حقائق ومعطيات مثيرة وصادمة، بل ومفاجئة يكشف عنها لـ «الوطن الآن» خبراء من اللجنة التقنية، وأعضاء في المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد، بعضها لأول مرة، حول حقيقة الأزمة والاختلالات ومظاهر الإفلاس، والمستقبل المظلم الذي يتهدد أنظمة الحماية الاجتماعية التي يدبرها الصندوق المغربي للتقاعد، النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصندوق المهني المغربي للتقاعد، الذي يعتبر نظاما تكميليا وليس إجباريا.
محمد بوزكيري، حسن المرضي، محمد حيتوم، عبدالمالك أفرياط، يضعون إشكالية أنظمة الحماية الاجتماعية في إطارها الحقيقي الذي ترفض، أو تتهرب الحكومة، ورئيسها عبدالإله بنكيران، من الانخراط في مضمون إستراتيجية مقاربته، لأنه يتعارض وأطروحة مقاربتها القائمة على الإصلاحات المعيارية والمقياسية التي أعلنت «الثلاثية»: الاتحاد المغربي للشغل، الـ «ك.د.ش»، والـ «ف.د.ش»، في مذكرتها المطلبية المشتركة، عن رفضها، واعتبارها إصلاحات «لاشعبية»، وقررت تنفيذا لبلاغاتها السابقة، تنظيم مسيرة احتجاجية كبرى، يوم الأحد 6 أبريل 2014.. ليبقى السؤال هو، لماذا اتجهت سيناريوهات الإصلاح عموديا وليس أفقيا؟
إعداد: عبد الواحد الحطابي
حسن المرضي، الكاتب العام الوطني للنقابة الشعبية للمأجورين، عضو المجلس الوطني للصندوق المغربي للتقاعد، عضو اللجنة التقنية
نرفض كل إصلاح يمس القدرة الشرائية للمتقاعدين
يجب أن أشير إلى أن ملف أنظمة التقاعد يعتبر بالنظر لأهمية وخطورة أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ملف الساعة. ومع ذلك نسجل أن الحكومات التي توالت على تدبير الشأن العام تأخرت كثيرا في معالجته. هذا التأخير نفسه ينطبق اليوم على حكومة بنكيران. لماذا؟ لأنها بدورها رفعت شعار الإصلاح، ومع ذلك فإننا من موقعنا كممثلين للموظفين في المجلس الادارى للصندوق المغربي للتقاعد لم نلمس، إلى حدود الساعة، أي مبادرة إصلاح حقيقية لأنظمة التقاعد، لأنها تشكل، شئنا أم أبينا، أحد الأعمدة والأركان الحقيقية في نظام الحماية الاجتماعية التي تدخل في إطار المسؤولية العمومية للدولة. والدولة المفترض فيها انطلاقا من هذا المفهوم، أن توفر حماية اجتماعية حقيقية للمواطنين والأجراء بعد إحالتهم على التقاعد في سنهم القانوني، بما يحفظ كرامتهم ويؤمن عيشهم وفق قاعدة حقوقهم المتعاقد بشأنها حين ولوجهم الوظيفة العمومية، لا الإجهاز عليها وإدخالهم في أوضاع اجتماعية تهدد حقهم في العيش الكريم قبل البحث عن الأمد في الحياة. نقطة أساسية لابد من التوقف عندها، ونحن بصدد قراءة عامة في وضعية أنظمة التقاعد ببلادنا، وهي أن ملف هذه الصناديق يعتبر ملفا سياسيا بامتياز، لأن كل القرارات التي سيتم اتخاذها في هذا الشأن، هي قرارات سياسية. ويفترض فيها استحضار البعد الاقتصادي لأن ميزانية الصندوق، أو المحفظة المالية، أو أرصدة النظام، تمثل المرتبة الثانية في الاقتصاد المغربي، كما أنه يعتبر ثاني مستثمر في المغرب.
من هنا تأتي أهمية البعد الاقتصادي في المقاربة، ثم البعد الاجتماعي، والهدف من ورائه الحفاظ على كرامة المتقاعد، وضمان أمنه واستقراره الاجتماعي في مواجهة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وهو البعد الذي كان نصيبه الإقصاء والتهميش والتغيب في إعداد أطروحة الإصلاح من قبل مكاتب الدراسات، وهو تصور ما كان ليتم لولا وجود إشارات سياسية واضحة للرجل التقني.
