الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

نور الدين الطويليع: بلاغة جمهور كرة القدم والتواتر الاستعاري أو حينما تصبح الاستعارة ملهمة

نور الدين الطويليع: بلاغة جمهور كرة القدم والتواتر الاستعاري أو حينما تصبح الاستعارة ملهمة نور الدين الطويليع
تأملات سريعة في الأجواء الاحتفالية بانتصار المنتخب المغربي على نظيره الإسباني.
لم تعد مباريات كرة القدم أسيرة رقعة الملعب، بقدر ما تمددت كثيرا، لتحتل مواقع السياسة والدين والتاريخ والحضارة، فما من مباراة إلا ويُثار نقعها قبل انطلاقتها بأيام، ويستمر الأمر كذلك لأيام، وسلاح هذه الحرب ومادتها الفعالة هي الاستعارة التي أحيت أقواما، وأماتت آخرين.
في مباراة المغرب إسبانيا كان الاستهلال باستعارة الحيوان: الأسد في مقابل الثور، وقد توالت التعليقات الممجدة للأول، بوصفه رمزا للصمود والعزيمة والإرادة القوية، والمتندرة من الثاني، لما يمثله من اندفاع وتهور وهيجان.
حول المعلقون والمدونون معاني المجال المصدر إلى المجال الهدف، وأسقطوا معاني الأول على الثاني، فالمنتخب المغربي هو منتخب أسود، ستفترس الثور وتقضي عليه، غير عابئة بهيجانه واندفاعه.
بعد استعارة الحيوان، أتى الدور على الاستعارة الحربية التي ترتبط بالقتل والنصر والهزيمة. هنا سيأخذ المنتخب وسم الكتيبة الحربية، وستسدعى استعارة الرحلة، لتكون مؤازرة لصنوتها الحربية، وتحقق هدف طي قرون طويلة، وربط لحظة فتح الأندلس، بلحظة الانتصار على المنتخب الإسباني. وزحزحة اسم طارق بن زياد، ليتحول إلى طارق بن زياش، ولم تتوقف استعارة الحرب على التعاليق المكتوبة، بل امتدت لتشمل الصورة الأيقونية، فاستعيرت السيوف والدروع واللحى الطويلة، وملامح المحاربين، لتكون في خدمة الهدف الاستعاري، وظهر اللاعبون في صورة المحاربين الذين فتحوا الأندلس، كما تخيلتهم ريشة الرسامين.
استمر التواتر الاستعاري، لتؤازَرَ الاستعارات الآنفة الذكر بالاستعارة الدينية، وسجود اللاعبين في نهاية المباراة خير ما يجسد حضورها القوي.
تتجاوز الاستعارة حدود أن تكون جزءا من جهازنا المفاهيمي واللغوي، وتحلق عاليا في سماء الإلهام والإبداع، فهي الجذوة المشعلة حماس الجماهير في السراء، وهي البلسم الذي تلجأ إليه في الضراء، طلبا لتسكين الجروح، وهي الملهمة التي يمنحنا تتمعها متعة الاستمتاع بمجريات الأحداث وتعاقبها.