الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

جلال الطاهر:رهانات مؤتمر فيدرالية المحامين الشباب

جلال الطاهر:رهانات مؤتمر فيدرالية المحامين الشباب ذ/جــلال الطاهـــر
ينعقد بالدار البيضاء المؤتمر الوطني الخامس، لفيدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب، أيام 24-25 فبراير 2023.
ويأتي انعقاد المؤتمر المذكور، في ظرفية حساسة ومعقدة، وتحمل تحديات متعددة الأبعاد، متنوعة المصادر، أي إنها إشكالية، حقوقية، مهنية، اجتماعية، يأتي في طليعتها، تعديلات التشريع المهني المقترحة، انسداد آفاق العمل، النمو الديمغرافي لعدد المحامين...
وعليه وحسب الواقع، فإن الرهانات كبيرة، والخصاص ربما أكبر، ولعل ما يجعل هذه التحديات مطروحة بإلحاح على مؤتمر شباب المحامين المغاربة، هو أنها مرتبطة بالواقع الراهن، وبآفاق المستقبل القريب والبعيد، هذه الآفاق لوضعية مهنة المحاماة، تبدو غامضة، وإفرازاتها السلبية على المحامين بصفة عامة، ولكن على الشباب بصفة خاصة كبيرة، والأمر ليس فيه تمييز بين هؤلاء وأولئك من الناحية المبدئية، بل فقط، لأن شباب المحامين، يقع عليهم، عبء إضافي لكونهم في المقدمة، لرسم معالم مهنة المحاماة مستقبلا، لأن الواقع المهني والاقتصادي، يضعهم في الواجهة، ويحملهم مسؤولية، بناء الأداة وقيادة المهنة مباشرة بوجودهم في القيادة أو بصفة غير مباشرة، في إفراز هذه القيادة، لكل هذه الاعتبارات وغيرها، يفترض أن الشباب جمهورهم وقيادتهم، يجب أن تكون قد وضعت رؤية وتصوراً، لما يمكن أن تكون عليه مهنة المحاماة، لاسيما وأن الفدرالية، يفترض أنها تغطي-مبدئياً- الخريطة المهنية للشباب على الصعيد الوطني.
هذا المخطط، يمكن أن يشمل بناء الأداة المهنية على أسس موضوعية أصيلة، تستجيب لإكراهات ليس في المرحلة الحالية القريبة فقط، بل في المراحل اللاحقة البعيدة الأمد.
هذا فيما يتعلق بالبناء الذاتي، للآليات المهنية، التي سيكون عليها حمل هموم وتطلعات المحامين في المستقبل.
يضاف إلى ذلك ضرورة هيكلة المؤسسة المهنية برؤية مزدوجة: تتضمن نموذجاً يضم خصائص التدبير الداخلي من جهة، ومن جهة أخرى وسائل مواجهة الإشكالات، وطرح المطالب الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية، على الدولة، التي عليها أن تتجاوب مع مطالب المحامين المشروعة، التي هي حقــوق وليست مجرد إكراميات وعطايا، تجود بها الحكومة على هواها، كمنح كيف ما تيسر، وليست المطالبة بهذه الحقوق مجرد مطالب ذاتية، بل لها أركان ومراجع دستورية، وحقوقية، وإنسانية، ومواثيق كونية لا تقوم لمشروعية الدولة المدنية الديمقراطية قائمة، دون ضمان وجودها وفعاليتها، وفي مقدمتها ضمان الولوج المستنير للعدالة، وتوفير شروط وظروف المحاكمة العادلة، التي أصبحت محل تحفظ حتى من طرف بعض الجهات الخارجية التي تأتي المحاكمة العادلة، وحقوق الإنسان آخر همومها !.
وما يجب التأكيد عليه، هو أن مخاطبة شباب المحامين اليوم، لا يفهم منها، أن بقية المحامين القيادمة، غير معنيين بقضايا وهموم وانشغالات المحاماة، بل إن المسؤولية المهنية أخلاقيا، وموضوعيا، لا تستثني أحداً، إلا أن مناسبة مؤتمر فيدرالية المحامين الشباب، هو فرصة مناسبة للتفاعل والدعوة إلى أن يكون هذا المؤتمر، برؤية شبابية مستقبلية، تقرأ الواقع بجرأة، وشجاعة، وبعد نظر، لاستشراف المستقبل بعين فاحصة، وعقل راجح، وتحليل واقعي، واختيارات تشاركية، وذلك بالدعوة والعمل على توحيد الجهود، وجمع كلمة المحامين عامة والإطارات المهنية الوطنية، في كيان مشترك، تلافياً لتشتت الجهود والإمكانيات المادية والبشرية، حيث يمكن أن يكون المؤتمر، فرصة لتوجيه نداء عام للجميع، بالدعوة إلى وحدة الإطار الجمعوي المهني، بغاية توحيد الخطاب، إذا لم يكن ذلك اليوم عمليا، فيمكن العمل عليه في الأفق المنظور، وإن غدا لناظره قريب.