نخلص من هذا إلى أن تعليق الحكومة للبعدين الاقتصادي والاجتماعي من سيناريو إصلاح الصناديق، والصندوق المغربي للتقاعد تحديدا، يؤسس لدينا قناعة أساسية باعتماد وتبني مقترح اللجنة التقنية الذي اشتغلت على إعداده فترة جد مهة، ويحتاج في تنفيذه إلى قرار سياسي شجاع. للأسف لا نرى له أثرا في أجندة حكامنا بهذا الشأن، لأن وجهة الإصلاح الوحيدة المعدة سلفا، هي جيوب منخرطي الصندوق، وسلة المتقاعدين. إن الحكومة لم تتقدم لحد الآن بأي سيناريو إصلاح حقيقي لأنظمة التقاعد الأربعة. وأتحدى أي مسؤول حكومي أن يقول العكس. فكل ما أقدمت عليه هو إعداد سيناريو حملة إعلامية وخطاب سياسي يقوم على «التهويل» والترعيب والتخويف من نفاذ احتياطي الصندوق المغربي للتقاعد، وجعل عموم الأجراء في مواجه كارثة اجتماعية في حال عدم قبول المقترح الحكومي وإن لم يتم طرحه بشكل رسمي، الذي يعني ترخيص المنخرط للدولة المرور بسلاسة إلى جيبه، قصد إعادة التوازن إلى الصندوق، وضمان ديمومة الحمياة الاجتماعية، وذلك بالتطبيق الحرفي لسيناريو الرفع في نسبة المساهمة في واجب الانخراط، والرفع في سن التقاعد، والتخفيض في راتب المعاش. هذه المعادلة في المنطق الرياضي غير مقبولة لأنه «ما يمكنش نساهم اكْثَرْ، ونخدم أكثر، ونَّاخُذْ قَلْ».
من المحقق أن المنطلق الحكومي في بناء هذه المعادلة مرده الاختلالات العميقة التي تضرب الصندوق. ونحن هنا نطرح السؤال: من المسؤول عن هذه الاختلالات إذا كان رئيس الحكومة هو رئيس المجلس الإداري للصندوق؟ ثم لماذا لم يتم الكشف لنا كممثلين عن المنخرطين والمتقاعدين عن حقيقة مدخرات المساهمين منذ 1995، وحقيقة مساهمات الدولة منذ تلك الفترة، والنتائج المترتبة عن المغادرة الطوعية، والخوصصة، على التوازن المالي للصندوق وديمومته؟
لا يجب أن يفهم من كلامنا هذا أننا ضد الإصلاح. إننا مع الإصلاح. الإصلاح التدريجي. الإصلاح الذي لا يزيد من متاعب المساهمين، ويضرب القدرة الشرائية للمتقاعدين. الإصلاح غير المتطاول على قاعدة الاشتراك المعمول بها دوليا، الثلثين للمشغل، والثلث للأجير. الإصلاح الذي يعتمد المقاربة التشاركية، البعيدة عن سياسة الإقصاء والاستفراد بالقرارات المصيرية. الإصلاح الذي يوسع من دائرة التمثيلية النقابية داخل المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد، ويمنحهم صلاحيات أوسع في المراقبة والتتبع. الإصلاح الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة. غير ذلك، لن يكون مصير أي مقترح إصلاح تتقدم به الحكومة، غير الرفض والاعتراض، وذلك حفاظا على مصالح المنخرطين ومستقبل تقاعدهم.
