الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الرزاق بن شريج: أزمة التعليم ليست إلا بعضا من الأزمة الشاملة

عبد الرزاق بن شريج: أزمة التعليم ليست إلا بعضا من الأزمة الشاملة عبد الرزاق بن شريج
عند تشريع نظام معين فإنه يمثل ممارسة موضوعية للعنف الرمزي، فالنظام التربوي مثلا يهدف إلى المحافظة على النفوذ الثقافي للطبقة المهيمنة حيث يقصي الطبقة الاجتماعية الدنيا، ويضفي المشروعية على الثقافة المسيطرة، فالتربية المدرسية تعتبر بمثابة عنف رمزي، لأنها تفرض ثقافة الطبقات المهيمنة وترسخ شرعيتها لإعادة إنتاج النظام القائم، فالتربية لا تنتج عن المجتمع ككل، والثقافة ليست واحدة وموحدة، بل هناك ثقافات متعددة ومتصارعة، بتعدد القوى الاجتماعية الموجودة في المجتمع، لأن المجتمعات الحديثة مجتمعات طبقية، في حين أننا نجد داخل المجتمع الواحد ثقافات متعددة، لتقوم المدرسة بعملية انتقاء ثقافة بنية اجتماعية معينة، وغالبا ما تكون ثقافة الطبقة المهيمنة، لتكرس الاستغلال والسلطة التعسفية لهذه الطبقة داخل الحقل التربوي، وتصبح الثقافة المدرسية بذلك أقرب إلى ثقافة النخبة، ليتمكن أبناء الطبقات البرجوازية من الاستفادة من المواد المقررة، لأن رأسمالهم الثقافي يجعلهم متفوقين داخل المدرسة على أبناء الطبقات الدنيا.
أبدأ بهذه المقولة لعالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو والتي أرى أنها تلخص بشكل واضح دور المدرسة في تكوين وتنميط الشعوب، واعتبارها أقوى جهاز يمكن توظيفه للقمع، فتربية الصغار على الخوف والخنوع، أخطر من الأجهزة القمعية التي توظفها الحكومات لقمع المتظاهرين والثائرين، والرافضين لسلطة ما، لكن الإشكال الكبير هو كيف يمكن تحويلها إلى مؤسسة شعبية تعمل على رقي كل الطبقات الشعبية، خاصة وأنه  في ظل التحولات العالمية الراهنة والثورات الإعلامية والتكنولوجية أضحى  التعليم في صدر الاهتمامات وفي مقدمة الخدمات الأساسية التي تستهدف التقدم المتكامل وتستشرف آفاق التنمية الشاملة، فبالتعليم نقضي على الأمية ونعد أبناء الشعب للمساهمة الفاعلة في التنمية والبناء، وبالتعليم نقوي القيم الروحية، والأخلاقية، والوطنية، والإنسانية.
من هنا تبرز أهمية الرهان على التعليم باعتباره قاطرة للتنمية ورافعة أساسية من رافعات التقدم المنشود، ولذلك تشكل المسألة التعليمية إحدى المسائل الاجتماعية الجوهرية التي تستأثر باهتمام كافة شرائح المجتمع المغربي، بل إن هذه القضية ظلت محورا نشيطا ضمن محاور الصراع بين الحكم والمعارضة على امتداد سنوات طوال، حيث يمكن القول بأن تاريخ التعليم الحديث بالمغرب هو نفسه تاريخ الصراع السياسي والاجتماعي بتغييرات طفيفة.
ونظرا للأهمية الكبرى التي تختص بها المسألة التعليمية عند كافة فئات وطبقات الشعوب، والشعب المغربي ليس بمنأى عن ذلك، خاصة أن الطبقات الشعبية تنظر للتعليم كسبيل لتحسين أوضاعها الاجتماعية، فقد أولت اهتماما خاصا لهذا الملف، لكل ذلك ظل التعليم وسيبقى استثمارا استراتيجيا تسترخص في سبيله كل التضحيات مهما بلغت، وبالتالي على الدولة أن تتحمل كامل مسؤولياتها وتبذل كامل جهدها من أجل تمكين هذا القطاع الحيوي من لعب دوره المركزي في تأهيل البلاد ومساعدتها على الاندراج في مستلزمات التحديث والعصرنة عوض إعادة إنتاج نفس الاختلالات التاريخية التي جعلت هذا المجال يخفق في مساعدة المجتمع على إرساء دعائم التنمية الشاملة وتحقيق تطلعاته المشروعة لمواجهة التحديات العلمية والاجتماعية والاقتصادية وقد ظل هذا الموقف الذي يعتبر التعليم استثمارا استراتيجيا مناقضا للرؤية التي ظلت تدعي أن التعليم ليس إلا قطاعا مستهلكا، حيث آل الصراع أخيرا إلى الاعتراف بكون التعليم خيارا استراتيجيا وقاطرة فعلية للتنمية.
فحين نفكر بعمق في المسألة التعليمية فإننا نربط بوضوح كامل العلاقات المتشابكة بين الوضع العام للمجتمع المغربي ووضع منظومته التربوية، فأزمة التعليم ليست إلا بعضا من الأزمة الشاملة؛ والمأزق الذي وصل إليه التعليم المغربي ناجم بالأساس عن تراكم الأزمات المتوالية التي انتقدتها هيئات دولية، ومؤسسات مغربية دستورية وعلى رأسها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومجلس المنافسة، رغم أن الدولة تسوق لاهتمامها بالتربية والتكوين، سواء عبر الميثاق الوطني للتربية والتكوين، أو الدستور الحالي، أو البرنامج الاستعجالي، وبعد ذلك الرؤية الاستراتيجية 2015/2030، وخصصت للتربية والتكوين حيزا في النموذج التنموي، وتعتقد أنها ستغلق الباب أمام الانتقادات والتأويلات التي تعتبرها عدمية ومغرضة بمصادقة مجلس النواب على القانون الإطار 51/17 والذي صدر ظهير تنفيذه بالجريدة الرسمية بتاريخ 9 غشت 2019.