يبدو أن أزمة المجموعة البنكية الفرنسية "بي إن بي باريبا"(BNP Paribas) مع القضاء الأمريكيلا تسير إلا في اتجاه تكريس قاعدة تحمل المواطن المغربي تبعات ما لا دخل له فيه "لا بيديه ولا برجليه". إذ لم تمنع مسافة آلاف الكيلومترات التي تفصل طرفا الخلاف عن المغرب من وصول تفاعلات التأثير إلى الوسط المالي الوطني، بعد أن استُشعر بداخله قلق اعتبرته مصادر " أنفاس بريس" طبيعيا بالنسبة لبلد يرتبط اقتصاده أساسا بالتحولات الدولية، إن كانت ذات مؤشر إيجابي أو بهزات سلبية. مصدر القلق نابع من كون البنك المغربي للتجارة والصناعة (BMCI) تساهم فيه المجموعة الفرنسية، وهو ما جعل الأوساط المالية تبدي التخوف من احتمال تأثر المغرب بالصراع القضائي الفرنسي الأمريكي. وما يقوي هذا الاحتمال أن بعض الأبناك شرعت في التعسف في إحالة العديد من ملفات الزبناء على المنازعات بحثا عن كل السبل لاسترجاع الأموال.
وتعود تفاصيل هذا الاصطدام الفرنسي الأمريكي إلى ما وصفته الولايات المتحدة الأمريكية بالخرق السافر من قبل البنك الفرنسي حين تعامل ماليا بالدولار الأمريكي مع دول إيران والسودان وكوبا إبان عقوبات الحصار التي كانت مفروضة عليها ما بين سنتي 2001 و2009. الأمر الذي وضع المجموعة البنكية الفرنسية حاليا في مواجهة غرامة مالية تفوق 10 مليار دولار، وهناك من يتحدث عن 15 مليار دولار. ولعل ما يزيد الموضوع إثارة وينذر باستبعاد أي تسوية حبية محتملة مستقبلا، إعلان الرئيس باراك أوباما عن عدم إمكانية تدخله في شؤون قضاء بلده الذي يحترم مبدأ فصل السلط. أو بتعبير آخر، فشل فرانسوا هولاند في إقناع البيت الأبيض باتخاذ مبادرة الوساطة لتجنيب أحد أكبر الأبناك الست العالمية إنهاكات الغرامة. حتى أن أحد تجليات المواجهة امتدت إلى التلويح بعبارات الانتقام والتهديد بعرقلة فرنسا للمفاوضات التجارية بين أمريكا والاتحاد الأوروبي، عقب أن صرح وزير خارجيتها لوران فابيوس قائلا: "إن هذه المعاهدة لا يمكن أن تقوم إلا على قاعدة المعاملة بالمثل..".
وبالعودة إلى علاقة هذا التوتر الاقتصادي والذي قد يأخذ أبعادا سياسية وديبلوماسية بين باريس وواشنطن بالشأن البنكي المغربي، كان لـ "موقع أنفاس" اتصال بالأستاذ الجامعي في مادة الاقتصاد السياسي عز الدين بنعباد، الذي أكد بأن الحديث عن هذه الأزمة يذكرنا بما كان يتداول حول الأزمة الاقتصادية العالمية والاستثناء المغربي، في حين ليس هناك شيء اسمه الاستثناء في سياق جرف العالم بأكمله، خاصة بالنسبة لدولة نعلم جميعا إمكانياتها الاقتصادية الهشة ومواردها الذاتية المحدودة. وعلى هذا الأساس، يستطرد بنعباد، يمكن تحيين الوضع بالنسبة لتداعيات ملف المجموعة البنكية "بي إن بي باريبا" على الوسط المالي المغربي، حيث يبقى التأثر واردا وبقوة ليتحمله الزبناء بالدرجة الأولى، لأن أي مؤسسة بنكية، بطبيعتها، قائمة على هدف الربح. وبالتالي، فكل ضائقة تجتاحها لا تتأخر في تصريفها إلى كاهل المتعاملين معها عبر مجموعة من الإجراءات "منها مثلا التشدد في شروط منح القروض ونسب الفوائد وحصص التمويلات..". وهذا، حسب أستاذ الاقتصاد السياسي، يفضي حتما إلى تقليص حجم الاستثمارات والمشاريع التنموية، الذي يترتب عنه تراجع فرص الشغل وارتفاع معدل البطالة. ويخلص المتحدث، هي سلسلة مترابطة الحلقات من حيث الأسباب والنتائج. ولو أنه مع ذلك، يستدرك الأستاذ عز الدين بنعباد، لا يمكننا ربط ملف "بي إن بي باريبا" ومآلات تطوراته بأزمة اقتصادية بقدر ما هو قريب إلى أزمة بنكية مصرفية، وذلك بحكم محدودية عدد فروع هذه المجموعة بالمغرب، والتي تصل في تركيا مثلا إلى 300 فرع وبمصر إلى 60 فرع.