عبدالمالك أفرياط، عضو مجلس المستشارين، عضو اللجنة التقنية ممثلا للمركزية النقابية «ف.د.ش»
«السيديجي» تسبب للصندوق المغربي للتقاعد في خسارة مالية 4 ملايير درهم في شهر واحد
إن أنظمة التقاعد تعرف اليوم تهويلا غير مسبوق، وربما يرجع ذلك إلى الوضعية التي يمر منها الصندوق المغربي للتقاعد، على اعتبار أنه ربما -وأقول ربما- سيتم اللجوء سنة 2019 إلى احتياطي هذا الصندوق. وهذه قاعدة محاسباتية، عندما يتم اللجوء إلى الاحتياطي فإن هذا مؤشر على الأزمة. إلا أنه بالمقابل، هناك معطيات اللجنة التقنية، وكذا المندوبية السامية للتخطيط التي تقول إن هذا التهويل مبالغ فيه، لأن الصندوق المغربي للتقاعد عرف انتعاشا ملحوظا سنة 2012 و2013.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أننا ربما تأخرنا في إصلاح أنظمة التقاعد، وذلك لعدة اعتبارات، يمكن أن أذكر منها أساسا: أن المغرب لم يعرف حوارا اجتماعيا حقيقيا ينكب على كل هذه القضايا ذات الطابع الاجتماعي إلا بعد إحداث ما اصطلح عليه المجلس الاستشاري للحوار الاجتماعي سنة 1995، والذي كان من ضمن توصياته ضرورة الانكباب على وضعية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وليس الصناديق الأخرى؛ أن الدولة كمشغل لم تكن تؤدي مستحقاتها لفائدة الصندوق المغربي للتقاعد. وهذا سؤال عريض لا بد من طرحه اليوم: هل الدولة أدت فعلا مستحقاتها لفائدة الصندوق أم لا؟ لأنه، وعلى عهد حكومة التناوب الأولى، كان فتح الله ولعلو وزيرا للمالية قد اعترف أمام البرلمان بأن متأخرات الصندوق على ذمة الدولة تصل إلى حوالي 15 مليار درهم. والقانون ينص على أن احتياطي الصندوق المغربي للتقاعد يحال على صندوق الإيداع والتدبير. ونتساءل اليوم: ما هي مردودية هذا الاحتياطي؟ ثم هل استفاد الموظفون والأجراء بشكل عام من هذا التوظيف، لأن «السيديجي» يدبر أيضا احتياطي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد؟ إضافة إلى أنه اليوم هناك تنفيذ لأحدى توصيات البنك الدولي بخصوص كتلة الأجور بالمغرب التي تصل إلى 16 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وأنه من المفروض أن لا تتجاوز 9 إلى 10 في المائة مقارنة مع الدول التي تعد في مستوى نمو بلادنا كالبرازيل على سبيل المثال لا الحصر.
وهناك توصية أخرى، تتعلق بالمغادرة الطوعية التي نفذتها الدولة سنة 2006، علما أن هذا الإجراء كانت له مضاعفات كبيرة على التوازنات المالية للصندوق المغربي للتقاعد، لأنه لا يعقل أن يغادر ما يناهز 40 ألف موظفا العمل دون أن يكون لذلك نتائج محمودة على ديمومة الصندوق كما تصورها خبراء البنك الدولي. كما أن المغادرة الطوعية لم يكن لها أي انعكاس إيجابي على كتلة الأجور كما جاء في توصية البنك الدولي، بل إنها تجاوزت الكتلة التي كانت آنذاك في حدود 12 في المائة. واليوم هي تقدر بحوالي 13 في المائة من الناتج الداخلي. ويجب التذكير هنا إلى أن نتائج المغادرة الطوعية، هي ذات نتائج عملية الخوصصة. ثم إن هناك أيضا إشكال آخر، وهو أن الوظيفة العمومية يغادرها سنويا ما بين 20 إلى 24 ألف موظف، في حين لا يتم في المقابل تشغيل سوى نصف العدد، أي حوالي 10 و12 ألف سنويا. ناهيكم عن بعض العمليات المالية.
مثلا نحن نعلم أن بنك الإنماء، وهو بنك للدولة كان مفلسا، وكانت هناك عملية لشراء أسهم هذا البنك، تمت بين سنتي 2009 أو 2010 حيث خسر فيها الصندوق المغربي للتقاعد ما يقدر بـ 4 ملايير درهم في شهر واحد. وهناك إشكال آخر يتمثل في أن الدولة تعتبر أن الأمل في الحياة انتقل لدى الأجراء من 60 و66 سنة إلى 76 و77 سنة. هذا الإشكال يترتب عنه في نظرها خلخلة التوازنات المالية للصندوق على اعتبار أن المتقاعد يمكن أن يعيش إلى فوق الـ 70 والـ 80 سنة. وربما، وهذا أضعه بين قوسين، أن الحكومة تطالب بأن يتوفى الأجير مباشرة بعد إحالته على التقاعد، حتى يتمكنوا من الحفاظ على التوازنات المالية للصندوق.