ولا أعتقد، أن مؤتمر فدرالية جمعيات المحامين الشباب، لن يعالج فترة ولاية مكتبه الوطني، بالتحليل والتقييم، واستخلاص الدروس والعبر، بجرأة ومسؤولية، لمعرفة جوانب القصور، وحتى الأخطاء لم لا، وتحديد أسبابها ودواعيها، أو إكراهاتها لتلافيها مستقبلاً، وتسجيل النجاحات والتوفيق في القرارات والمواقف التي اتخذتها الفدرالية، كحصيلة مرجعية تنير الطريق للعمل المستقبلي.
ويمكن في هذا الصدد للفدرالية، أن تفخر بالمواقف التي اتخذتها في عدة قضايا ومناسبات، والقرارات والبيانات، التي كانت تتضمن وقائع وأسباباً، ودواعي اتخاذ تلك المواقف والمبادرات، برغم الإمكانيات المتواضعة التي تتوفر عليها، والتي تعود في مجملها إلى تحملات مسؤوليها وقواعدها، ماديا ومعنويا وجسديا (الاعتصامات)، والتضحيات المرهقة الناتجة عن تنفيذ الالتزامات، والوفاء بشروط مسؤولية حمل هموم المحامين الشباب بصفة مباشرة، وباقي المحامين بصفة عامة.
وهنا لابد من استحضار واجب تلافي "عاهة" التفرقة والتمييز بين المحامين، بمرجع عنصر السن المهني، ويستحضر الجميع بعض المحطات النضالية المهنية، والمواقف التي عبر عنها، هذا المحامي أوذاك (قيدوم أو شاب) من بعض القرارات كرأي، وردود الفعل التي طبعها التشنج والانفعال، خاصة في موضوع (مقاطعة المحاكم)، واختلاف الرأي حول الاستمرار، أو العودة إلى الممارسة العادية، ولو أن الأمر اقتصر على بعض الأصوات، إلا أن هذه السابقة، شكلت موقفاً غير حكيم، وقد يكون بذرة مسمومة في الجسم المهني، ويخلق حواجز نفسية بين أجيال المحامين، بسبب العمر المهني، الذي تطبعه جدلية التطور، فالذي هو شاب اليوم، سيصبح قيدوماً غداً، فالسن المهني لا يتسم بالثبات، فالتداول بين الأجيال من طبيعة مهنة المحاماة، يضاف إلى ذلك، أن التعبير عن الرأي هو من الحريات، التي يحرص المحامون على ضمانها وحمايتها، والذوذ عنها لفائدة المواطنين، فكيف يمكن تصور محاربتها وإدانتها - عندما يمارسها المحامون أنفسهم – وبطريقة تفتقد إلى اللياقة، لا في الشكل، ولا في مضمون الخطاب.
ولعل هذا التفاعل السلبي بين أجيال المحامين بسبب الرأي، قد خلف ردود فعل في الاتجاهين (قيادة وشباب)، مما ترتب عنه اتخاذ إجراءات بمحاسبة البعض، من طرف المؤسسات المسؤولة مهنياً، رداً على مواقف أو تصريحات، حيث وصل الأمر، إلى إصدار قرارات تأديبية، في حق هذه المواقف أو التصريحات، الأمر الذي قد يعقد ويسمم العلاقات بين الأجيال المهنية.
والذي يجب التأكيد عليه، هو أن الغاية من الحديث عن المنزلقات، ليس تحميل هذه الجهة أو تلك مسؤولية فيما وقع، ولكن الغاية هي خلق الشروط الموضوعية والنفسية، لتجاوز هذه المنزلقات، وردود الأفعال السلبية، بغاية توحيد الصف والقرار، وسد الثغرات والشقوق، التي قد يتسرب منها الغير لتهديم الأسس المهنية، التي يقوم عليها صرح المهنة، والأكيد أن اليقين قائم، والعقيدة المهنية راسخة على أن إرادة المحامين الوحدية، أصلب من حوادث الطريق الظرفية، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فليكن لنا جميعا مرجعاً في العبر، واتخاذ المواقف.