، إلى جانب الفنون والآداب، طرائق الحياة، وأساليب العيش معاً، ونظم القيم، والتقاليد، والمعتقدات؛ داعيا إلى ضرورة جعل الثقافة تحتل مكان الصدارة في المناقشات المعاصرة بشأن الهوية والتماسك الاجتماعي وتنمية اقتصاد قائم على المعرفة؛ واحترام تنوع الثقافات، والتسامح، والحوار، والتعاون، في جو من الثقة والتفاهم، هي خير ضمان لتحقيق السلام والأمن الدوليين".

ونظرا لهذه الأهمية، فقد جعل المشرع المغربي من قضية الاهتمام بالشأن الثقافي اختصاصا ثابتا للجهات على مختلف الأصعدة، أي سواء في الشق المتعلق بالاختصاصات الذاتية أو المشتركة أو المنقولة.

فالنسبة للاختصاصات الذاتية، أولي المشرع للجهة  في المادة 82 مهمة  الإسهام في المحافظة على المواقع الأثرية والترويج لها، تنظيم المهرجانات الثقافية والترفيهية، وفي الباب المتعلق بالاختصاصات المشتركة، أوكل لها في المادة 91  اختصاص الاعتناء بتراث الجهة والثقافة المحلية، صيانة الآثار ودعم الخصوصيات الجهوية، إحداث وتدبير المؤسسات الثقافية، أما في الشق المتعلق بالاختصاصات المنقولة، واعتمادا على مبدأ التفريع، فإن المشرع جعل من الشأن الثقافي أحد المجالات العامة التي يمكن أن ينقل الاختصاص بشأنها من الدولة إلى الجهة، ومنه: الاعتناء بتراث الجهة والثقافة المحلية، صيانة الآثار ودعم الخصوصيات الجهوية، إحداث وتدبير المؤسسات الثقافية ، إنعاش القطاع السياحي ...

تأسيسا على هذه المعطيات، فقد تضمنت  العروض المندرجة في هذا المحور، معطيات هامة، تؤكد كلها على أهمية الحضور الثقافي في أي مشروع تنموي خاص بالجهات، ومنها جهة الداخلة وادي الذهب على الخصوص التي تزخر بمؤهلات واعدة جدا، داعيا إلى استثمارها وتنميتها في إطار مندمج مع مختلف البرامج والتصاميم التنموية التي توضع للجهة أو في كل جهات المغرب.

وفي ضوء ذلك، خرج المشاركون في هذا الباب بالتوصيات  التالية، وسيبدو أن العديد منها خاص بجهة الداخلة وادي الذهب، ولكن مضمونها ينطبق على سائر الجهات :

  • ضرورة الانفتاح على خصوصيات الجهات وتثمين الرأسمال مع تصنيف الاكراهات التي ما زالت تعوق اتخاذ القرار على المستوى المحلي وتعاكس عملية تنفيذ الأعمال؛
  • بلورة برامج تتوخى الرفع من جاذبية الاستثمار السياحي وتسويق العرض الاستثماري في هذا المجال  نظرا لما تزخر به الجهة من إمكانات سياحية هائلة ولا سيما في الجانب المتعلق بالرياضات البحرية.
  • ضرورة الانفتاح على خصوصية جهة الداخلة وادي الذهب وتثمين رأسمالها الغني في شقيه المادي واللامادي.

 

  • تثمين الثقافة الحسانية واللغة الحسانية كتراث وطني لا مادي جدير بالاهتمام.

 

  • وضع إستراتيجية جهوية جامعة لحماية وصون التراث بجهة الداخلة وادي الذهب.

 

  • بلورة برنامج موحد لمختلف التظاهرات المراد تنظيمها بجهة الداخلة – وادي الذهب، ضمانا للتعريف بها.

رشيد لبكر ( أستاذ بكلية الحقوق – جامعة شعيب الدكالي بالجديدة)