في هذا الإطار، نعتبر أن أي إصلاح للصناديق، في غياب أي مقاربة تشاركية والدفع في اتجاه تبني ما اصطلح عليه بالإصلاحات المعيارية أو المقياسية، أي الزيادة في سن التقاعد ، والزيادة في نسبة المساهمة إلى أكثر من 30 في المائة بالتساوي بين الدولة، والمنخرط، إصلاح نرفضه جملة وتفصيلا. ولن نسمح بأن يلجأ رئيس الحكومة إلى اتخاذ قرارات تتعارض والإرادة الجماعية لعموم الأجراء، كأن يقول مثلا، وأمام الرأي العام الوطني، بأنه مستعد لتنفيذ إجراءات لاشعبية حتى وإن مست شعبيته وشعبية حزبه. ونحن نقول له، «فلتذهب شعبيته وشعبية حزبه» دون المساس بمصالح الطبقة العاملة.
محمد حيتوم، عضو اللجنة الإدارية للاتحاد المغربي للشغل، الكاتب العام للجامعة الوطنية لعمال السكك الحديدية، عضو اللجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد
تخوفنا أن تعمل الإصلاحات المقياسية على انتاج مشاكل إضافية
يمكن القول بإيجاز شديد، أن الصناديق الأربعة تتميز أولا كونها غير متجانسة، وبهذا تفتقد لمبدأي تضامن الأجيال والتضامن القطاعي. وتتسم، ثانيا، بضعف الحماية الاجتماعية، لأنها لا تشمل سوى ثلث الساكنة النشيطة. وهذا نعتبره مؤشرا خطيرا على مستوى التوازن المالي، وديمومة الصناديق. أما الميزة الثالثة، فإنها تتمثل في التفاوتات الكبيرة بين أنظمة التقاعد جميعها.
أمام هذا الوضع المتعدد الأنظمة، طُرح على اللجنة التقنية منذ تأسيسها سنة 2004، بعد اللجنة الوطنية، بأن تقوم بعملية إصلاح شاملة للأنظمة، خلصت في دراستها، التي استغرقت حوالي السنتين، وبعد استشارة المكتب الدولي للشغل، إلى وضع تصور يذهب في اتجاه التأسيس لقطبين لنظام التقاعد: قطب عمومي يدمج بين الصندوق المغربي للتقاعد، والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد؛ وقطب خاص، يجمع بين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصندوق المهني المغربي للتقاعد. وجَعلت لتطبيق تصورها المتعلق بـ «الإصلاح المقياسي» مراحل انتقالية أساسية بهدف التقريب بين النظامين العامين من حيث المساهمة، وطريقة احتساب المعاش. ويمكن القول إن عمل اللجنة التقنية لا علاقة له بما يقترح اليوم من قبل الحكومة، وإدارات الصناديق، وكذا الدراسات الاكتوارية. ففي الوقت الذي عملت فيه اللجنة على مناقشة وضعية الصناديق في جوهر قضاياها الأساسية، تأتينا الحكومة بسيناريوهات مخالفة ومناقضة تماما وطرح اللجنة التقنية، حيث ضرب عرض الحائط كل ما بذل من مجهود من أجل تجاوز إكراهات وضعية الصناديق، حيث يقوم طرحها على ما نسميه في ثقافتنا النقابية بـ «الإصلاح المالي» الذي يتحدد في الرفع في سن التقاعد. ونحن هنا نتشبث في جعله معيارا اختياريا لا إجباريا، والرفع في قيمة المساهمة والتخفيض في راتب المعاش، وهذا نعتبره مسا خطيرا بالمكتسبات.
