الجمعة 22 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

لحسن العسبي: لا تحبنا السيد فابيوس، لكن كن منصفا

لحسن العسبي: لا تحبنا السيد فابيوس، لكن كن منصفا

هل هي الصدفة وحدها التي تجعل التوترات "غير الديبلوماسية" في العلاقات المغربية – الفرنسية، تحدث والسيد لوران فابيوسعلى رأس الديبلوماسية الفرنسية؟ لأنه حين تكثر تلك التصعيدات غير الديبلوماسية، يسمح الشك لنفسه أن يكبر وأن يصبح لغة سياسية بين البلدين. ولأنه في الحب (وفي الكره أيضا)، ينفضح العشاق بسرعة مثلما يفضح العطر صاحبه، فإن الكثيرين منا نحن المغاربة، يعرفون من زمان بعيد، أن السيد فابيوس كشخص، كمواطن فرنسي،، بكل كفاءته السياسية المجربة، لا يحب المغرب، وهو ليس الوحيد في اليسار الفرنسي هنا. لكننا كنا إلى زمن غير بعيد، مع  أول حكومة التناوب التي ترأسها الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، قد تيقنا أن الرجل من موقعه كمسؤول حكومي فرنسي، قد نضجت لديه الكثير من اليقينيات أن المغرب تغير. وأنه أدرك في الآن نفسه، أن المغرب هو المغرب، حين يتعلق الأمر بكرامته، وبكرامة أبنائه، كيفما كانت مسؤوليات وصفة أبنائه أولئك.

ربما، أكثر من ذلك، هو موقن من أمر، أن زوجته تحب المغرب، والفرنسيون في غالبيتهم العظمى، يحبون المغرب، وأنه كمسؤول حكومي، امتثل دوما لذلك الإجماع في كل مناصبه الرسمية التي تحمل فيها أية مسؤولية حكومية. من هنا، يحق لنا التساؤل عن الذي جرى هذه المرة، حتى تتلاحق الكثير من ردود الفعل "غير الديبلوماسية" من قبل بلاد جان دارك وجون جوريس، تجاه مؤسسات مغربية (أمنية وديبلوماسية وعسكرية)، والسيد فابيوس على رأس الديبلوماسية الفرنسية؟ لباريس كامل السيادة في أن تختار إستراتيجياتها القومية العليا في محيطها المتوسطي والإفريقي، لكن ليس على حسابنا كمغاربة، لسبب بسيط هو أن فرنسا أكثر من يعلم حجم الدور المغربي في دعم المصالح الفرنسية في ذات الفضاء، ومن زمان. ولأنه، أيضا، لا يمكن أن نفرض على الناس أكلة بعينها، لسبب بسيط مرة أخرى، هو أن الأساسي توفر اللذة والفائدة في الأكلة تلك، وليس أن تكون نسخة مطابقة لما نعتقد أنه الإنجيل المقدس للطبخ. وهذا واحد من الدروس العالية القيمة، التي يعلمنا إياها دوما اشتراكي فرنسي آخر، عالي القيمة أخلاقيا، هو ميشال روكار، الذي يمكن الجزم على أنه أكثر الاشتراكيين الفرنسيين استيعابا للحقيقة المغربية، منذ اكتسبها في علاقاته الأخوية، الصريحة، الطويلة مع الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد.

نحن موقنون، في ضفتنا المغربية، أن فرنسا ليست صفحة واحدة، بل أكثر من ذلك، أن اشتراكييها ليسوا على هوى واحد بخصوصنا. ومدركون بالتجربة، أن الكثير من الأسماء تعبر جغرافيات الإساءة (أو قلة الفهم)، لكن العلاقات التعاونية المغربية القوية تبقى راسخة متواصلة بمنطق الدولة. لسبب بسيط، هو أن قدر التاريخ شاء أن يكون الماريشال ليوطي قد تصالح مع ذاته في المغرب وليس في جغرافيات أخرى بالجوار. وأن "رفيق التحرير" بين العشرة الكبار الذين وقف لهم الجنرال دوغول، هو الملك الوطني المغربي محمد الخامس، الوحيد الذي امتلك الفطنة السياسية أن يدعم فرنسا الحرة والحلفاء، ويعارض حكومة فيشي. وتأسيسا على ذلك، تعلمت باريس، من زمان كيف تنصت جيدا للرباط حين تقول "لا". بالتالي، نحن لا نطلب من السيد رئيس الديبلوماسية الفرنسية أن يحبنا (نحن لا ننتظر ذلك منه أصلا)، بل ننتظر منه فقط أن يكون منصفا. منصفا لباريس قبل الرباط.