الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد نورالدين: عن العلاقات المغربية الفرنسية، وتجنب البصق في الصحن الذي نأكل فيه ومنه

أحمد نورالدين: عن العلاقات المغربية الفرنسية، وتجنب البصق في الصحن الذي نأكل فيه ومنه أحمد نورالدين
فرنسا مازالت إلى حدود الساعة الشريك الإقتصادي الأول للممكلة، رغم أن إسبانيا تجاوزتها كشريك تجاري، وقد نسجنا معها علاقات إستراتيجية مهمة، وقد بدأت بعض ثمارها تظهر على سبيل المثال في تحويل التكنولوجيا الصناعية في عدة مجالات ليست صناعة السيارات والقطارات إلا الجزء الظاهر منها، وموقفها كما اسلفنا سابقا من قضية الصحراء كان داعما للمغرب ومتقدما على كل الدول الأجنبية قبل الإعتراف الامريكي والمراجعة التاريخية للموقف الإسباني، لذلك ليس من الحكمة أن نفرط في كل المكاسب المتراكمة مع حليف قديم لاننا كسبنا حليفا جديدا،الحكمة أن نوسع قائمة الحلفاء بما يحقق مصالحنا الوطنية، وأن ننوع الشركاء الدوليين من اليابان إلى البرازيل ومن السويد إلى أستراليا بما يسمح للمغرب بدخول نادي الدول الصاعدة تكنولوجيا وصناعيا وعلميا وماليا واقتصاديا وحضاريا. 
اما أن نكسب حليفا في مقابل أن نخسر حليفا آخر فهذا سيجعلنا موضع ابتزاز دائم وارتهان للآخر، وسيخرجنا من دائرة نفوذ لندخل في نفوذ دائرة إخرى.
لسنا هنا بمعرض الدفاع عن هذا الشريك او ذاك، ولسنا ضد مراجعة علاقاتنا مع هذه الدولة او تلك إذا اقتضتها مصالحنا الوطنية، ولكن المملكة المغربية تعاملت دائما بالحكمة،وبعد النظر والنفس الطويل، وإذا كان ولا بد من هذا التحول في علاقاتنا الخارجية، وبالنظر إلى تشابك المصالح مع فرنسا في كل المجالات الاقتصادية والتجارية والأمنية والإستراتبجية والثقافية وغيرها، فالأمر يستلزم مخططا محكما يستمر عشرين سنة على الأقل حتى نتفادى الإنتكاسات والخسائر التي قد تنعكس سلبا على اقتصادنا وعلى توازناتنا الجيوسياسية، والمخطط يجب ان يشمل كل الجوانب سواء لغة التدريس في مناهجنا التعليمية أولغة تعاملاتنا الإدارية او مصدر استقطاب الإستثمارات الخارجية التي لازالت تهيمن عليها نفس الدولة، اوإبرام اتفاقات الشراكة أو وجهة التصدير والإستيراد التي تهيمن عليها نفس الجهة، أو مختلف أوجه التعاون التقني المدني متها والعسكري وبناء القدرات التي ترتبط بتلك الجهة بعينها.
 وكما يقول المثل لا يجب أن "نبصق في الطبق الذي نأكل منه"، وأظن ان أول مؤشر على الإرادة الحقيقية في تغيير الشريك إذا كنا جادين، هوأن يتوقف كبار المسؤولين والموظفين السامين عن التعامل بلغة أجنبية في اجتماعاتهم ومراسلاتهم وبلاغات وإعلانات وزاراتهم وتصريحاتهم الرسمية، وأن يتوقفوا عن الإزدحام أمام سفارة وقنصليات ذلك البلد للحصول على تأشيرات تقضي وتسحق كل سنة حوالي مليار دولار من العملة الصعبة لقضاء عطلهم والتسوق من "مولات" ذلك البلد،وعليهم أن يتوقفوا عن إرسال أبنائهم إلى مدارس البعثات التعليمية لذلك البلد،وأخيرا وليس آخرا، وهذه الطامة الكبرى، عليهم أن يتوقفوا عن مخاطبة ابنائهم داخل بيوتهم بلغة اجنبية،لأن هذا السلوك تعبير عن الإستيلاب الحضاري المطلق والهزيمة النفسية والثقافية ولا علاقة له بضرورة الإنفتاح على العالم وإتقان اللغات الأجنبية الذي يعتبر ضرورة وواجبا. ولا يمكن تحقيق نهضة بلد بنفسية مهزومة وذهنية مستلبة.
خلاصة الأمر، نحن لازلنا في الخطوة الأولى من مشوار الألف ميل لتحقيق استقلالية قرارنا وتحقيق سيادتنا في المجالات الإستراتيجية ومنها السيادة التكنولوجية والصناعية والدوائية والغذائية والطاقية والعسكرية، والثقافية، وعلينا أن نتجنب خلق الأعداء بخفة ومجانية، وعلينا أن نتقدم في حقل الألغام الدولي بخطوات مدروسة ومحسوبة ودون غرور يؤدي إلى الكوارث التي أصابت من قبلنا من الدول في عهد عبد الناصر وصدام والقذافي او كاسترو وتشافيز، وغيرهم كثير. علينا أن نقرأ جيدا ونستفيد مما يجري حولنا من تحولات جيوسياسية كبرى ستغير وجه النظام العالمي بعد حرب أوكرانيا والمناوشات في بحر الصين والصراع على الساحة الإفريقية وفي المنطقة العربية. علينا أن نعمل كثيرا ونتكلم قليلا حتى لا نصبح مثل الدول الكرتونية من حولنا التي تصف نفسها بأنها قوة إقليمية وهي عاجزة عن توفيرالحاجيات الأساسية لمواطنيها!!؟