انطلاقا من وعينا بهذه المكونات العامة للأنظمة، أعلنا عن رفضنا المقاربة المحاسباتية المعتمدة اليوم من قبل الحكومة، وطالبنا بالدخول في تفاوض جماعي، والاستمرار في العمل والدراسة والتقييم داخل اللجنة التقنية والوطنية وفق المنطق والقاعدة التي تم تحديدها سابقا، حتى نتمكن من الوصول إلى إصلاح شامل لأنظمة التقاعد. أما التركيز في الخطاب العمومي على أن الصناديق، وتحديدا الصندوق المغربي للتقاعد بأنه على حافة الإفلاس، فنعتبر من جانبنا أن هذا الكلام مجانب للصواب، لأننا نرى أن جميع الأنظمة التي تعتمد نظام التوزيع تبقى أزماتها غير ملموسة، ولأنها -كما قلت- تعتمد على التوزيع وليس رأس المال. من هنا كان الفشل مصير جميع الإصلاحات التي تم «تجريبها». لماذا؟ لأننا بكل بساطة لم نقم بأي عملية تقييم حقيقية لتلك التصورات الإصلاحية. ولذلك فإن تخوفنا الكبير أن تعمل هذه الإصلاحات المقياسية المطروحة الآن من الحكومة على إنتاج مشاكل إضافية غير متوقعة إذا ما ابتعدت عن جوهر القضية وحقيقتها، وشمولية الطرح للإشكالية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعي، وغياب الإرادة السياسية.
فمن العار أن نتحدث في الألفية الثالثة عن نسبة التغطية بـ 30 في المائة، وهذا ما نسميه في نقابتنا نوع من «إنتاج فقراء المستقبل» من خلال اتباع سياسة إغلاق باب التوظيف، وتهريب الحماية الاجتماعية، وتنفيذ إملاءات المؤسسات المالية التي كانت وراء القرارين الخاطئين، المغادرة الطوعية، والخوصصة. عوامل كان لها الأثر المباشر على ديمومة الصناديق وتوازناتها المالية. ولا نعتقد أن هذا التصور الحكومي يتماشى وفلسفة الإصلاح. بل إنه يتماشي وإعادة إنتاج جديد لأزمة أكثر خطورة كما تدعي الحكومة، وإن كنا لا نشاطرها الرأي والخلاصة ذاتها.
إن جوهر الخلاف بيننا وبين الحكومة، نؤسس له انطلاقا من مقاربتين: المقاربة المحاسباتية المعتمدة من قبل الحكومة لإصلاح الصناديق، وجوهرها البحث عن التوازنات المالية دون غيرها من العوامل ذات الصلة، وهي مقاربة نرفضها جملة وتفصيلا. ومقاربتنا ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي القائمة على الربط بين كافة الملفات المرتبطة بمنظومة الصناديق، ونحن ندعم هذا الطرح، علما أنه الطرح الذي تتبناه مركزياتنا النقابية في إطار التنسيق الثلاثي الذي يجمع الاتحاد المغربي للشغل، الـ «ك.د.ش»، والـ «ف.د.ش».
محمد بوزكيري، عضو المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد، ممثل الـ «ك.د.ش» في اللجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد
الحكومة تروج «التهويل» لضرب مصالح المتقاعدين
أعتقد أن إشكالية صناديق التقاعد الأربعة ببلادنا، يحيط بها الكثير من الغموض والالتباس ترتب عنها بطبيعة الحال، سوء فهم من قبل المنخرطين والمتقاعدين والأجراء وعموم الرأي العام الوطني، ناتج في تقديرنا، عن هول الأرقام المرعبة التي روجت لها الحكومة وسط البرلمان، ومجلس المستشارين، ووسائل الإعلام. وأقر من البداية، وهذا موقف لا اختلاف فيه بين مكونات ممثلي المنخرطين والمتقاعدين في المجلس الإداري للصندوق أو اللجنة التقنية، أن الصندوق يعيش مجموعة من الاختلالات والتجاوزات سواء على مستوى تطبيق نظام هيأة الحكامة، أو المجالات المتعلقة بمنظومة التسيير لنشاطه الاجتماعي. وهذا ما يمكن استنتاجه من آخر دورة للمجلس الإداري التي انعقدت يوم 7 يناير 2014 التي سجلنا فيها غياب رئيس الحكومة عبدالاله بنكيران عن أشغال المجلس، علما أن هذا الغياب طال جميع دورات المجلس الإداري السابقة.
المسألة الثانية التي أود الكشف عنها هنا، هي أننا كممثلين للمنخرطين في المجلس الإداري، وأعضاء في اللجنة التقنية، لم نتوصل بأي معطيات حقيقية تضعنا بصورة واضحة في مفهوم العجز والإفلاس والمصير المجهول الذي ينتظر الصندوق كما يقول رئيس الحكومة. لذلك نعتبر أن ما يتم الترويج له من قبل الحكومة وإدارة الصندوق من أرقام ومعطيات حول وضعية الصندوق لا تدخل سوى في إطار ما يمكن أن نسميه هنا بـ «عملية التهويل»، المراد منها تهيئ منخرطي الصندوق والمتقاعدين لقرارات لم تعد خلفياتها تنطلي على أحد منا.
نحن نعتبر أنفسنا في هذا الإطار، غير معنيين بهذه الأرقام وهذا القول، ونعتبرها لا تهم غير الجهاز المصرح بها. فنحن بدورنا، كممثلين للمنخرطين والمتقاعدين وأعضاء في اللجنة التقنية، لنا معطياتنا وأرقامنا. وعلى عكس ما تدعي الحكومة وإدارة الصندوق المغربي للتقاعد، فإن المحفظة المالية للصندوق تتوفر على فائض، وفي ارتفاع متزايد، وذلك بالرغم من ارتفاع ميزانية التسيير بـ 22 في المائة خلال السنة الماضية 2012/2013، في الوقت الذي كنا نتوقع أنها ستنخفض تنفيذا للوعد الذي قطعته على نفسها في اجتماعات عديدة. فميزانية الاستثمار ارتفعت بأكثر من 22 في المائة، في الوقت الذي كنا نتوقع أنها ستنخفض. وهذا لم يحصل منذ سنة 2010 إلى حدود السنة الماضية (2013).
إننا نعتبر أن ما تدعيه الحكومة وإدارة الصندوق من مظاهر العجز والإفلاس لهذا النظام التقاعدي، إنما هو واقع أنتجته سياسة اللامبالاة للمسؤولين المتبعة منذ أزيد من عقد من الزمن، وما رافقها من سوء التسيير والتدبير وغياب الحكامة. وهو ما انعكس سلبا على استثمارات المحفظة المالية للصندوق التي هي أقل أو تعادل 3 في المائة. ومن جانبنا كأعضاء في المجلس الإداري، كنا قد اقترحنا أن يتم تخصيص استثمارات المحفظة المالية للصندوق لفائدة المتقاعدين والمنخرطين في إطار أنظمة بنكية وفق قواعد شفافة وواضحة، وطرحنا في هذا السياق سؤالا جوهريا عن الأسباب التي جعلت استثمارات الصندوق لا تتعدى 3 في المائة، بينما المفترض أن تتراوح النسبة فيها بين 8 و12 في المائة. وعن الدافع وراء استغلال واستثمار فائض المحفظة المالية بعيدا عن قواعد الشفافية والعقلانية في التدبير، فهذا يقودني إلى الكشف عن حقيقة ربما تكون صادمة بعض الشئ، ذلك أن الاقتراحات التي جاءت بها الدراسات الاكتوارية، وطرحها المجلس الأعلى للحسابات، بنيت قاعدة تصورها على معطيات مغلوطة وخاطئة وغير صحيحة، و«ما بني على باطل فهو باطل».
ولنطرح السؤال: لماذا لم يلجأ قضاة المجلس إلى افتحاص تلك الأرقام والمعطيات والاختلالات والتجاوزات على مستوى بناء العقارات وتفويتها، أو الريع الذي يتم توزيعه على الصناديق؟ ثم لماذا لا يضعوننا كممثلين للمنخرطين وأعضاء اللجنة التقنية في صورة عملية الافتحاص والتدقيق؟ في تقديري الخاص، إذا كنا نريد الحديث عن سيناريوهات الإصلاح، فيجب العودة إلى خلاصات اللجنة التقنية، لا إلى الإصلاحات المقياسية التي تقوم على قاعدة «الاشتغال أكثر، مساهمة أكبر، والحاصل، معاش أقل».
لقد أعلنا، من جانبنا، عن رفضنا لكافة الإصلاحات المقياسية التي جاءت بها الدراسات الاكتوارية، لأن الحكومة وبـ «العربية تاعرابت، ما بَغاشْ دّيرْ إدّيها في جيبْها، ولكن بَاغيا دّيرْها فقط في جيب المنخرطين والمتقاعدين»، وهذا لن نقبله أبدا.